ضجت الناس من الصمت. انفجرت الأصوات المخرسة من حرقة نار الغلاء، وزيادة جمر الدَين، واتساع مساحات الفقر والقهر. استنكر الرئيس السيسي هذا التصرف على الشعب. خاطبهم على الهواء بسؤال: “هو أنت ليه مش عايز تدفع تكلفة اللي أنت عملته في 2011 و 2013؟!
قبل الإجابة وقبل كل شيء، مصر ليست دولة دونية ولا متسولة تستجدى العيش من جيرانها، ولا يوجد في المجتمع الدولي ما يسمى الاعتراف بفضل الآخرين كالشحاتين. الدول تقف بعضها مع بعض لمصالحها وليس لسواد عيونها، من نعترف بفضلهم وقفوا ضد مصالحنا.. وعلنا ولا أزيد. إنهم يحتلوننا بشراء أصولنا بثمن بخس. نحن أصحاب فضل وندفع الثمن بيعا في غفلة من الزمن من أصول دولتنا. مصر كانت سباقة في مساعدة هذه الدول الشقيقة في فقرها، لم تعاير أحدا، ولم يعترف أحد منهم بفضلها عليه كالشحاتين.. إنها الكرامة والكبرياء. اعرفوا أقدار مصر يا من جاءت بكم الأقدار غفلة. إلا مصر. مصر ليست متسولة ولا أحد له جميل ولا فضل عليها، مصر كرامتها وكبرياؤها فوق الجميع. لماذا نرخص أنفسنا ونهين كرامتنا، ونحن ندفع من دمنا وأرضنا مقابل فتات يدفعونه. كفانا ذلة وهوانا ودونية. مصر فوق الجميع، وشعبها الأبي حر لا يقبل الضيم، وإن جار عليه الزمن. رضينا بالفقر والقهر والسجون والإهانة، لكن حذار.. فلن نقبل بإهانة مصر بعد اليوم. كفاكم. من لم يستطع أن يغير للأفضل فليتغير.
بالعودة للسؤال: “هو أنت ليه مش عايز تدفع تكلفة اللي أنت عملته في 2011 و 2013؟! أراه موجها للجميع في صيغة المخاطب المفرد، لمن شارك في ثورتي 2011 و 2013، وبما أنني واحد ممن شاركت فيهما، فهذا سؤال يخصني وأجيب باختصار:
أولا: ما عملناه فى 2011 و 2013 كان من أجل غد أفضل، وكان سببا في مجيئك رئيسا، ولولا 25 يناير (كانون الثاني) 2011 ما كانت 30 يونيه (حزيران) 2013، ومن يرى في 25 يناير (كانون الثاني) انقلابا وفوضى، فهو يشكك في شرعية الحكم. إنها ثورة شعب لا ريب.
ثانيا: مشاكل مصر كانت معروفة، وعدت بحلها، بعد مهلة ستة أشهر ثم سنتين، ووعدت بأنه في عام 2020 سترينا العجب العجاب.
ثالثا: المواطن المصري مديون ومأزوم ولا يجد الكفاف لمعيشته، فكيف ومن أين يساهم في سداد الديون؟! في غياب فرص العمل، وتصفية الدولة وبيع أصولها، ميراثها قلاعها الصناعية، وشح المياه وتبوير الأراضي الزراعية. كيف يساهم الشعب في سداد ديون لم يستشر في اقتراضها ولا في المشاريع التي انفقت عليها بغير دراسة جدوى (وذكرتم أن دراسة الجدوى تعوق العمل)، وهو لا يملك من حطام الدنيا شيئا؟! كنت أتمنى أن يكون الخطاب أكثر تخصيصا للمستفيدين من رجال المال والمؤسسات.
رابعا: دفعنا الثمن غاليا في السجون، وفي التفريط في تيران وصنافير، وفي ضياع حصة مصر في مياه نهر النيل. لم يعد لدينا ما ندفعه سوى الانتحار، وهو ما يحدث حرقا في الفضاء، وغرقا في البحر هروبا من جحيم الحياة، وبيع الأبناء.. وهو ما يحدث، والبغاء أتمنى من الله ألا يحدث.
خامسا: كنا نود أن تقدم لنا كشف حساب بما أُنفق وأين أُنفق قبل أن تطالبنا بالمساهمة في سداد دين لم نكن شركاء فيه، لنعرف من له فضل علينا. نحن نعيش في “جمهورية ديمقراطية جديدة” تقوم على الشفافية، لا في دولة المماليك نظام تمويلها: الملتزم والمحتسب.
سادسا: بعد هزيمة 1967 النكراء، هب الشعب المصري، والتف حول قيادته المهزومة، وجاد بكل غال ونفيس، لاعترافها بالخطأ وتحملها المسؤولية وحدها، لإعادة بناء القوات المسلحة، ومحو آثار العدوان، وقد حدث وانتصرت مصر في عام 1973.
أخيرا، دفعنا وليت لدينا ما ندفعه، فالوطن يستحق التضحية والإنقاذ. تخطئ الحكومات وتدفع الشعوب الثمن. للأسف ليس لدينا ما ندفعه سوى الدم والذهاب للسجون، نحن نعيش عصر التصفية.