نشرت مجلة
"ناشيونال إنترست" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن سعي مقتدى الصدر إلى
فرض ما لا يستطيع كسبه بالإجماع، مثله مثل الخميني وخامنئي.
وقالت المجلة،
في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن عددا قليلا من الأمريكيين كانوا
يعرفون من هو مقتدى الصدر قبل عقدين. ولا يعود ذلك لجهلهم بالعراق، بل لأنه شخصية
لم تكن معروفة في ذلك الوقت حتى بالنسبة لقلة من العراقيين. وقد درس عدد متزايد من
الأمريكيين العراق، خاصة بعد حرب الخليج الأولى وكانوا على دراية بمدى تعقيد نسيجه
الاجتماعي.
في مجتمع
لانغلي (مقر وكالة المخابرات المركزية)، وفي البنتاغون، تحدث المحللون عن
ديناميكيات العشائر العراقية، وعملت وكالة المخابرات المركزية على تجميع واستخلاص
المعلومات من أفراد الأسر الذين يزورون أقاربهم داخل العراق لفهم خبايا هذا البلد
أكثر.
غالبًا ما
تميل الولايات المتحدة للبحث عن الحلول السريعة، ولديها في هذا الصدد جهاز أمن
قومي كامل بمليارات الدولارات لتبسيط القضايا المعقدة في شكل وثائق توجيهية من
صفحة واحدة للمستشارين أو الرؤساء. وكان هذا هو الحال مع غزو العراق في سنة 2003.
وقبل بداية حملة القصف "بالصدمة والترويع" مباشرة، اعتقدت وكالة
المخابرات المركزية أنها حددت موقع الرئيس العراقي صدام حسين في مطعم ببغداد
وفجرته إلى أشلاء على أمل قطع "رأس العراق" دفعة واحدة. وبينما جادلت
وزارة الخارجية ووزارة الدفاع حول شكل الحكومة الجديدة، حاول مجتمع لانغلي تنصيب
نزار الخزرجي - وهو جنرال منشق في عهد البعث - في السلطة لكن هذا الحل أيضًا فشل.
مع سقوط
بغداد، لعبت الولايات المتحدة ورقتها الأخيرة، حيث كان المسؤولون الأمريكيون
يأملون إنشاء روابط مع القيادة الدينية العراقية من خلال عبد المجيد الخوئي، نجل
الراحل آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي
الذي يحظى بإعجاب واسع. بعد أسبوع من عودة الخوئي إلى النجف، زار ضريح الإمام علي
واحترامًا لقداسة الموقع، ترك الخوئي فصيله الأمني المسلح عند البوابات، لكنه قتل
داخل الضريح على يد عصابة يوجهها مقتدى الصدر، الابن الأصغر لآية الله العظمى محمد
محمد صادق الصدر. ويبدو أن مقتدى لم يرث من هذه العائلة المعروفة بورعها سوى
الاسم. كان الصدر خطيبًا موهوبًا، لكنه اعتبر مقارنة بأقرانه ضعيفًا في علم
اللاهوت. وقد شطبه والده قبل وفاته بوقت طويل من سجل العائلة.
اقرأ أيضا: انسحاب أنصار الصدر بعد كلمته.. ورفع حظر التجول بالعراق
أفادت المجلة
بأن ما افتقر إليه الصدر في الفطنة والتقوى عوضه بالطموح والفساد. بالنسبة له، لم
تكن النجف موقعًا مقدسًا بل مصدر ربح يمكن من خلاله تجميع ثروة من الحج. لقد صور
نفسه كمدافع حقيقي عن السيادة العراقية، حتى عندما باع البلاد لإيران المجاورة.
وقد استخدم تكتيكات المافيا لابتزاز الأموال وتقييد الأسواق، وحشد العصابات لتخويف
المنافسين. كما وجدت شعبويته أرضًا خصبة في الأحياء الفقيرة في بغداد، واكتسب قوة
سياسية نافذة. حتى عندما احتقرته الحوزة، شاركه السياسيون العراقيون. ورغم اختلاف
فصيلهم، كان منطقهم متشابهًا: ألهم الصدر الجماهير، لكنه لم يستطع السيطرة عليهم.
وكان فصيله منقسمًا. وعن طريق تصنع الاحترام، تمكن المنافسون من إخماد غروره
بينما أبعدوا مؤيديه.
كان لدى طهران
استراتيجية أخرى للتعامل مع الصدر، ولم يراهن الاستراتيجيون الإيرانيون على شخص واحد. فحتى عندما قدم الحرس الثوري
الإسلامي الأسلحة والاستخبارات والأموال للصدر، دعم أيضًا مجموعات مثل فيلق بدر.
وكلما واجهت طهران صعوبة في السيطرة على الصدر، كانت ببساطة تحول الأموال إلى
منافسيه.
ربما أخذ
الصدر دعم إيران غير المتسق على محمل شخصي، أو ربما كانت حيلة سياسية منه لجعل
إيران تقدم عطاءات أعلى لدعمه. وفي مرحلة ما قبل عدة أعوام، بدأ الصدر البحث عن
رعاة آخرين وقد وجدهم مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والإمارات العربية
المتحدة.
أشارت المجلة
إلى أن واشنطن تعيش حالة دائمة من النسيان التاريخي والوعود الوهمية. استوعب
دبلوماسيون ومحللون استخباراتيون موقف الصدر الجديد المناهض لإيران وبدأوا التفكير
فيما إذا كان قد يوفر بعض الأمل لمواجهة القوة الداخلية المتنامية للميليشيات التي
ترعاها إيران داخل العراق. وبينما رفض الصدر الاجتماع أو التحدث مباشرة مع
المسؤولين الأمريكيين، استمر الحوار لسنوات من خلال وسطاء مختارين. ويعتقد العديد
من المسؤولين الأمريكيين اليوم أن تحالف الصدر الفعلي مع رئيس الوزراء مصطفى
الكاظمي والحزب الديمقراطي الكردستاني هو تحالف جوهري ورمزي في نفس الوقت.
مع ذلك، يظل
الاعتقاد بأن الصدر قد تغير مجرد هراء والتوهم بأنه يسعى إلى بناء عراق نزيه أو
ليبرالي أو حتى محايد هو أيضًا هراء. لفهم الصدر، من المهم تقدير طموحه الحقيقي.
فهو يعارض ويسعى الآن إلى هدم النظام العراقي الحالي ليس لأن فساده المتأصل
يضايقه، وإنما لأن الأخذ والعطاء السياسي يتعارض مع أجندته الأوسع.
وبالمثل، لا
يتعلق عداؤه الحالي تجاه إيران بأي خلاف أساسي مع الجمهورية الإسلامية بقدر ما
يتعلق بعدم رغبة الصدر في تقاسم السلطة أو الخضوع. ففي إيران، الأساس اللاهوتي
لحكم المرشد الأعلى علي خامنئي مكرس في مفهوم ولاية الفقيه، بينما يطمح الصدر
للقيادة مع أنه يعلم أنه لا يستطيع أبدًا اكتساب النفوذ الذي كان يمارسه والده أو
آيات الله الحاليون في النجف لأنه يفتقر إلى التقوى. وحتى في إطار نظام ولاية
الفقيه، قد يفرض إرادته سياسيًا وليس دينيًا.
بالتأكيد،
سيرفض الصدر ذلك إذا تم تحديه، وقد ظل دائمًا منفصلًا عن الأحداث رغم ترشح أتباعه
للانتخابات - واستقالتهم بناءً على أوامره بشكل جماعي، مما يسمح له بتجنب مسؤولية
الحكم ووصمة الفشل. ونرى هنا أوجه تشابه بين الصدر والزعيم الثوري الإيراني روح
الله الخميني.
وأوضحت المجلة
أنه في الأشهر التي سبقت إطاحة الخميني بنظام الشاه في إيران، نفى أي مصلحة في
السلطة الشخصية وأصر على أنه يسعى فقط إلى الديمقراطية. وقد قام الكثيرون في الغرب
بتأييده. اليوم، يتبع الصدر نفس قواعد اللعبة كما تفعل وزارة الخارجية إذ يؤمن
الدبلوماسيون أن الصدر قد تغير، لكن لا يوجد دليل على ذلك بخلاف خطابه.
قد يخفي الصدر
أهدافه لأسباب تكتيكية، لكن عندما يتعلق الأمر بالعقيدة الفكرية فهو يعني ما يقول.
فهو يمقت الغرب، كما أنه صادق في خطبه المعادية لإسرائيل، وكذلك كراهيته للمثليين.
إنه صورة مطابقة للخميني، لكن دون مؤهلات دينية. ومثله مثل الخميني وخامنئي، يسعى
إلى فرض ما لا يستطيع كسبه بتوافق الآراء.
على مدى عقدين
من الزمن، كبحت النخبة السياسية العراقية الصدر. لكن عبر الطيف السياسي في بغداد،
نرى اليوم إجماعا على أن نظام ما بعد 2003 قد فشل. في مثل هذه الحالة، يصبح الصدر
أكثر خطورة، ومن الخطير كذلك أن يعتقد البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووكالة
المخابرات المركزية أن بإمكانهم توجيه الصدر أو السيطرة عليه. إنهم يعتقدون أنهم
يمارسون لعبة محنكة، لكن من خلال إعطاء مساحة أو دعم التحالفات التي يكون الصدر
جزءًا فيها، فإنهم يكررون سذاجة جيمي كارتر في الأشهر التي سبقت فوز الخميني.
فبغداد 2022 مثل طهران 1978، لذا من
الحتمي أن تفهم واشنطن مدى خطورة الوضع الآن.
موقع: "ميتا" تتغاضى عن المحتوى الأوكراني وتعاقب الفلسطينيين
WSJ: إيران متخوفة من اقتتال شيعي بالعراق.. ونفوذها تراجع
WSJ: طلب إيراني أعاق جهود إحياء الاتفاق النووي