يسود تفاؤل واسع في الكويت، بالإقبال على تغيير حقيقي في الوضع الداخلي، بعد سنوات عايشت فيها البلاد أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة.
ومنذ تكليف الشيخ أحمد النواف الصباح بتشكيل حكومة جديدة، في نهاية تموز/ يوليو الماضي، أظهر كويتيون ارتياحا وثقة بوجود إرادة سياسية عليا لتحقيق مطالبهم.
ويأمل الكويتيون في أن يكون الشيخ أحمد (66 عاما)، قائدا لعهد جديد تحت ظل والده أمير البلاد، ينهي الأزمات السياسية المتلاحقة في البلاد، والتي بلغت ذروتها العامين الماضيين بالانقسام الحاد بين السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة والبرلمان).
"التغيير يبدأ من الصناديق"
يترقب الشارع الكويتي الانتخابات البرلمانية التي تُعقد في 29 أيلول/ سبتمبر الجاري، ومن المحتمل أن تشهد وصول أسماء جديدة، وعودة أسماء عريقة إلى مجلس الأمة.
وأعلنت "إدارة شؤون الانتخابات" عن إغلاق أبواب الترشح يوم الأربعاء الماضي، بعد فترة تسجيل دامت قرابة الأسبوع، نجح خلالها 376 مرشحا بينهم 27 امرأة، بالترشح رسميا للانتخابات.
ويتوزع المرشحون الـ376 على خمس دوائر، يفوز في كل دائرة 10 مرشحين، ليصل 50 منهم إلى مجلس الأمة.
وكان لافتا إعلان رئيس مجلس الأمة في الأربع دورات الماضية، مرزوق الغانم، عن عدم ترشحه للانتخابات، بعد عامين عاصفين من الصدام مع أغلبية النواب داخل المجلس.
أبرز المرشحين في الانتخابات سيكون السياسي أحمد السعدون، والذي قاطع المجلس خلال السنوات العشر الماضية، محتجا على قوانين الانتخاب، علما بأنه فاز 11 مرة سابقة في الانتخابات، أولها في العام 1975.
وبالإضافة إلى السعدون، عاد إلى الترشح لمجلس الأمة كل من حركة العمل الشعبي "حشد" التي كان يتزعمها النائب المعارض مسلم البراك، إذ قدمت الحركة ثلاثة مرشحين من طرفها، بالإضافة إلى "المنبر الديمقراطي الكويتي" عبر مرشح واحد.
ورشحت الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، خمسة مرشحين موزعين على كافة الدوائر.
وأعلن جل نواب المعارضة في المجلس السابق ترشحهم للانتخابات، وفي مقدمتهم محمد المطير، وشعيب المويزري، وعبد الكريم الكندري، وثامر السويط، بالإضافة إلى الكتلة المؤلفة من خمسة نواب، ويقودها النائب حسن جوهر.
ويشارك في الانتخابات المقبلة السياسي البارز عبيد الوسمي، الذي حقق العام الماضي أعلى أصوات في تاريخ الكويت، بحصوله على أكثر من 43 ألف صوت في الانتخابات التكميلية، حيث ترشح بديلا عن النائب بدر الداهوم الذي أبطلت عضويته بقرار من المحكمة.
والوسمي أثار جدلا واسعا بعد وصوله إلى المجلس بدعم واحتفاء كبير من المعارضة، إذ قاد مشروع مصالحة أفضت إلى عودة المهجرين من الخارج، بيد أن أطرافا بالمعارضة اتهمته بـ"الانقلاب على مبادئه"، والتحالف مع الحكومة ورئيس مجلس الأمة حينها مرزوق الغانم.
اقرأ أيضا: لماذا فجّر العفو الأميري في الكويت نزاعا بين نواب المعارضة؟
السعدون الأقرب للرئاسة
السياسي أحمد السعدون، أو "العم" كما يُطلق عليه الكويتيون، سيكون بحسب خبراء، المرشح الأوفر حظا للوصول إلى رئاسة المجلس، لا سيما بعد إعلان الرئيس السابق مرزوق الغانم عن عدم ترشحه للانتخابات.
ومن غير المحتمل أن يلقى السعدون (87 عاما) منافسة كبيرة على الرئاسة، علما بأنه ترأس المجلس في أربع دورات سابقة (1985، 1992، 1996، 2012).
وأطلّ السعدون قبيل يومين من إغلاق أبواب الترشح للمجلس، محذرا الحكومة من خطورة عدم ضبط عمليات شراء الأصوات، قائلا إنها تمثل عملية تحد واضح للمرحلة الإصلاحية التي يقودها الشيخ أحمد النواف.
الباحث السياسي الكويتي محمد جمال اليوسف، قال لـ"عربي21"، إن "أحمد السعدون في حال نجاحه، فإنه غالبا لن يواجه أي منافسة داخل المجلس، إذ إنه شخصية متزنة سياسيا، ومقبولة لدى الحكومة والمعارضة، برغم أنه محسوب على الأخيرة".
وأوضح اليوسف أن التنافس من المرجح أن يكون على منصب نائب الرئيس، لا سيما مع احتمالية نجاح أسماء بارزة في الانتخابات، مثل محمد المطير وشعيب المويزري.
خطاب الأمير "جرعة تفاؤل"
قال محمد جمال اليوسف، إن خطاب أمير البلاد الذي ألقاه نيابة عنه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في حزيران/ يونيو الماضي، وأعلن فيه حل مجلس الأمة، والدعوة إلى انتخابات عامة، أعطى جرعة تفاؤل كبيرة للكويتيين.
ولفت اليوسف إلى أن خطاب الأمير تضمن عبارة "نزولا عند رغبة الشعب"، والأهم من ذلك هو التأكيد على أن الحكومة لن تتدخل باختيار رئيس مجلس الأمة، بخلاف تدخل أصوات الوزراء في الانتخابات السابقة التي أوصلت مرزوق الغانم إلى الرئاسة.
وكان الخطاب الأميري ركّز على عدة نقاط كانت مثار جدل في المجالس السابقة، إذ قال الشيخ مشعل نيابة عن أمير البلاد: "لن نتدخل في اختيارات الشعب لممثليه، ولن نتدخل في اختيارات مجلس الأمة في اختيار رئيسه أو لجانه المختلفة ليكون المجلس سيد قراراته".
وتابع ملمحا إلى وجود قرارات خاطئة في السابق: "لن نقوم بدعم فئة على حساب فئة أخرى، بل سنقف من الجميع على مسافة واحدة، هدفها فتح صفحة ومرحلة جديدة ومشرقة لصالح الوطن والمواطنين".
وبعد الوعود التي أطلقها، خاطب الأمير المواطنين بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم لإنجاح الخطوات التصحيحية، قائلا إن "المرحلة القادمة تتطلب منكم حسن اختيار من يمثلكم التمثيل الصحيح الذي يعكس تطلعاتكم ويحقق آمالكم وينفذ رغباتكم، ونناشدكم ألّا تضيّعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنا عليه لأن هذه العودة ستكون لنا إزاءها إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث".
وبحسب محمد جمال اليوسف، فإن من الخطوات التصحيحية التي أجريت مؤخرا، اعتماد التصويت في الانتخابات عبر البطاقة المدنية، والتي من شأنها بحسب قوله أن تحد من ظاهرة نقل أصوات الناخبين من دائرة إلى أخرى لترجيح كفة مرشح على حساب آخر.
اقرأ أيضا: مرسوم أميري بحل البرلمان الكويتي "تصحيحا للمشهد السياسي"
"صفحة جديدة برحيل الرئيسين"
طيلة السنوات الثلاث الماضية، رفعت المعارضة الكويتية شعار "رحيل الرئيسين مطلب"، بالإشارة إلى رئيس مجلس الوزراء السابق صباح الخالد، ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم.
وتنبأ الباحث الكويتي محمد جمال اليوسف، بأنه وبعد تحقق هذين المطلبين، فإن من المتوقع أن تشهد الكويت مرحلة قادمة أقل صداما.
وقال إن المرحلة المقبلة ستبدأ من خلالها الحكومة والمجلس الجديد بمراجعة قضايا عالقة، أبرزها "ملفات الفساد"، وأضاف أنه "يبدو أن الحكومة بدأت بفتحها في الآونة الأخيرة، إذ تمت إحالة عدد من المسؤولين إلى هيئة مكافحة الفساد والنيابة العامة"، كما أنها تمت إعادة فتح قضية الصندوق الماليزي، وقضية غسيل أموال لم يتم سابقا إدانة المتورطين فيها.
اقرأ أيضا: 5 قضايا فساد تهزّ الكويت في أقل من سنة.. تعرّف إليها
واستدرك اليوسف بأن حالة التفاؤل العامة يجب أن يرافقها التزام تام من السلطة بوعودها، "وترجمة الخطاب السامي بجدية، إضافة إلى تعاون النواب مع الحكومة، بدلا من التصعيد والصدام".
وقال إن على المعارضة حسن إدارة المشهد، والتعامل معه بشكل احترافي كي لا "تنقلب الطاولة عليهم".
خطوات غير كافية
معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وفي تحليل للباحث الكويتي بدر موسى السيف، اعتبر أن الخطاب الأميري الأخير خطوة هامة، لكنه غير كاف في تغيير واقع البلاد.
واعتبر السيف أن عديد التحليلات تعتبر أن "الخطاب لم ينهِ حالة التوقف. وعمل بدلا من ذلك على تبريرها ووضع خارطة طريق لها، الأمر الذي كشف عن مقاربة جديدة في طور التكوين تتسم بمسارين: أحدهما (التوقف للمراجعة)، والآخر (إجراءات ثقيلة الوقع والحدث)".
ولفت السيف إلى أن الخطاب الذي تلاه ولي العهد أشار إلى هذا الأمر ضمنيا، بوضع الانتخابات القادمة في إطار الفرصة الأخيرة لتجنب الوضع القائم قبل اللجوء إلى التدابير الأخرى التي ذكرها الخطاب.
وقال إن "النظام السياسي، والممارسات السيئة في الماضي، والثقافة التي أعقبت ذلك تجعل الحال أقرب لإعادة إنتاج الصراع (الوضع القائم) أكثر من المصالحة".
وحول مطالبة الأمير للكويتيين بـ"حُسن الاختيار في الانتخابات المقبلة"، قال السيف إن ذلك إن لم يكن مصحوبا بإصلاحات شاملة وجذرية، فليست سوى إعادة إنتاج نفس الوضع الراهن، مضيفا أن ذلك "ليس لقلة وعي الكويتيين بالتحديات التي تواجههم– خصوصًا أن غالبية الشعب من جيل الشباب الواعي– ولكن لأن تقليص حريات التعبير، وتقييد القوانين الانتخابية، وتعدد الهويات التي تتنافس مع الهوية الوطنية لا تمنحهم الفرص الكافية لتحقيق تطلعاتهم كما يجب".
وتابع: "تعد الدعوة إلى الوحدة الوطنية خطوة في الاتجاه الصحيح من الناحية السياسية، ولكنها غير مفيدة إن لم يكن هناك سياسات حكومية حازمة تدعمها وتدفعها قدما".
ونبه السيف إلى أن "إرث سوء الإدارة والسياسات غير الحكيمة يحتاج إلى وقت للمعالجة ولا يمكن محوه في غضون أسابيع تسبق الدورة الانتخابية التي ستشهدها البلاد. لهذا السبب ربما جاء الخطاب ليمهد الطريق لإصلاح المنظومة السياسية إذا ما ظهر النزاع مرة أخرى بعد تنصيب الحكومة وانتخاب مجلس الأمة المقبلين. وسوف تأتي التوترات الجديدة كنهاية لاستراتيجية التوقف المطولة التي ميزت العامين الماضيين إلى حد كبير".
خلاف سياسي جديد بالكويت.. وباحث: "لا ديمقراطية دون أحزاب"
لماذا كشف السيسي عن تململ من الدعم المالي لمصر؟
كويتيون يدعون لاستخدام سلاح الاقتصاد في مواجهة بريطانيا