كشف "معهد واشنطن" عن تفاصيل فوز تركيا غير المتوقع بمناقصة إدارة مشروع إعادة إعمار مطار الموصل الدولي في محافظة نينوى، الذي استعاده العراق مدمرا في شباط/فبراير 2017، بعد طرد عناصر تنظيم الدولة من المحافظة.
وقال المعهد في تقرير أعده الباحث المتخصص في شؤون العراق والسياسة الكردية في المنطقة والميليشيات الشيعية في الشرق الأوسط، محمد آلاغا، إنه على الرغم من المنافسة الفرنسية التي واجهتها تركيا مؤخرا في مناقصة إدارة مشروع إعادة إعمار مطار الموصل الدولي، إلا أنها فازت بها بشكل غير متوقع.
ووقع محافظ نينوى، نجم الجبوري، عقدا مع شركتين تركيتين، هما "T.A.V" و"77"، لمشروع إعادة إعمار المطار الحيوي بالنسبة للمحافظة الواقعة في شمال العراق، وفي 10 آب/أغسطس وضع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حجر الأساس للمشروع، الذي يتمتع بقيمة رمزية في نظر العراقيين تتجاوز كونه مشروعا لإعادة الإعمار في حقبة ما بعد تنظيم الدولة، وفقا للتقرير.
وقال التقرير إن مدينة الموصل التي استعادتها القوات العراقية في عام 2017 بعد ثلاث سنوات من احتلال تنظيم الدولة لها، فقدت مطارها وعدة مبان وبنى تحتية أخرى، والآن توشك المدينة على استعادة مظهرها السابق لحقبة التنظيم وسط تنافس عدة دول على عقود إعادة الإعمار المربحة.
وأضاف: "أصرت تركيا بشدة على إصلاح مطار الموصل منذ طرد تنظيم الدولة، ويعزى السبب بدرجة كبيرة إلى القرب الجغرافي للموصل من المناطق الداخلية السياسية والاقتصادية في تركيا. وفي المراحل الأولى، كانت الشركتان التركيتان "كورك للإنشاءات"، التي تتولى عادة مشاريع الإعمار في إقليم كردستان العراق، و"كاليون القابضة"، التي تشارك في بناء "مطار إسطنبول" ومشاريع المترو، مرشحتين لمشروع إعادة إعمار مطار الموصل.
إلا أن الشركتين - بحسب التقرير- واجهتا مقاومة منذ البداية، لا سيما في ما يتعلق باقتراحهما لنموذج البناء والتشغيل والنقل -وهو نموذج يخول الشركتين بناء المطار أولا ثم إدارته بعد ذلك قبل تسليمه إلى الحكومة العراقية. وفي إطار هذا النموذج، كانت الشركتان تتوقعان أمرين هما: أن توفر القوات العراقية أمن المطار، وأن يضمن الجانب العراقي خمسين ألف مسافر شهريا لمدة عشرين عاما. وعلى الرغم من شيوع اقتراح البناء والتشغيل والنقل هذا في تركيا، لم ترحب به الحكومة العراقية، التي كان سيطلب منها دفع ما يقرب من 25 دولارا لكل راكب إذا تعذر الوصول إلى الهدف.
وخلافا للاقتراح التركي، عرضت الشركة الفرنسية "ADPI" تنفيذ المشروع كجهة مقاوِلة فحسب، بدلا من تشغيل المطار بعد ذلك. وهذه الشركة معروفة وتشارك بالفعل في تطوير بغداد والبصرة وبناء مطار دهوك. وفيما توقعت تركيا أن تستلم شركتاها المشروع، خاب أملها عندما سمحت الحكومة العراقية لـ"سلطة الطيران المدني العراقي" بالتفاوض وتوقيع عقد مع شركة "ADPI" في كانون الثاني/يناير 2021، وفقا للتقرير.
اقرأ أيضا: محافظ نينوى: افتتاح مطار الموصل الدولي مطلع العام المقبل
وأوضح التقرير، أن اتفاق العراق مع شركة "ADPI" على حساب شركتي "كورك للإنشاءات" و"كاليون القابضة" جاء بمثابة صدمة، لا سيما مع زيارة الكاظمي إلى أنقرة في كانون الأول/ديسمبر 2020، والمواجهة المتوترة بالفعل التي تحصل بين فرنسا وتركيا في الشرق الأوسط. وبدا علنا أن السفير التركي آنذاك في العراق، فاتح يلدز، تقبل الوضع على مضض قائلا: "يبدو أن جهة أخرى ستتولى هذا المشروع". ومع ذلك، سرعان ما عاد العقد إلى تركيا في الأشهر اللاحقة.
ونقل التقرير عن مصدر موثوق طلب عدم الكشف عن هويته أن التحول من الشركة الفرنسية إلى شركتين تركيتين في اللحظة الأخيرة كان سببه إصرار بعض الجهات الفاعلة المحلية في الموصل ورئيس الوزراء الكاظمي. ويبدو -وفقا للمصدر- أن هذه الجهات الفاعلة السياسية العراقية أخذت زمام المبادرة لتسليم المشروع إلى هيئات تركية في اللحظة الأخيرة سعيا إلى تعزيز العلاقة العراقية التركية.
وأضاف التقرير: "يُعتقَد أن نموذج القرض الفرنسي اعتُبر في النهاية غير مناسب. وعرضت أيضا الشركتان التركيتان إمكانية بناء المطار بتكلفة أقل، ما جعل الجانب التركي خيارا أكثر جاذبية بالنسبة إلى العراق".
وقال نائب الموصل، لقمان الرشيدي: "منعنا المشروع من الذهاب إلى الفرنسيين لأنهم أرادوا تنفيذه مقابل قرض. وفي اجتماعنا مع رئيس الوزراء، ذكرنا أن الموصل لها ميزانيتها الخاصة، وأنه لا داعي لتنفيذ المشروع بالائتمان".
وذكر التقرير أنه تردد أيضا في العراق أن الولايات المتحدة لم تكن مرتاحة لتدخل فرنسا في الموصل، ومن هنا جاء القرار النهائي بالتوقيع مع شركتَي "T.A.V" و"77". فبعد انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، يرى بعض المراقبين العراقيين أن تصرفات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تشير إلى وجود مصلحة في تحويل الفراغ الذي قد ينشأ في السلطة إلى فرصة لتعزيز النفوذ الفرنسي في العراق والشرق الأوسط. وقام ماكرون بزيارتين إلى العراق في أيلول/سبتمبر 2020 وآب/أغسطس 2021، وذلك في غضون عام بعد إعلان الولايات المتحدة عن قرار خفض عديد القوات الأمريكية في البلاد.
وعلى غرار الكاظمي، فضّلت الولايات المتحدة على الأرجح زيادة النفوذ التركي، لا سيما في سياق الميليشيات المدعومة من إيران التي تحافظ على وجود نشط في الموصل. فعلى الرغم من عدم ارتياح إيران وجماعات الميليشيات المدعومة منها في الموصل للتدخل الفرنسي المتزايد في العراق، هي تفضل الشركات الفرنسية في مناقصة المطار، إذ تعتبر أن فرنسا هي الأقل شرا مقارنة بتركيا، وفقا للتقرير.
اقرأ أيضا: هل تسحب تركيا قواتها من العراق بعد تكرار قصف "زليكان"؟
وقال التقرير: "مع تصاعُد التوترات في ظل التنافس المرير بين تركيا وإيران، أصبحت الموصل موقعا مهما جدا يأمل البلدان ممارسة نفوذهما فيه. وعلى الرغم من أن دعم إيران لميليشيات الموصل قد منحها أفضلية، تأمل تركيا في إضعاف نفوذ إيران باستخدام روابطها التاريخية بالموصل وعلاقتها مع المجتمع السني".
وأضاف: "في السنوات الأخيرة، كثّفت تركيا هجماتها على بعض جماعات الميليشيات مثل حزب العمال الكردستاني الذي صنفته تركيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية في شمال سوريا وشمال العراق. وغالبا ما وحدت هذه الميليشيات بدورها جهودها مع الجماعات المدعومة من إيران لاستهداف هذه القوات. وفي هذا الصدد، أصبح مشروع مطار الموصل مسرحا آخر لمعارك إقليمية أكبر حجما -ليس بين تركيا وفرنسا فحسب، بل بمشاركة الولايات المتحدة وإيران أيضا".
وأشار التقرير إلى أن نجاح تركيا في الحصول على مشروع المطار، يأتي في وقت بلغت فيه المشاعر المعادية لتركيا ذروتها في العراق، خاصة بعد هجوم تموز/يوليو الذي أودى بحياة تسعة من المصطافين في زاخو، شمال العراق. ويلوم العراقيون تركيا إلى حد كبير على الهجوم، مع أن أنقرة نفت مرارا وتكرارا مسؤولية قواتها.
مع ذلك، لم تطغَ في النهاية هذه العقبة السياسية والعقبات المتعددة الأخرى التي سبقتها على حسنات العقد التركي في الجدال الدائر حول المطار. وتملك تركيا بالفعل مصلحة اقتصادية قوية في العراق، إذ يتجاوز حاليا حجم التجارة بين العراق وتركيا 20 مليار دولار، وتعمل في البلاد مئات الشركات التركية، بما فيها الشركات النشطة للغاية في مجال البناء. بحسب التقرير.
ولفت التقرير إلى أن المشاريع الكبرى مثل إعادة إعمار مطار الموصل، من المعلوم جيدا أن المبادرات الدبلوماسية والسياسية غالبا ما تؤثر في القرار النهائي. وتُظهِر حقيقة فوز تركيا في نهاية المطاف بمناقصة المطار أن إمكانات أنقرة السياسية والاقتصادية ما زال لها وزن في أذهان المسؤولين العراقيين. وإلى جانب الوجود المادي لتركيا في البلاد، تبقى قوتها الناعمة عاملا مهما في ديناميكيات العراق. كما أن قدرة أنقرة على تأمين مشروع المطار تمنحها الأمل في العلاقات المستقبلية والمشاريع الجديدة في البلاد.
واستطرد: "بالطبع، ما زالت مصالح إيران المتضاربة مع المصالح التركية تؤدي دورا كبيرا، خاصة بينما يتخبط العراق في أزمته السياسية المحلية الكبيرة. وما زالت تركيا تواجه نقاط ضعف خطيرة عندما تنافس على فرض النفوذ في الموصل وأماكن أخرى، ولا شك في أن مشروع المطار سيتأثر بهذه الوقائع. وعلى وجه التحديد، ستواجه تركيا صعوبات متواصلة في الحفاظ على أمن مشاريعها ووجودها الأوسع نطاقا في الموصل. ومن المحتمل أن يصبح مشروع المطار هدفا لجماعات الميليشيات، إلى جانب القاعدة العسكرية التركية المتمركزة في الموصل والقنصلية التركية".