نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أعده المحرر الدبلوماسي باتريك وينتور قال فيه إن الليبيين فقدوا الثقة بالطبقة السياسية، مشيرا إلى شهادة قدمها مستشار للبعثة الأمريكية في الأمم المتحدة لمجلس الأمن الدولي الإثنين الماضي، بعد مواجهات دامية جرت بين الميليشيات في العاصمة طرابلس.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الليبيين لا يصدقون أن الطبقة السياسية والميليشيات والمرتزقة ستتوقف عن سرقة ثروة البلاد. وبخاصة بعد المواجهات الأسوأ التي شهدتها العاصمة منذ سنوات والتي جرت الأسبوع الماضي بين الميليشيات الموالية لكل من عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.
وتسيطر حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها الدبيبة على غرب ليبيا بما فيها العاصمة، فيما انتخب مجلس النواب في طبرق فتحي باشاغا رئيسا للحكومة المنافسة وهو يحاول دخول العاصمة، بدعم من أمير الحرب خليفة حفتر. ودخلت الميليشيات الموالية له بما فيها الكتيبة التي يقودها الثري وأمير الحرب هيثم التاجوري العاصمة للإطاحة بحكومة الدبيبة لكنها تلقت هزيمة منكرة.
وقدم جيفري دي لورنتيس، المستشار لبعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة تقييما قاتما لمنظور ليبيا أثناء لقاء لمجلس الأمن الدولي يوم الإثنين. وقال فيه إن الليبيين "يفقدون الأمل من أن بلدهم سيتعافى من الفساد والتأثير الأجنبي ووحدة القوى المسلحة وانسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد. وهم محرومون من الخدمات الأساسية في وقت يتقاسمون فيه موارد الثروة النفطية بالطريقة التي تخدم مصالحهم، وتحديدا الميليشيات التي تسيطر عليها الفصائل، بحيث يحرم الشعب الليبي من الثروة الوطنية".
اقرأ أيضا: مندوب ليبيا يعلق على غياب مبعوث أممي: السلام ما زال بعيدا
وقدم النقاش في الأمم المتحدة أفكارا جديدة، إلى جانب دعوة المجلس للموافقة على مبعوث جديد إلى ليبيا، التي ليس لديها مبعوث منذ تشرين الثاني/نوفمبر بسبب الإنقسامات السياسية. وتم طرح اسم الدبلوماسي السنغالي عبد الله باثلي، لكن بعض الليبيين وقفوا أمام المقترح لخوفهم من عدم فعاليته.
وقال طارق المجريسي، الزميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن عنف الأسبوع الماضي شهد المرة الأولى التي استخدم فيها السلاح الثقيل والمدفعية "وتترك النتيجة الدبيبة في موقع قوي بالوقت الحالي، لكنها تؤكد الحاجة للعملية السياسية الغائبة".
وتبدو الانتخابات التي رعتها الأمم المتحدة في العام الماضي ونظر إليها باعتبارها الطريق لمنح القادة السياسيين والمؤسسات تفويضا جديدا، بعيدة أكثر من أي وقت مضى. وكان من المفترض أن تعقد الانتخابات في 24 كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، إلا أن الخلافات حول دستوريتها ومن يحق له الترشح فيها أدت لتأجيلها لوقت غير مسمى، بشكل خلق فراغا في السلطة ملأته المعركة العسكرية المتجددة على السلطة.
ويعارض الكثير من الساسة عقد الانتخابات لأنها تحرمهم من الرعاية والوصول إلى السلطة والمصادر. وتم تعيين الدبيبة في عملية رعتها الأمم المتحدة في شباط/ فبراير 2021، كرئيس وزراء مؤقت، لتحضير البلاد للانتخابات، لكنه مصر على عدم المغادرة حتى تعقد، ومكن فعليا نفسه في السلطة.
وحمل باشاغا الذي عينه في شباط/ فبراير مجلس نواب طبرق فساد الدبيبة لاستمرار قوة الميليشيات. وقال: "كان الدبيبة هو من استغل ثروات الدولة لتدعم الجماعات المسلحة". وعبر حفتر عن عدم رضاه من الإنتكاسة التي تعرض لها باشاغا الحليف الجديد. ولم يرض على ما يبدو بالتراجع، ودعا لإنقاذ ليبيا لكنه لم يكشف عن الكيفية. ونفى باشاغا أي علاقة بعنف الأسبوع الماضي، إلا أن الميليشيات الموالية له تم التصدي لها ثلاث مرات وهي تحاول الدخول إلى طرابلس.
اقرأ أيضا: الدبيبة: سنلاحق كل من تورط بعدوان طرابلس.. وقرارات أمنية
ويرى كريم مرزان، من المجلس الأطلنطي أن الميليشيات في ليبيا هي "منظمات إجرامية مكرسة بشكل كامل للسلطة والمال والاستيلاء على السلطة بأي ثمن، ومن الخطأ النظر إليها على أنها منظمات سياسية أيديولوجية. ولكنها بدلا من ذلك منظمات مافيا لها مصلحة راسخة بعدم نشوء دولة فاعلة".
وترك النزاع الحالي آثاره الجيوسياسية وإن كانت قصيرة الأمد، فقد استخدمت جورجيا ميلوني، التي يتوقع المراقبون فوز حزبها المتطرف في الإنتخابات الإيطالية، العنف في طرابلس ودعت المهمة التي يقودها الاتحاد الأوروبي لفرض حظر بحري على شمال أفريقيا ومنع المهاجرين من الوصول إلى الشواطئ الإيطالية.
ووصل في الستة أشهر الأولى من العام الحالي 27.633 مهاجرا إلى إيطاليا عبر البحر، بزيادة عن 20.532 عن الفترة ذاتها في عام 2021، حسب أرقام المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ولهذا ينظر لتعيين مبعوث جديد لليبيا متوازن وقوي خطوة مهمة للمرحلة الحرجة والمقبلة في ليبيا. وخاضت ستيفاني ويليامز، المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ولكنها لم تكن مبعوثة مجلس الأمن في السياسة الليبية. وحاولت ويليامز، الدبلوماسية الأمريكية الكشف عن خلل الطبقة السياسية في الغرب والشرق ودعمت ولادة طبقة سياسية جديدة وشابة.
وكادت ويليامز أن تحقق هدفها من خلال وقف إطلاق النار العام في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 والتوافق على خطة طريق عبر منبر الحوار السياسي الليبي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 والتقدم بين الشرق والغرب بشأن الإطار الدستوري للإنتخابات. لكن تقدما أقل حصل على إخراج القوى الأجنبية والمصالحة الضرورية لعقد الإنتخابات.