قضايا وآراء

حينما يتحول الكاتب لمحرر للتقارير الأمنية

1300x600

لا بد من الاعتراف بذكاء عماد الدين أديب، الذي استطاع التلاعب بمشاعر أنصار التغيير في العالم العربي، إذ على مدار ثلاث مقالات نشرها على موقع "ميديا أساس"، تابعه أولئك الذين تضرروا من الثورات المضادة، وأولئك الذين حلموا بغد عربي أفضل، وعالم عربي قابل للعيش في كنفه بعد أن حوّلته الأنظمة المتنمرة على شعوبها إلى أرض غير قابلة للحياة بكرامة وآدمية، اعتقدوا أنهم كسبوا كاتباً تنويرياً يقول ما بخواطرهم ويؤشر على الملك العاري الذي تراه حتى أعين الأطفال.

لكن لا بد من الاعتراف أيضاً بأن أديب حرق أوراقه دفعة واحدة، وأقدم على مهمة انتحارية، لن يستطيع القيام بغيرها بعد أن بات مكشوفاً حتى لدى مناصري القمع. فقد تبين في ختام مقالاته الثلاث، أن ذكاءه هو من نفس نوعية ذكاء أجهزة الاستخبارات العربية، بل إنه استخدم تقنياتها في طرح بث الشائعة، ثم معرفة أصدائها، وطرح البدائل لها. بل إن ما ورد من معلومات في مقالات أديب لم تكن سوى تسريبات أمنية، مضخمة أحياناً، وموجهة دائماً، ما يعني أن أديب كتب مقالاته، ليس بوحي أجهزة المخابرات، بل كان مجرد صائغ، أو حتى محرر أدبي للعبارات الواردة في صلب تلك المقالات.

بكل الأحوال، لم يأت أديب في مقالاته، على مستوى الأفكار والمنهجية، بشيء جديد، ولا تختلف تلك المقالات عن عشرات مثلها تنشرها بشكل يومي، حتى الصحافة المسماة قومية، والمقصود بها الصحافة التابعة للأنظمة (الدول)، أما محتوى مقالاته فلم يخرج عن تصنيف أرسطو، قبل ألفي عام للأنظمة السياسية، ولا عما أورده ابن خلدون عن أسباب سقوط الملوك والممالك، ولا حتى عن توصيات ميكافيلي لأميره.

أثّث أديب في مقالاته لعالم يواجه مصيراً أسود عما قريب، بسبب الحرب الأوكرانية ومضاعفات كورونا وانقطاع سلاسل التوريد وتراجع الإنتاج وارتفاع أسعار القمح وندرته، وما سينتج عن ذلك من تراجع في حصص الأفراد الغذائية وبالتالي المجاعات التي ستحل بالعالم. وهذا أسلوب روائي معتمد الهدف منه وضع القارئ في صلب الحدث، حتى لا يصاب بالصدمة من المصائر التي يرسمها الكاتب لشخوص روايته، والنهايات المأساوية التي تنتهي لها أحداث روايته.

المتابع العادي لما تكتبه الصحف العالمية، سيكتشف على الفور أن جهاز المخابرات المصرية، وتحديداً وحدات الرصد الإعلامي، قامت بتجميع مقالات صدرت عن الإيكونومست والفورين أفيرز وسواهما، وما ذكرته من تفاصيل عن حجم النقص في تجارة الحبوب، والدول المتضررة من ذلك، وتحديدها دول الشرق الأوسط على رأس قائمة المتضررين. ويكمن سبب الاهتمام بمقالات هذه الصحف أنها تنبأت بحصول حالات عدم استقرار، وحتى موجات من الاضطرابات قد تعم المنطقة، وأن أغلب دول المنطقة ليس لديها بدائل ولا حلول لتجنب المأزق القادم، وأن هذا المتغيّر المتمثل بنقص الخبز مضافاً إلى ذاكرة شعوب المنطقة بما فعلته بها الأنظمة، فضلاً عن فسادها وفجورها، سيشكل شرارة لانطلاق ثورات جديدة.

ما فعله أديب في مقالاته، بعد قراءة هذه الملخصات، لم يكن سوى تقدير موقف تضعه الأجهزة الأمنية غالباً لدى مواجهتها لأزمة ما، حيث تضع السيناريوهات المحتملة للأزمة، وطرق وأساليب إدارة الأزمة، وتضع في نهاية التقدير توصيات لصانع القرار لاختيار أفضل الطرق وأكثرها نجاعة في مواجهة هذه الأزمة، وهو ما أورده أديب تفصيلياً في مقالته الأخيرة، في سلسلة مقالاته، المعنونة "وصيتي الأخيرة لبلادي ورئيسي".

لكن أديب ذهب أبعد من ذلك حينما أدخل عنصر المؤامرة على نظام السيسي في صلب الحدث، لدرجة أنه كاد يعتبر الأزمة من أساسها، والمقصود انعكاسات الحرب الروسية على مصر، وكأنها مؤامرة ليس الهدف منها التشويش على نظام الحكم المستقر، الذي يحقق صباح مساء إنجازات هائلة لمصر، والذي أنقذها من الضياع، بقدر ما هو انتقام من هذا النظام الذي حرم القوى المتآمرة، والتي تقف أمريكا على رأسها، من تحقيق هدفها في إخضاع مصر لأهدافها وسياساتها! الواضح أنه يعتبر تنبؤات الصحف مؤامرة، وأنه ينسبها لأمريكا والاتحاد الأوروبي كون هذه الصحف تصدر من عندها!

المشكلة أن أمريكا هذه داعم مالي أساسي لمصر، على الأقل على صعيد المساعدات العسكرية للجيش المصري، كما أن النظام المصري يشكّل عاملاً مساعداً للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط والتي تتمحور حول حماية إسرائيل بدرجة كبيرة. ومؤخراً، بدأت بالتراجع عن ربط سياساتها بقضايا حقوق الإنسان، بل إنها تحولت، بحزبيها الرئيسيين، إلى دعم الأنظمة القائمة مهما كانت سياساتها الداخلية، فلماذا يقوم أديب بتحميلها مسؤولية ما سيحدث في مصر إذا ثار الشعب ضد الجوع والفساد؟

يرى أديب أن أمريكا والاتحاد الأوروبي وتركيا وقطر؛ لن ينسوا أن المؤسسة العسكرية انحازت للشعب المصري فيما يسميها "ثورة 30 يونيو"، فهل كان هؤلاء أعداء للشعب المصري ولماذا؟ قبل ذلك يتهم أمريكا بأنها راعية منظمات المجتمع المدني! فهل المجتمع المدني في مصر متآمر على الدولة المصرية، ثم يقول إن هؤلاء لا يريدون لمصر الوقوع في الفوضى والتشرذم؟! إذا لماذا ينتقمون؟ هل الهدف إفهام السيسي أنه أخطأ؟!

لم يخف أديب، في ختام مقالاته المثيرة، هدفه الحقيقي من ورائها، وهو تحذير المصريين من التعبير عن وجعهم، ودعوتهم للسكوت حتى لو دفنوا أولادهم جوعاً، لأن هناك مؤامرة ضد بلدهم ورئيسهم، ولأن البدائل ستكون مرعبة. فهناك من يقف خلف الأبواب (الإخوان المسلمون) الذين سينتقمون من المصريين بيتا بيتا وشارعا شارعا، ويشهد الله أنه بلّغ بضمير وإخلاص رئيسه الذي يحب.

أديب، بذلك يكون قد تحوّل إلى بوق عادي، مثل بقية الأبواق التي نراها في فضائيات وصحف الأنظمة، التي تهذر ولا تجد من يسمعها، حتى من يستخدمونها يخجلون بها.

 

twitter.com/ghazidahman1