تداول بعض أساتذة الجامعات المصرية منشورا حكوميا يكشف عن قرار رسمي برفع رواتب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الحكومية بقيم ضئيلة بلغت ما بين 100 جنيه و550 جنيها، (5.27 دولار إلى 29 دولارا)، في الوقت الذي تتفاقم فيه أسعار السلع والخدمات بالبلاد، وتتدنى فيه أوضاع التعليم في مصر.
الزيادات، جاءت وفق منشور حمل رقم (2545) من مكتب رئيس الوزراء المصري الأحد، بنحو 100 جنيه للأستاذ المتفرغ، و200 جنيه للأستاذ المساعد والأستاذ المساعد متفرغ، و250 جنيها للمدرس والمدرس المتفرغ، و350 جنيها للمدرس المساعد، و550 جنيها للمعيد (الدولار=19.86 جنيه).
القرار الذي يأتي تحت بند حافز الجودة والتفرغ العلمي، ينطبق على 27 جامعة حكومية وجامعة الأزهر إلى جانب الهيئات التعليمية ومراكز الأبحاث الحكومية.
"أجواء الزيادة"
وبحسب نتائج استبيان خاص بأجور أساتذة الجامعات الحكومية في 12 دولة عربية أجراه موقع "الفنار للإعلام"، في كانون الثاني/ يناير 2014، فإن أجور الأساتذة بلبنان ودول الخليج هي الأعلى، بينما في مصر واليمن والمغرب، لا يقترب أعلى أجر للأستاذ الجامعي من الحد الأدنى اللازم لتخطي مستوى الطبقة المتوسطة.
ويعاني التعليم الجامعي المصري من أزمات عديدة تسببت في تراجع جامعاته في التصنيفات العالمية للتعليم والجامعات.
ووفق تصنيف "سيماجو" الإسباني لعام 2022، وفقا لأداء البحث، ومُخرجات الابتكار، والتأثير المجتمعي، فقد حلت جامعة القاهرة بالمركز الـ(456) عالميا وذلك على مستوى (8084) جامعة ومؤسسة بحثية عالميا، تليها عين شمس بالمركز الـ(578) عالميا، ثم الإسكندرية (593)، والمنصورة (606)، والزقازيق (615) عالميا.
وفي 28 كانون الثاني/ يناير 2021، ورغم أن تصنيف "بوميتركس" العالمي السنوي لتصنيف الجامعات بالعالم، ضم 72 جامعة مصرية، فإن أيا منها لم تظهر بقائمة أفضل 500 جامعة، إذ حلت جامعة القاهرة الأولى مصريا والرابعة عربيا بالمركز الـ551 عالميا.
"تجاهل مريب"
المثير أن تلك الزيادات تتزامن مع اشتعال الأسعار في البلاد وزيادة التضخم ليصل إلى 15.3 بالمئة في أيار/ مايو الماضي، ورفع الحكومة سعر استهلاك البنزين والسولار، وبالتالي قيمة تذاكر ركوب القطارات والمترو وتعريفة ركوب المواصلات الخاصة.
أساتذة وأعضاء هيئات تدريس بجامعات حكومية مصرية سخروا من قيمة تلك الزيادة المقرر تنفيذها في تموز/ يوليو الجاري، مؤكدين أن نسبة 35 بالمئة منها سوف يجري خصمها منها ما بين تأمينات اجتماعية وضرائب، مؤكدين أن قيمة الزيادة لن تتعدى الـ65 جنيها للأستاذ وأقل من 400 جنيه للمعيد.
"عربي21"، استمعت لشكاوى العديد من أعضاء هيئات تدريس بكليات وجامعات مصرية مختلفة، اشتكوا من التجاهل المريب لأوضاعهم داخل الجامعة ابتداء من وجود الرقيب الأمني على كل تحركاتهم في الداخل وخارج البلاد وسفرهم الذي يجري بإذن أمني، إلى جانب الرقابة على كل ما يقولونه داخل المدرجات أو ينشرونه من أفكار وكتب وأبحاث.
ومنتصف العام الماضي، صدر أمر حكومي لرؤساء الجامعات والعمداء بالإبلاغ عن المعارضين للنظام داخل هيئة التدريس، وهو ما كشف عنه اجتماع للمجلس الأعلى للجامعات (حكومي) 27 تموز/ يوليو 2021.
ولفت أساتذة، أيضا، إلى أن أوضاعهم المالية والاقتصادية والاجتماعية لا تختلف عن أي مصري يعاني من قلة الدخل وضعف الرواتب والتجاهل الحكومي لكادر الأستاذ الجامعي، مشيرين إلى تفاقم أزماتهم مع الارتفاع المتواصل في أسعار السلع والخدمات طوال عهد رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي.
وفي المقابل، يمنح النظام الحاكم العسكريين مجموعة غير مسبوقة من الامتيازات المادية ورفع الرواتب وزيادة المخصصات والمنح والمكافأت وتمييزهم على كافة فئات المجتمع، مع منح امتيازات عديدة لرجال الشرطة والقضاة، وذلك طوال نحو 9 سنوات ومنذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013، وحتى اليوم.
وفي 5 تموز/ يوليو الجاري، نشرت الجريدة الرسمية قرار السيسي الذي يقضي بمنح خريجي الكليات العسكرية درجات الليسانس والبكالوريوس المماثلة في الكليات المدنية.
ومطلع تموز/ يوليو الجاري، أثارت تسريبات صحفية عن إقرار السيسي صلاحيات وامتيازات غير مسبوقة لضباط الجيش وأفراده وعائلاتهم ومن هم في سن المعاش.. تضعهم فوق أي جهات أخرى مثل الشرطة والقضاء وجهات الرقابة الإدارية، وغيرهما.
"زيادات مهينة"
وفي تعليقه على زيادة رواتب أساتذة الجامعات الجديدة، قال الأكاديمي المصري مصطفى الجمال: "بالطبع زيادات مهينة؛ ليس فقط لأساتذة الجامعات، فهناك محنة عامة لحصة الأجور ككل من الدخل القومي مقارنة بعوائد الملكية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "كما أن سلم الأجور معوج في كل مؤسسة بفوارق غير حكيمة، وتحايلات كثيرة لصالح الوظائف العليا، من بدلات ولجان ومكافآت... الخ".
وعن نتيجة تلك الحالة، أكد الجمال، أنه "بالنسبة للجامعات فإن الأجور المهينة تدفع الأساتذة إلى البحث عن سبل أخرى للتعويض بالكتب والمذكرات والحصص في المعاهد الأهلية".
ويرى أن "هذا كله عبء هائل على أسر الطلاب، كما أنه يغلق قريحة الأستاذ والطالب عن العملية التعليمية كلها، فتصبح شكلية وهزلية وربما فاسدة".
وعن رؤيته لسبب ازدراء أستاذ الجامعة وتكريم ضباط الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، قال الجمال: "هذه مؤسسات الولاء والسيادة والتأثير، وللأسف فإن أساتذة الجامعات انحازوا طبقيا لسلطات الانفتاح واشتركوا بالعمد والتجاهل في تحطيم المنظمات والحركات الطلابية".
وأوضح أنه بعدها ونتيجة لذلك "تراجعت قيمة أستاذ الجامعة في نظر النظام، وأخذوا يجرون وراء الإعارات والبحوث الأجنبية والاستشارات والعمل الخارجي والدروس الخصوصية وحتى استغلال الطلاب بوسائل عدة مثل المذكرات".
"جامعات طاردة"
وخلال السنوات الماضية حدث تغول كبير من الجامعات الخاصة والأهلية والأجنبية على الجامعات الحكومية التي بدت طاردة لأعداد كبيرة من الأساتذة وأصحاب الخبرات بسبب ما تقدمه تلك الجامعات من رواتب أضعاف الحكومية خاصة وأنها تلاقي اهتمام النظام.
ومؤسسات التعليم الجامعي في مصر نحو 72 جامعة و217 معهدا تستقبل نحو 650 ألف خريج للمدارس الحكومية والخاصة، و114 ألفا بالتعليم الأزهري، ونحو 200 ألفا للدبلومات الفنية، وحوالي 15 ألف وافد سنويا.
إلى جانب ذلك توجد الجامعات الأهلية مثل: الملك سلمان، الجلالة، العلمين، المنصورة الجديدة. وهناك الجامعات الخاصة التي تبلغ نحو 37 كيانا ومئات الكليات والمعاهد. وإلى جانب عشرت الجامعات الأجنبية فقد منحت السلطات رخصا لـخمس جامعات أجنبية عام 2018.
"تدمير متعمد"
أكاديمي مصري آخر، قال إن "قرار رفع رواتب الأساتذة بتلك القيم المهينة مع قيم الرواتب المخزية التي يتقاضاها المجتمع الجامعي الحكومي والثابتة على أساسي عام 2015، ما هو إلا إساءة موجهة لعلماء مصر، وتدمير متعمد يتسبب في هجرة الكفاءات وعزوف المتميزين عن التعيين بهذا الكادر".
الأكاديمي الذي تحدث لـ"عربي21"، شريطة عدم ذكر اسمه ولا تخصصه العلمي والكلية التي يعمل بها، أكد أن "هذا الكادر أدخل كل من عمل به في شريحة محدودي الدخل، بعد أن عرفها مجلس الوزراء بمشروع الإسكان الاجتماعي الأخير، بأنه من يصل دخل أسرته إلى 8 آلاف جنيه".
ويرى أن "هذا التجاهل الواضح لإصلاح هيكل رواتب المجتمع الجامعي الموضوعة بقانونه منذ عام 1972، وبالرغم من أنه من الكادرات الخاصة؛ إلا أن كافة الكادرات الأخرى تم إصلاح رواتبها وتعمدوا تجاهل كادر الجامعات، وذلك ليس له إلا تفسير واحد فقط".
وأوضح أنه "تدمير الجامعات الحكومية، وسحب كفاءاتها لصالح الجامعات الخاصة والأهلية، خاصة أنه صدر قانون منذ وقت قريب لرواتب الجامعات التكنولوجية كانت قيم الرواتب فيه أكبر بثلاثة أضعاف راتب أقدم أستاذ جامعة حكومية".
وشبه الأكاديمي المصري ما يجري في جامعات مصر بما حدث في "مصانع القطاع العام من تدمير ممنهج لإعلانها خاسرة وخصخصتها"، مؤكدا أنه "بالضبط ما يحدث الآن بجامعات مصر الحكومية".
ويسيطر الجانب الأمني على اختيارات الكوادر الجامعية ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الأقسام، إذ إن السيسي وفي حزيران/ يونيو 2014، ألغى قرار الرئيس الراحل محمد مرسي بانتخاب أصحاب تلك المناصب عبر الاقتراع الحر، ليجري استبعاد كل صاحب رأي معارض للنظام.
"أوضاع قاسية"
أستاذ جامعي مصري ثالث ترك الجامعة الحكومية التي كان يعمل بها لأكثر من 20 عاما ليعمل في إحدى جامعات الخليج العربي، عبّر في حديثه لـ"عربي21"، عن شديد أسفه على "وضع الأستاذ المصري القاسي رغم كفاءته ورغم الظروف العلمية والأكاديمية الصعبة وقلة الدعم الحكومي للأبحاث العلمية والدراسات".
الأكاديمي الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال: "هذه هي مصر التي أحبها"، متسائلا: "ماذا تتوقع أن يكون عليه حال الأستاذ الجامعي، وهو ليس من لاعبي كرة ولا الفنانين ولا حتى من راقصي الدرجة الثالثة"، مضيفا: "لن نتساوى بحمو بيكا وغيره ممن لا يعرفون كيف يكتبون اسمهم".
وانتقد الأكاديمي المصري من يلومون الأساتذة والقامات العلمية لخروجها من مصر، وهروبها إلى جامعات خليجية وأجنبية، مؤكدا أنها "الوسيلة الوحيدة المتبقية أمامنا"، موضحا أن "الغربة صارت الخيار الأفضل للكثيرين عن مصر في ظل هذه الأوضاع، ومع من كرهونا في البلد".
ولكي يجري إصلاح هذا الخلل، لفت الأكاديمي المصري إلى "ضرورة الأخذ بالتجربة اليابانية التي يكون أستاذ الجامعة أو التعليم النظامي فيها، له هيبة إمبراطور البلاد، وراتب رئيس وزرائها، ومعاملة الدبلوماسي"، مشيرا إلى أن "هذه فلسفة اليابان في التعليم".
انتقادات متواصلة في تونس لـ"دستور سعيّد".. دعوات للتظاهر
تأكيدا لـ"عربي21".. مجلس "أمناء الحوار" بمصر ينعقد الثلاثاء
نجل إيمان البحر درويش ينفي اختفاء والده "قسريا" (شاهد)