في الأسبوع الماضي حذَّرنا من قفزة كبيرة في فواتير الوقود والطاقة، سواء المنزلية أو في مؤسسات إدارة أوجه النشاط الاقتصادي، من مواصلات ونقل، إلى الإنتاجية كالمصانع والمزارع، أو في استثمارات وأعمال السوق الاستهلاكية والتجارية، أي التي تحدد الأسعار في السوق. الحديث هنا عن بريطانيا؛ لكن حجم اقتصادها (3 تريليونات و320 مليار دولار في 2022) وتداخله مع العالم الخارجي (738 مليار دولار صادرات، و772 مليار واردات في 2021) يؤدي بالتغيير الاقتصادي والمالي لمد آثاره المحسوسة إلى دائرة اهتمام قرائنا ونشاطهم الاقتصادي والحياة اليومية لكثير منهم. مكتب مراقبة أسعار الوقود والطاقة («الشرق الأوسط»، الأسبوع الماضي) رفع سقف متوسط أسعار الفواتير المسموح لشركات توفير الطاقة المنزلية (من غاز وكهرباء وعددهم يقارب الأربعين، بعد أن أفلس 62 منها لارتفاع أسعار الغاز منذ الشتاء الماضي) بتحصيلها من البيوت، بأكثر من 80 في المائة عما هي عليه اليوم، لتصل إلى قرابة 4200 دولار سنوياً ابتداء من شهر أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام. وهذا له تأثير يكاد يكون كامل السلبية على الاقتصاد كله؛ لأن سقف أسعار الفواتير يعاد النظر فيه كل 3 أشهر، أي من المتوقع ارتفاع آخر يدخل حيز التنفيذ من أول أيام العام الجديد، لتصل إلى 5 آلاف و900 دولار. لكن سقف الأسعار هذا لا يعني أنه الحد الأقصى الذي ستدفعه الأسرة البريطانية مضطرة، فما يعنيه مكتب مراقبة أسعار الطاقة هو للحجم المتوسط للمنزل (3 غرف نوم) وهناك ملايين من المنازل والمساكن أكبر من هذا الحجم، يعود بناء معظمها إلى القرن التاسع عشر، والتدفئة بالمداخن والمدفأة المفتوحة على الغرف، والتصميم الهندسي لها هو الأسقف المرتفعة، واتساع النوافذ ومخارج التهوية (لتجنب التسمم من غازات ناتجة عن حرق الفحم والأخشاب).
قوانين نظافة البيئة والتغيير المناخي تحظر استخدام الفحم والحطب، ما أدى لاعتماد هذه البيوت على التدفئة المركزية بغلايات وقودها الغاز، أو الزيت، والبعض بالكهرباء، وأقلية بالهواء المسخن؛ لكن تصميم الديار القديم يؤدي إلى تسرب وضياع الطاقة.
هذا يعني عملياً أن أكثر من نصف عدد مساكن بريطانيا غالباً، ستزيد فواتير الطاقة التي يدفعونها على 8 آلاف دولار سنوياً، وتتجاوز العشرة آلاف مع مطلع العام.
أكثر من ربع عدد المنازل البريطانية يعاني سكانها من فقر الطاقة. تعريف وزارة الطاقة والتغيير المناخي (في 2013) لفقراء الطاقة: أن تكلفة الطاقة المنزلية أعلى من سقف أسعار الفواتير الذي حدده المكتب، فلا يترك دفع الفواتير من الميزانية الشهرية للأسرة ما يكفي للإنفاق على الاحتياجات الأساسية التي تضعهم فوق حد الفقر (أي ما يبقى من دخلهم الشهري هو دون الثلثين، بعد الإنفاق على الأساسيات كالفواتير والإيجار أو أقساط الشراء).
لكن الواقع أسوأ من الناحية العملية؛ حسب تقرير مكاتب النصيحة الاجتماعية للمواطنين، وهي مكاتب أسستها الحكومة في 1939، يعمل بها متطوعون، وتجاوزت أعدادها ألف مكتب في منتصف الحرب العالمية الثانية؛ لكنها في العقود الثلاثة الأخيرة تتولاها مؤسسة خيرية تمويلها من التبرعات بميزانية تصل إلى 9 مليارات دولار، ويعمل بها متطوعون، من المحامين والاقتصاديين والأطباء والمتخصصين في كافة المجالات. مواقع ومراكز اتصال المكاتب عادة ما تتلقى قرابة 3 ملايين زيارة مواقع، ومكالمة تليفونية، ومقابلة، في العام، ارتفعت بنسبة 40 في المائة في الأشهر الثلاثة الماضية، قبل رفع أسعار الطاقة الأخير. وحسب تقرير المؤسسة فإن فقراء الطاقة هم العاجزون عن دفع الفواتير في موعدها، أو غيروا نمط الحياة، مثل اللجوء للحمامات العامة، أو عدم طهي بعض الوجبات، لتوفير طاقة تسخين المياه واستخدام المطبخ. وقد ارتفع رقم هؤلاء من 6 ملايين و300 ألف منزل في أبريل (نيسان) هذا العام، إلى 9 ملايين و200 ألف منزل هذا الأسبوع، ويتوقع التقرير أن يتجاوز العدد 10 ملايين ونصف مليون مع الزيادة الجديدة، أي حوالي 45 مليون مواطن بريطاني.
الحلول المطروحة تتخذ 4 اتجاهات: أولها الاشتراكي باقتراح حزب العمال المعارض بتجميد الأسعار (وبدوره يحد من معدلات التضخم لأنها نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة)، وتعويض خسارة شركات توفير الطاقة بفرض ضريبة استثنائية على شركات البترول والغاز الكبرى.
مرشح زعامة حزب المحافظين، وزير المالية السابق ريشي سوناك، لم يرفض مبدئياً فرض الضريبة الاستثنائية على شركات البترول، ويقترح زيادة بعض الضرائب لتعويض العجز في الميزانية، ودعم محدودي الدخل بمنح لمساعدتهم على دفع فواتير الطاقة.
الحل الثاني تقترحه شركات توفير الطاقة المنزلية، بأن تمنحهم الخزانة الدعم الذي يعد به سوناك، كي يوجهوه فقط للأسر التي صنفت بفقراء الطاقة، وذلك بتخفيض فواتير الاستهلاك لهم.
المنافسة الثانية على زعامة الحزب، وزيرة الخارجية، إليزابيث تراس، تشهر المبادئ الثاتشرية، وترفض ضرائب تخيف المستثمر، وتعد بتخفيض الضرائب العامة على المواطنين لتحريك السوق الاستهلاكية، ومنها الضريبة الخضراء على فواتير الطاقة. الأخيرة تتميز بأنها الوحيدة التي تقترب، بحذر، من ذكر الحقيقة الغائبة، وهي توقف استخراج غاز بحر الشمال والغاز الصخري، استجابة للحملة الهستيرية التي يشنها اليسار وحركة الخضر للاستغناء عن المحروقات، مما أدى لاعتماد بريطانيا على استيراد الطاقة بعد أن كانت مصدرة لها.
في استطاع للرأي أجرته مؤسسة «أوبينيوم» بين حوالي 600 من أعضاء المحافظين أدلوا بأصواتهم لاختيار زعيم جديد، اختار 61 في المائة منهم السيدة تراس، و39 في المائة سوناك. من بين 348 ممن صوتوا لتراس قال 14 في المائة منهم إنها الأفضل بين الاثنين للزعامة، ونسبة مساوية بأنها الأكثر محلاً للثقة، بينما فضل 8 في المائة منهم برنامجها الاقتصادي.
ذلك لا يعني أن 86 في المائة منهم يفضلون برنامج سوناك؛ لكنها طريقة صياغة الاستطلاع للسؤال: «من تفضله زعيماً للحزب؟» إذ فضل 63 في المائة بقاء بوريس جونسون زعيماً، بينما خُمس العدد فقط يفضلون تراس.
اثنان في المائة فقط من مؤيدي تراس انقسمت دوافعهم بين أنها «إنجليزية العرق، وأنها «بيضاء»؛ الطريف أن الغالبية العظمي من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي باللغة العربية، حتى المقيمين في بريطانيا اعتبروا أن العوامل العرقية ولون البشرة كانت أهم أسباب تفضيل أعضاء حزب المحافظين لتراس.