لم تحظ أية جامعة مغاربية بالتصنيف ضمن أفضل ألف جامعة في العالم، بحسب
التقرير
السنوي الأخير (2022)، الذي دأبت جامعة شنغهاي الصينية على إصداره منذ 2009. والحقيقة
لم يكن هذا الخبر مفاجئا، لأن
الجامعات المغاربية ظلت على مدار كل السنوات السابقة
غائبة عن ترتيب كوكبة الألف جامعة الأفضل في العالم، وقليلا ما شكل هذا الغياب مصدر
قلق للدول المعنية وصناع سياسات التعليم والبحث
العلمي فيها. وحدها بعض النخب
الأكاديمية تتفاعل جزئيا مع الموضوع كلما صدر التقرير السنوي وأعلن عن الترتيب،
وسرعان ما يخفت الحديث وتعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، علما أن ثمة كفاءات علمية
مرموقة في المهاجر، كما أن هناك جهودا فردية تبذل هنا وهناك من قبل المجتمع
الأكاديمي المغاربي، دون أن تكون لها بنيات حاضنة تُثمن عملها وتدمجه ضمن سياسات مستدامة
وذات بُعد استراتيجي.
جاءت صورة الجامعات المغاربية شاحبة ومحزنة ليس دوليا فحسب، بل عربيا أيضا،
حيث تم ترتيب عدد من الجامعات العربية ضمن أفضل ألف جامعة عالمية، بل هناك من هذه
الجامعات ما تغير ترتيبها إيجابيا مقارنة مع التقارير السنوية السابقة.
فعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها بعض الأكاديميين المصريين لترتيب
جامعات بلدهم، احتلت جامعة القاهرة -على سبيل المثال- المرتبة 301 في الترتيب، تُضاف
إليها ست جامعات أخرى في مواقع مختلفة ضمن ألف أفضل جامعة.
ثمة كفاءات علمية مرموقة في المهاجر، كما أن هناك جهودا فردية تبذل هنا وهناك من قبل المجتمع الأكاديمي المغاربي، دون أن تكون لها بنيات حاضنة تُثمن عملها وتدمجه ضمن سياسات مستدامة وذات بُعد استراتيجي
وقد حظيت 19 جامعة عربية بالترتيب ضمن تقرير جامعة شنغهاي لهذا العام (2022)،
إذ علاوة على سبع جامعات مصرية، هناك 12 جامعة من كل من المملكة العربية السعودية (7)،
الإمارات (1)، الأردن (1)، لبنان (1)، سلطنة عمان (1)، قطر (1)، بينما بقيت كل
البلدان العربية الأخرى خارج الترتيب، وعلى رأسها البلاد المغاربية.
وبالموازاة، حافظت الجامعات العريقة على مكانتها في الترتيب، حيث صُنفت
جامعة "هارفارد" للمرة العشرين كأول أفضل جامعة في العالم، تليها جامعة
"ستانفورد"، وبعدها في المرتبة الثالثة "معهد ماساتشوستس
للتكنولوجيا (MIT)".
جدير بالإشارة أن المعايير المعتمدة في
تصنيف الجامعات وفق تقرير جامعة
شنغهاي، هي ستة، منها: عدد الفائزين بجوائز نوبل وميداليز فيلدز بين خريجيها وأساتذتها،
فضلا عن عدد الباحثين الذين ترد أسماؤهم كثيرا في مجال اختصاصهم، أو حتى عدد المقالات
المنشورة في مجلتي "ساينس" و"نيتشر".
كيف إذن يمكن تفسير غياب الجامعات المغاربية عن التصنيف الدولي لأفضل ألف
جامعة في العالم، الذي حصر الجامعات المرشحة للاختيار في 2500 جامعة هذا العام (2022)؟
هناك في الواقع أكثر من مصدر وسبب لتفسير عجز الجامعات المغاربية عن الالتحاق
بكوكبة الجامعات الألف الأفضل في العالم. فبدون الانتقاص من الجهود التي يبذلها الأكاديميون
العرب الأوفياء لمهنتهم العلمية، والمقتنعون برسالة الجامعة ودورها في التحصيل العلمي
والتنوير الفكري والثقافي، والابتكار الخلاق من أجل النهوض بالمجتمعات، ثمة مصفوفة
من العوامل المسؤولة عن تخلف الجامعات المغاربية، وتأخرها في مراتب التصنيف
العالمي، لعل أبرزها نصيب الإنفاق المالي على
البحث العلمي والتطوير من الناتج
القومي، الذي ما زال من أضعف النسب عالميا، حيث لا تتجاوز نسبته 3.0، مقارنة بـ6.2 في المئة في
الولايات المتحدة الأمريكية، و3.2 في المئة في اليابان، و4 في المئة في السويد، و9.4 في المئة في
إسرائيل.
والحال أن البحث العلمي لا يستقيم ويتطور، ويعطي النتائج المرجوة منه، بدون
إنفاق مالي فعلي وحقيقي. وقد أبانت جائحة كورونا عن مدى أهمية البحث والابتكار في
مواجهة الأزمات الكبرى، كما هو حال الأوضاع التي أنتجها وباء كوفيد 19 ومتحوراته.
فقد باتت البلاد العربية برمتها عرضة للتبعية والحاجة لغيرها من البلدان المتقدمة
علميا حتى في أبسط وسائل مقاومة الوباء، علما -وهذه من المفارقات الكبرى التي كشفت
عنها الجائحة- أن علماء كُثرا من العالم العربي يشتغلون بمؤسسات ومختبرات أجنبية، كانوا في صدارة من ساهموا بقوة في اكتشاف مجمل اللقاحات المضادة للوباء..
إلى جانب ضعف الإنفاق المالي على البحث العلمي والتطوير، هناك ضعف البيئة
الحاضنة للعلم والعلماء، وهشاشة القيم المحفزة على الابتكار، والمبادرة الخلاقة، والاعتراف
بالكفاءة والجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص. فمجمل الجامعات المغاربية، نشأت
كجامعات تدريس وتلقين، لا سيما الكليات والمعاهد الاجتماعية والإنسانية.
يُمثل الفساد في تدبير الجامعات واختيار قياداتها، وصرف موازناتها، والتعامل مع هيئاتها الأكاديمية؛ أسبابا جوهرية في تقهقر الجامعات المغاربية، وانحصار أدوارها في الإنتاج والعطاء العلميين، وما لم يُنجز التغيير العميق في تجاوز هذه المصادر المعيقة للعلم والعلماء، ستظل الجامعات المغاربية تترنح في مكانها
وقليلة هي المؤسسات التي أولت للبحث العلمي والابتكار والتطوير أهمية استراتيجية،
وأدمجتها ضمن رؤى بعيدة المدى، وربطتها بشكل قوي بالمشاريع المجتمعية، وحولتها إلى
روافد لهذه الأخيرة، لأن الدول ذاتها تفتقد في أغلبها إلى مشاريع مجتمعية، واضحة
ومتوافق حولها داخليا. لذلك، تشكو الجامعات المغاربية عموما، وإن بدرجات مختلفة في
الدرجة، من ضمور لقيم الاستحقاق، والاعتراف بالكفاءة، وتثمين العطاءات العلمية
الفردية والجماعية والتشجيع عليها، وبث روح التقييم والتقويم والمساءلة والمحاسبة.
يمكن أن نضيف عاملا ثالثا لتفسير غياب الجامعات المغاربية عن ركب الترتيب
العالمي لأفضل ألف جامعة، وهو لا يقل أهمية وخطورة عن العاملين السابقين، يتعلق بآفة
الفساد وغياب النزاهة الأكاديمية والحكامة الجامعية. وهي في كل الأحوال صورة مصغرة
عن الآفة الكبرى التي تنخر مجمل البلاد العربية، كما تعكس ذلك مراتبها في سلالم تقارير
الشفافية في العالم.
لذلك، يُمثل الفساد في تدبير الجامعات واختيار قياداتها، وصرف موازناتها، والتعامل
مع هيئاتها الأكاديمية؛ أسبابا جوهرية في تقهقر الجامعات المغاربية، وانحصار
أدوارها في الإنتاج والعطاء العلميين، وما لم يُنجز التغيير العميق في تجاوز هذه
المصادر المعيقة للعلم والعلماء، ستظل الجامعات المغاربية تترنح في مكانها وتدور
في حلقة مفرغة، وتراكم التراجعات والخسائر، والأخطر تساهم في تعطيل نهضة المجتمعات
ونمائها.