أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم الثلاثاء 27 تموز/ يوليو 2022 نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر إن نسبة التصويت الأولية على مشروع الدستور بنعم قد بلغت مليونين و607 آلاف بنسبة 94 بالمائة. وبلغت نسبة الرفض الأولية لمشروع الدستور حد 148,723 بنسبة 5.4 بالمائة.
يذكر أن الهيئة نفسها قد أعلنت في وقت سابق أن عدد المشاركين في الاستفتاء بلغ مليونين و458 ألفا و985 ناخبا داخل تونس بنسبة 27.54 بالمئة من الناخبين المسجلين.
وإن تزامن الإعلان عن النتائج مع حملة تشكيك واسعة من قبل أطراف معارضة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بسبب أرقام قالت الهيئة لاحقا إنها تسربت خطأ لموقعها الإلكتروني بحسب بيان ممضي من رئيسها، فإن ما يتداول اليوم في الساحة التونسية هو التساؤل عن الخطوات القادمة للرئيس قيس سعيد، وهل يمكن للرئيس التونسي أن يستغل الأوضاع الحالية ويعلن انتخابات رئاسية مبكرة؟
الاستثمار في نتائج الاستفتاء
ومن المبررات التي يمكن أن يرتكز عليها سعيد لإعلان انتخابات رئاسية مبكرة هو حالة الانتشاء التي يعيش على وقعها أنصاره من إعلان نتائج الاستفتاء، وكذلك حالة التنظم الحاصلة في صفوف التنسيقيات الداعمة له في كل الجهات للإشراف على حملة الإقناع بالدستور الجديد.
وهو ما أكده رئيس "منتدى آفاق جديدة" عبد الحميد الجلاصي لـ"عربي21" قائلا: "مزاج قيس سعيد يزين له أنه حقق انتصارا كاسحا، ويتجاهل كل الإخلالات التي اعترضت الاستفتاء بدءا من منهجية إعداد مضمونة إلى الفضائح المصاحبة لإحصاء النتائج".
هذا المزاج يدفعه للمضي إلى الأمام، وفرض مزيد من الأمر الواقع ويستثمر ضعف أو تواطؤ الصوت الدولي، وعدم انتباه المعارضات لفرصة تجميع الصفوف في تحرك ميداني جامع لتدشين مرحلة جديدة لمواجهة الانقلاب في طوره الجديد.
اقرأ أيضا: قراءة في نتائج الاستفتاء بتونس.. إلى أين تتجه البلاد؟
ومن الورقات التي يمكن أن يلجأ إليها سعيد تغيير الحكومة، أو حتى الدعوة لانتخابات رئاسية سابقة لأوانها قبل التشريعيات المبرمجة في ديسمبر، مستفيدا في ذلك من زخم الاستفتاء وللتأثير في خارطة ما بعد التشريعيات وضمان عهدة طويلة بخمس سنوات.
واستدرك الجلاصي: "ولكني لا أعتقد أن سعيد سيقوم بهذه المبادرات، هو مستغرق في حرفية أجندته، يسعى إلى فرض نظام انتخابي".
ويضيف رئيس "منتدى آفاق جديدة": "ولكن ما يغفله ليس الحراك السياسي المعارض و إنما الحراك الاجتماعي القادم والذي لن يجد له حلولا، ولن يستطيع أن يتعلل من هنا فصاعدا بعرقلة ما يسميها "المنظومة الفاسدة.. وأخطر المراحل هي التي تواجه فيه الشعبويات الفاشلة انتفاضة الشعب الذي تدعي الدفاع عنه".
"وضع مشجع"
و مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة إن لم يصدر بصفة صريحة إلى الآن من قبل قيس سعيد فإن بعض الأطراف المناصرة له عبرت عن موقفها الداعم لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على غرار تصريح رئيس حزب حركة الشعب زهير المغزاوي الذي قال فيه: "نحن في حركة الشعب نحبذ إجراء انتخابات رئاسية مبكرة". وطالبت المعارضة في بيان صادر عن جبهة الخلاص، قيس سعيد، بإعلان انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة نظرا لفشله في الاستفتاء.
وحول مدى استعدادها لهذه المحطات إن أعلنها قيس سعيد يقول عضو الهيئة السياسية لجبهة الخلاص ووزير الفلاحة السابق أسامة الخريجي لـ "عربي21": "إن المعارضة مستعدة لأي محطة انتخابية بما في ذلك الانتخابات الرئاسية المبكرة".
ويضيف الخريجي أن "الاستفتاء أثبت قوة المعارضة وتجذرها في المجتمع حيث استجاب 75 بالمائة من الناخبين إلى خيار المقاطعة التي طالبت بها".
ويرى الخريجي أن "المعارضة ترى في إزاحة الانقلاب مطلبا شعبيا ومصلحة وطنية وهو ما يحتم عليها مزيد التنسيق والتعاون من أجل إعادة البلاد الى مسار الديمقراطية".
في المقابل يقول عضو المكتب السياسي لحزب التيار الشعبي -الداعم للرئيس- وليد العباسي لـ "عربي21": "يبدو للمتابعين للشأن التونسي من الخارج أن للنخب المعارضة أغلبية في المشهد السياسي، إلا أنه بان بالكاشف خاصة بعد ظهور نتائج الاستفتاء، أن هذه المجموعات لا وزن لها".
ويضيف العباسي أن "المعارضة في تونس هي نخب متعالية وغير قادرة على التأثير في الشعب، بالاضافة إلى وجود وجوه فاشلة بينها لا مستقبل لها خاصة في ظل ما فيها من تناقضات واختلافات عميقة".
ويرى عضو المكتب السياسي لحزب التيار الشعبي أن "قيس سعيد اليوم في طريق مفتوح بدون منافس وفي حال إعلانه انتخابات رئاسية مبكرة الآن فإنه سيكون الفائز بها حتما".
اقرأ أيضا: تواصل رفض الاستفتاء بتونس.. الأمم المتحدة: سنراجع الدستور
خطوة استباقية
ومع الأسباب السياسية التي يمكن أن تدفع قيس سعيد إلى أن يعلن انتخابات رئاسية مبكرة فإن هناك أسبابا اقتصادية واجتماعية قد تدفعه نحو هذا الخيار، حيث إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة الآن في البلاد وما يظهر عنها من تأخر في صرف الأجور و تراجع قيمة الدينار التونسي ونقص عديد المواد الأساسية في الأسواق يرجح أن تزداد سوءا في قادم السنوات في ظل غياب حلول للأزمة المحلية وتنبؤ بانعكاسات دولية سلبية للحرب في أوكرانيا في السنوات القادمة.
وهنا يمكن أن يستبق قيس سعيد هذه الأزمة والتي لا يمكن أن يربطها بنتائج حكم النهضة وحلفائها كما يفعل اليوم، ويعلن انتخابات رئاسية مبكرة.
وفي هذا الصدد يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا أشكندالي لـ "عربي21": "الأكيد أن انعكاسات الحرب في أوكرانيا ستظهر أساسا في السنتين القادمتين ومن المتوقع أن تكون تونس من بين الدول المتأثرة سلبا بهذه الانعكاسات".
ويضيف أشكندالي: "الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس اليوم صعب ولا توجد مؤشرات عن تعافيه في المنظور القريب".
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن "الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية لحكم الرئيس سعيد الآن سلبية لكن في تقديري لن تكون أفضل بعد سنتين، تاريخ إنجاز الانتخابات الرئاسية".
لذا.. وإن كانت أولويات قيس سعيد المعلنة اليوم هي إجراء تعديلات على القانون الانتخابي استعدادا للانتخابات التشريعية المبرمجة في شهر كانون الأول/ ديسمبر القادم، فإن سيناريو إعلان انتخابات رئاسية تسبق محطة الانتخابات التشريعية أو تتزامن معها يبقى من الخيارات الممكنة، خاصة أن بعض الأصوات المقربة من الرئاسة التونسية على غرار الناشط السياسي طارق الكحلاوي انطلقت في الحديث عن هذا الخيار في المنابر الإعلامية.
قراءة في نتائج الاستفتاء بتونس.. إلى أين تتجه البلاد؟
منظمات رقابية تونسية توثّق خروقات بالاستفتاء (فيديو)
انتهاء الاقتراع بتونس.. ونسبة المشاركة 27.5 بالمئة (شاهد)