تستعد الحكومة المصرية لإعادة إطلاق برنامج الطروحات لأصولها وشركاتها الرابحة للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب مرة أخرى في البورصة المحلية، في توقيت مثير للجدل وفي ظل وضع سيئ للاقتصاد المصري، ما يفاقم المخاوف من بيع بخس وتسليم للأجانب بأقل من قيم تلك الأصول.
والحديث عن طروحات جديدة يأتي استكمالا لخطة تنتهجها حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، لجذب استثمارات بنحو 40 مليار دولار من المستثمرين المحليين والدوليين عن طريق التخارج من بعض الشركات المملوكة للدولة خلال 4 سنوات.
أجواء ما قبل الطرح
وتأتي إعادة الحكومة برنامج الطروحات في ظل توجه الدولة نحو التخارج من العديد من القطاعات وفقا لوثيقة ملكية الدولة التي طرحتها مؤخرا.
كما يأتي الطرح الحكومي الجديد لشركات مصرية رابحة على الأغلب وأصول حكومية بالبورصة المحلية في توقيت تحتاج فيه البلاد لنحو 40 مليار دولار لتسديد خدمة ديونها المستحقة بالعامين الجاري والمقبل، لدين خارجي بلغ، وفق تقديرات البنك المركزي، 157.8 مليار دولار.
ومطلع آب/ أغسطس الماضي، كشفت إحصائية للبنك الدولي احتياج مصر إلى 31 مليار دولار لسداد جزء من التزامات الديون الخارجية عليها، من تموز/ يوليو 2022 حتى آذار/ مارس 2023، غير 16 مليار دولار كانت مستحقة الدفع ما بين نيسان/ أبريل حتى حزيران/ يونيو 2022.
أيادي الصندوق
ويتزامن برنامج الطرح الجديد مع مفاوضات مصرية وصندوق النقد الدولي لنيل قرض بنحو 3 مليارات دولار، فيما يرى مراقبون، أن الطرح يتوافق مع رغبة الصندوق وتوجيهاته، وتوقيته يدعم موقف مصر بمفاوضات يتوقع بنك "بي إن بي باريبا" انتهاءها الشهر المقبل كأقصى تقدير.
والأحد، رجحت "إنتربرايز" النشرة الاقتصادية اليومية أن يطلب مسؤولو صندوق النقد المزيد من التقدم في برنامج الطروحات الحكومية كأحد شروط منح الصندوق قرضا جديدا لمصر.
لكن ومع ما سبق، فإن الطرح يأتي في ظل تراجع كبير للاستثمار الأجنبي بمصر، وهروب نحو 20 مليار دولار أموالا ساخنة، وإحجام لافت من المستثمرين الأجانب، وتراجع بمبيعات السندات المقومة بالجنيه المصري بنسبة 38 بالمئة منذ بداية العام وحتى الشهر الماضي، وفق "بلومبرغ".
كما أن الطرح يأتي وسط مطالبات من مؤسسات دولية ومن صندوق النقد الدولي بتخفيض الجنيه رغم ما يسببه ذلك من ارتفاع لنسب التضخم، لكنه وفق تقرير "بلومبرغ"، السبت، قد يكون الطريقة الوحيدة لإعادة المستثمرين على المدى الطويل.
وهذا الطرح اعتبره مراقبون أنه يبخس قيمة الأصول المصرية المطروحة، ويمنحها للأجانب بأقل من قيمها السوقية والفعلية.
بيع بخس
وفي رؤيته لدلالات إعادة مصر برنامج الطروحات لشركاتها وأصولها بالبورصة المحلية للمستثمرين المحليين والدوليين، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الأمريكي، محمود وهبة، إن "السيسي سيبيع كل ما يمكن بيعه من أصول البلاد".
وأكد مؤسس مجموعة "تكنوقراط مصر"، في حديثه لـ"عربي21"، أن عودة الطروحات يأتي بغرض، "أولا: توفير العملة الصعبة لسداد الديون"، مستدركا: "ولكنه مهما باع لن تكفي"، مضيفا: "وثانيا: لإرضاء صندوق النقد الدولي وتسهيل حصوله على القرض الجديد".
وأضاف أن "شروط هذا القرض من تعويم ثالث للعملة المحلية بعد تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 وإثر تعويمه الثاني في آذار/ مارس الماضي، إلى جانب زيادة أسعار الفائدة على الجنيه؛ ستكون نهاية هذا النظام".
وحذر أستاذ الاقتصاد بجامعات أمريكية، من أن "بيع الشركات المصرية والأصول الرابحة وطرحها بالبورصة المحلية يأتي بعد أن وصلت أسعارها الحضيض عمدا".
ورجح أن النظام بهذا "يغري شركات الخليج، ويبيع أصول مصر بثمن بخس أو بعشر الثمن حسب القطاع، عما لو باع حسب الإيرادات، وليس ببورصة مكسورة الجناح، عمدا".
اقرأ أيضا: خبير اقتصادي: نسبة ديون مصر للناتج المحلي تجاوزت الـ130%
أصول أقرب للطرح
وعن الأصول المحتمل طرحها، أشارت نشرة "إنتربرايز" الأحد، إلى تعرض برنامج الطروحات الحكومية للعديد من التأخيرات هذا العام بسبب اضطرابات الأسواق المحلية والعالمية، مما أدى إلى إرجاء طرحي "بنك القاهرة" وشركة "أمان" بالبورصة المصرية.
وألمحت إلى أنه بجانب "بنك القاهرة" وشركة "أمان"، يتضمن البرنامج خططا للتخارج من أصول مملوكة للدولة بالبيع المباشر لمستثمرين استراتيجيين، وطرح شركات أخرى كـ"الوطنية للبترول" و"صافي" التابعتين للقوات المسلحة، إلى مستثمرين استراتيجيين، قبيل طرحها بالبورصة.
وشهد البرنامج منذ إطلاقه عام 2018، طرح شركة "إي فاينانس"، والطرح الثانوي لحصص في شركتي "الشرقية للدخان" و"أبوقير للأسمدة".
خطأ استراتيجي
وعن حجم الخسائر المتوقعة من هذه الطروحات في هذا التوقيت، أو بيع السيسي أصول مصر بثمن بخس لتلافي الإفلاس، قال الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، مصطفى يوسف: "بيع الأصول المصرية الناجحة والمربحة للبيع خطأ استراتيجي فادح".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن "العالم كله الآن يهرب من السوق المصري لانعدام الشفافية وضعف الثقة في إدارة الاقتصاد وموارد الدولة، والغرق في مستنقع ديون غير مسبوق نتيجة التوسع في الإنفاق الحكومي الترفي والسفهي على مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية".
ورأى أن "حجم الخسائر المتوقعة ضخم للغاية نتيجة البيع لتلافي التوقف عن سداد الديون وإعلان الإفلاس"، مبينا أن "التوقيت خاطئ تماما في ظل تراجع مبيعات قيمة السندات المقومة بالجنيه المصري".
ورجح الخبير المصري أن أهم "الشركات التي سيتم طرحها للمستثمرين (الإماراتيين والسعوديين في المقام الأول) شركات مثل (صافي) و(وطنية)، وشركات خدمات لوجيستية، وصناعات كيماوية وأسمدة، وبنوك، ومعظم الشركات الصناعية الناجحة".
وعن القيم المحتملة لما ستطرحه الحكومة المصرية من هذه الشركات، وهل هي نسب حاكمة أم غير حاكمة، قال يوسف، إن "الحكومة لديها موقف تفاوضي ضعيف جدا، وستطرح نسبا حاكمة"، لافتا إلى أن "هذه رغبة الدائنين الصينيين والخليجيين".
ورجح أن يكون "غرض التوقيت من هذا الطرح هو لإرضاء صندوق النقد الدولي، وباقي المؤسسات المالية الدولية حتى يمكن اقتراض المزيد من الأموال، نظرا لانعدام وجود خطط تنموية في ظل نظام يفتقد بوصلة الأولويات".
أزمة معقدة.. وحلول
ولفت الخبير المصري إلى جانب آخر أشد خطورة وهو "التحالف الاقتصادي الإسرائيلي الإماراتي، والتنسيق الإسرائيلي السعودي والذي كشف عنه تصريح للمسؤول السابق بالإدارة الأمريكية جاريد كوشنر، بأن السعودية ليس لديها مانع في الاستثمار بإسرائيل".
وأكد أن "إسرائيل تقف خلف الإمارات وتريد السيطرة على قطاعات مصرية معينة"، مضيفا: "والمشكلة كبيرة بسيطرة إسرائيل والإمارات على قطاعات رئيسية، والسعودية على قطاعات كثيرة بعد (تيران وصنافير) والتنسيق الإسرائيلي معها، وسيطرة الصين على موانئ وأصول مهمة".
وفي رصده لحلول الخروج من الأزمة الاقتصادية المصرية، أكد أنها "تكمن في بيع العاصمة الإدارية، والتوقف عن العبث في الشركات الناجحة التي تدخل ربحا لموازنة الدولة وتضمن استمرارية العمالة، مع ضخ الأموال بالاقتصاد والتي تساعد على تحريك السوق المحلي".
وختم الخبير المصري بالقول: "حتى لو أردت طرح بعض الشركات طبقا لتعليمات صندوق النقد، ورفع يد الجيش عن الاقتصاد، فيجب أن تكون فقط للمستثمرين المصريين"، مؤكدا أن "الأزمة خطيرة ومعقدة جدا".
مصر ترفع بعض القيود عن الاستيراد.. تزامنا مع أزمة الدولار
"موديز" تتوقع خفضا رسميا للجنيه المصري.. والخليج كلمة السر
استقالة رئيس مجلس العاصمة الإدارية بمصر.. وتفاعل واسع