تمر اليوم 12 أيلول/ سبتمبر 2022 الذكرى الـ29 لرحيل الموسيقار الأسطورة
بليغ حمدي. الراحل كتلة جمال خالدة أبت النسيان، وما زالت ألحانه تتناقلها الأجيال.
كانت حياته شلالا من الإحساس والإبداع والعطاء، وحب النساء، هو شخصية عاطفية انفعالية
سريعة التقلب "يحب على روحه" كما كان يصفه كامل الشناوي.
عاش حياته سوّاحًا وعاشقًا لشيئين أثرا في مسيرته، وبهما
تميز: الموسيقى، والجميلات، فأُطلق عليه: "كازانوفا الألحان المصرية".
من أمنية طحيمر، التي لم تستطع ترويضه لأكثر من سنة، إلى
حب حياته وردة، جمعهما فيلم "الوسادة الخالية" للفنان عبد الحليم حافظ، وجعلتها
أغنية "تخونوه" لحليم، تعشق ملحنها قبل أن تعرفه، كان شرارة قصة حب دامت
ست سنوات.
سامية جمال التي أوقعته في شراكها بعد صداقة طويلة، لم تتوج
قصة حبهما بالزواج، لأن بليغ اشترط عليها ترك الرقص.
وقعت الفنانة صباح في فخ بليغ. تزوجا عرفيا يوما واحدا. كذبت
صباح خبر زواجهما مؤكدة أن بليغ مجرد صديق. وتتالت رحلة الموسيقار بحثا عن نغم عاشق.
تعرف على ابنة محمد عبد الوهاب ولكن والدها لم يرض عن هذا الارتباط. كان عبد الوهاب
يرى بليغ حمدي فنانا موهوبا، لكنه "غير متزن في مشاعره".
رحلات ومحطات كثيرة، منها ما تم رصده وتدوينه، ومنها ما تم
السكوت عنها لاعتبارات متعددة، ومن بينها قصة بليغ مع غادة السمان، التي ظل غموض كثير
يلفها.
تجرأت غادة السمان على نشر رسائل غسان كنفاني وأنسي الحاج
وغيرهما، لكنها اتخذت مسافة من رسائل بليغ حمدي.
ويروي مفيد فوزي كيف اتصلت به غادة السمان وأعلمته أنها في
طريقها إلى القاهرة كي تتزوج، ولم تفصح عن العريس. ولما التقاها بالقاهرة أعلمته أنها
ستتزوج بليغ حمدي.
فهل سيكشف أرشيف غادة السمان غير المنشور، المودع في أحد
المصارف السويسرية، وهو الذي يضم مجموعات من الرسائل تعد غادة بنشرها "في الوقت
المناسب"، مثل علاقتها ببليغ حمدي وناصر الدين النشاشيبي الصحفي الفلسطيني الذي
كشف عن وجود رسائل عاطفية موجهة له من غادة في أواسط الستينيات، وجمعته "علاقة
حب عاصفة بغادة السمان، قبل أن تتزوج، وشرفتني بالزيارة إلى منزلي بجنيف وأقامت معي؟!"، على
حد تعبيره.
"أحببت رجلا من ثلج فإذا ما جاء الصيف ذاب".
من هو رجل ثلج غادة؟
يعلق أيمن الحكيم: "أتمنى أن يرزقها الله بمن يجمع عشاقها
في كتاب واحد: "الذين أحبوا غادة" مثلما كتب كامل الشناوي عن "الذين
أحبوا مي"، فيروي قصص من أحبوها وكتبوا لها رسائل الغرام، من غسان كنفاني إلى
أنسي الحاج، مرورا بناصر النشاشيبي ونزار قباني، وآخرين ربما لم تقرر غادة بعد الإفصاح
عنهم، وربما كنا على موعد مع الدهشة إذا ما قررت غادة السمان أن تكتب مذكراتها، بلا
مونتاج.
تنحدر غادة من عائلة ميسورة ماديًا وثقافيًا، كان والدها
وزيرًا للتعليم في سوريا، أصدر أنيس منصور كتابه "يسقط الحائط الرابع"، وصفها
بـ"كرة من القطن المشتعل تنطلق في كل مكان، إنها تبحث عن ماء يخمدها فإذا وجدت
الماء رفضته وصرخت ما الذي تريده؟! إنها تريد أن تظل مشتعلة وأن تحلم بالماء."
لم يكن أحد يتوقع أن تكون غادة السمان وهي تتلقى رسائل غسان
كنفاني الغرامية منتشية بقصة حب مع بليغ حمدي.
مفجر الحكاية "هو صديق لغادة تعرفت في بيته على بليغ
حمدي، هو أحمد عثمان، الكاتب المصري الذي هاجر إلى العاصمة البريطانية في عام 1956
واستقر بها، وكان بيته قِبلة لكل نجوم الفن والإبداع في زياراتهم إلى لندن. بدأ أحمد
عثمان حياته صحفيًا في "أخبار اليوم" واقترب من كامل الشناوي وأصبح من شلته
المقربة، وكتب عدة أعمال للمسرح، وبدأ اسمه يلمع في أوائل الستينيات وربطته علاقة بسعاد
حسني وكان بينهما مشروع زواج لم يتم، واكتشف أنها تستخدمه لإشعال غيرة عبد الحليم حافظ.
وبسبب تهديدات الرقيب باعتقال أحمد عثمان، قرر أن يهاجر من
مصر احتجاجًا على غياب الحريات زمن عبد الناصر، فاستقر به المقام في لندن، وذاع اسمه
كواحد من أهم من كتبوا في المصريات، وأصبحت له نظريات باسمه في التاريخ الفرعوني، ربما
أشهرها أن موسى وإخناتون شخصية واحدة".
كانت الرسالة الأولى من غادة إلى عثمان بتاريخ 20 تشرين
الثاني/ نوفمبر 1967 فور عودتها من لندن إلى بيروت، تشكر فيها عثمان وزوجته نجلاء لأنهما
كانا السبب في تعرفها إلى بليغ: "ما أخبار بليغ وأين هو، وأين سيكون وما عنوانه
في القاهرة وإذا كان لا يزال في لندن، أرجو أن تعطيه عنواني أو تبعث إلي بعنوانه، لم
أكن أدري أني سأشتاق إليه كثيرا. وعندما التقت به في بيروت كتبت إليهما أحمل إليكما
تحيات بليغ شاكرين لأنكما كنتما سبب تعارفنا...بخصوص بليغ أنت محق، نخشى أن نتزوج."
ظلت قصة حبهما بعيدة عن الصحافة حتى كشف بليغ لمجلة
"الحسناء" – كما أورد ذلك الكاتب المصري محمد دياب-، أن لديه حبيبة
"أحبها من سنتين وبنتخانق دايما واحنا الاثنين مجانين وهي أديبة عربية ذكية وحساسة
فنانة سمراء قصيرة عمرها 25 سنة".
وفي كانون الأول/ ديسمبر 1967 صدرت مجلة "الشبكة"
تحمل عنوان غادة السمان تتزوج بليغ حمدي. ويتحدث بليغ عن غادة فيقول "تمر بنا
الساعات ونحن نتحدث فأشعر بأن الزمن قد ألغى وجوده، حديثها عسل وسكر إنها على مستوى
المرحوم كامل الشناوي في جمال العقل والتشبيه".
ألهمته غادة السمان عدة ألحان مثل "قدك المياس"
الذي تضمنته "مداح القمر". ويورد الكاتب محمد دياب في مقال له بمجلة
"الهلال" تحت عنوان "عندما أحب الموسيقار الغجرية حديثا لغادة السمان"
بمجلة "الشبكة" قالت فيه ردا على علاقتها ببليغ حمدي: "زواجنا شائعة،
ما بيننا ليس حكاية زواج وإنما حكاية أكثر استمرارا واستقرارا ومكاشفة مما في الزواج،
لأنها حكاية صداقة أخوية فكرية، أكرر: أخوية أما أن هناك من أساء فهم بليغ أو أن بليغ
أساء فهم نفسه. غادة اختتمت حوارها بالحديث عن أحدث قصة لها بعنوان الموسيقار والغجرية.
وبعد سنتين أعلنت الصحف زواج غادة السمان من الناشر البعثي صاحب دار الطليعة بشير الداعوق.
ومهما يكن، وبغض النظر عن الشهادات المتوفرة وتأرجح بليغ
بين وردة وغادة، وبغض النظر عن الرسائل والشهود والزواج من عدمه، تبقى الرسائل كنزا
مهما قابلا للتفجير في أي لحظة، ورب رسالة مخفية أو مكتومة تغير مسارات كاملة.
من يملك الرسائل يملك الرواية والسيطرة على تبعاتها. من يخشى
الرسائل وهي سلاح ذو حدين، كما تستعملها يمكن أن توظف يوما رسائل أخرى تبرز ضعف الإنسان.
الرسائل ملك مشترك هل يجوز أخلاقيا نشرها من طرف واحد؟