صحافة دولية

هل يحل ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال أزمة الطاقة بأوروبا؟

يمكن أن تؤدي اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي- جيتي

قالت صحيفة نيويورك تايمز إن "إسرائيل" ولبنان تقتربان من توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بعد أن عاشتا في حالة حرب من الناحية الفنية منذ عام 1948.

 

وبحسب الصحيفة الأمريكية، يمكن أن تؤدي اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي، مما يساعد أوروبا المتعطشة للطاقة.


وقال مسؤولون من البلدين إنهم على وشك حل نزاعات طويلة الأمد بشأن حدودهم البحرية، مما سيسمح لشركات الطاقة باستخراج المزيد من الوقود الأحفوري من الحقول في البحر الأبيض المتوسط.

 

لن يعوض الإنتاج المتزايد عن الغاز الذي لم تعد تحصل عليه أوروبا من روسيا. لكن خبراء الطاقة يقولون إن الاتفاق الإسرائيلي اللبناني يجب أن يعطي دفعة حيوية لجهود إنتاج المزيد من الغاز في ذلك الجزء من العالم.

 

على مدى السنوات الأربع الماضية، كان إنتاج الطاقة في شرق البحر المتوسط ينمو حيث عملت إسرائيل ومصر والأردن وقبرص معا للاستفادة من النفط والغاز المدفونين تحت البحر.

 

قال شريف سوكي، الرئيس التنفيذي اللبناني الأمريكي لشركة تيلوريان، وهي شركة للغاز الطبيعي المسال مقرها في هيوستن: "هذه خطوة مهمة للغاية بالنسبة للمنطقة لتصبح فعالة. يدرك اللاعبون أخيرا أنه من الأفضل التعاون بدلا من القتال المستمر".

 

اقرأ أيضا: لبنان ينتظر "عرضا خطيا" من واشنطن لترسيم الحدود
 

"حقل كاريش"


ستؤثر المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية بشكل مباشر على حقل كاريش الذي سينتج الغاز للاستخدام المحلي الإسرائيلي. ومن المتوقع أن يحل هذا الوقود محل الغاز المنتج من الحقول الأخرى، والذي يمكن بعد ذلك تصديره. من المتوقع أيضا أن ينتج الحقل الجديد كمية صغيرة من النفط.


تنتج شيفرون، ثاني أكبر شركة نفط وغاز أمريكية، والعديد من الشركات الصغيرة الغاز من حقلين أكبر قبالة الساحل الإسرائيلي. حل هذا الوقود محل الفحم بشكل متزايد في محطات توليد الكهرباء والمصانع في البلاد. تمتلك إسرائيل الآن الكثير من الغاز لدرجة أنها أصبحت مُصدرا للطاقة، حيث ترسل الوقود إلى جيرانها مثل الأردن ومصر. وجد بعض هذا الغاز طريقه أيضا إلى أوروبا وأجزاء أخرى من العالم من محطات تصدير الغاز المسال في مصر.


شجعت الحكومة الأمريكية، عبر العديد من الإدارات، نمو تجارة الغاز في المنطقة من خلال المساعدة في التفاوض على الصفقات بين الدول التي كانت علاقاتها متوترة منذ فترة طويلة. أدت الأزمة الأوكرانية إلى تسريع جهود استكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي بسبب التكلفة الباهظة للوقود في أوروبا، حيث تسعى الدول بشكل يائس إلى إنهاء اعتمادها على الغاز الروسي.


تناقش شيفرون وشركاؤها الإسرائيليون إمكانية بناء منصة عائمة للغاز الطبيعي المسال في حقل ليفياثان للغاز، أكبر حقل في إسرائيل. من المتوقع أن تتخذ الشركات قرارا بشأن المشروع في غضون بضعة أشهر.


لكن إخراج الغاز من المنطقة لن يكون سهلا. محطات التصدير العائمة عرضة لهجمات إرهابية. وحتى إذا كان من الممكن تأمينها بشكل كافٍ، فلن تكون المحطات قادرة على معالجة نفس القدر من الغاز مثل المنشآت الساحلية الأكبر المستخدمة من منتجي الغاز الرئيسيين مثل الولايات المتحدة وقطر وأستراليا.

 

قد يستغرق بناء المحطات على الأرض عدة سنوات، وغالبا ما يستغرق وقتا أطول، بسبب معارضة المجموعات البيئية وغيرها.

 

اقرأ أيضا: خبير إسرائيلي: اتفاق الحدود مع لبنان أهم من التطبيع 

 

"بنية تحتية هشة"


قال غال لوفت، الضابط العسكري الإسرائيلي السابق والمدير المشارك لمعهد تحليل الأمن العالمي في واشنطن: "البنية التحتية للطاقة في الخارج متقلبة للغاية وهشة. عليك إدارة المخاطر".


من الناحية النظرية، سيكون نقل الغاز عبر خطوط الأنابيب أسهل من تسييل الغاز الطبيعي للتصدير قبل تحويله مرة أخرى إلى غاز في وجهته. لكن بناء خطوط أنابيب لمسافات طويلة مكلف وصعب. على سبيل المثال، أدى الصراع طويل الأمد بين تركيا وقبرص واليونان إلى جعل بناء خط أنابيب يمتد من إسرائيل إلى جنوب أوروبا أمرا صعبا للغاية، إن لم يكن مستحيلا.


حتى اتفاقية الحدود الإسرائيلية اللبنانية تواجه مخاطر. وهدد حزب الله بمهاجمة حقل كاريش وأرسل فوقه طائرات مسيرة غير مسلحة في تموز/ يوليو. وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم أسقطوا الطائرة.
ومع ذلك، قال مسؤولون إسرائيليون ولبنانيون في الأيام الأخيرة إنهم مستمرون في المفاوضات، حيث يعمل مسؤولون من إدارة بايدن كوسطاء، وهم على وشك التوصل إلى اتفاق. اكتسبت المحادثات زخما خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي.


قال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يوم الخميس في الأمم المتحدة إنه واثق من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. وأوضح: "إن لبنان يدرك جيدا أهمية سوق الطاقة الواعد في شرق البحر المتوسط من أجل ازدهار جميع دول المنطقة، ولكن أيضا لتلبية احتياجات الدول المستوردة".


لطالما ابتعدت الولايات المتحدة وشركات النفط الغربية الأخرى عن إسرائيل، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها لا تريد تنفير الدول العربية. ولكن مع تحسن العلاقات بين إسرائيل ودول مثل مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة مؤخرا، أعربت المزيد من الشركات عن اهتمامها بشرق البحر المتوسط. يمكن لاتفاق بين إسرائيل ولبنان تسريع هذا التوجه.


قالت ليزلي بالتي-غوزمان، الرئيسة التنفيذية لشركة جاس فيستا، وهي شركة استشارية: "أعتقد أن هذا سوف يرضي الكثير من العقول. يمكن تحفيز الشركات التي كانت مترددة في الاستثمار بشكل أكبر لتطوير مشاريع إضافية".


تعد حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط واحدة من العديد من الموردين الجدد الذين ستحتاجهم أوروبا في سعيها لاستبدال الغاز الروسي على المدى الطويل. ومن بين الموردين الآخرين شركات الطاقة العاملة في الولايات المتحدة وقطر وأفريقيا وبحر قزوين وبحر الشمال.


قال بادي بلاوير، المتحدث باسم شركة إنرجين، وهي شركة تنقيب مقرها لندن وتأمل في بدء إنتاج الغاز في حقل كاريش: "لا يوجد حل سحري. شرق البحر الأبيض المتوسط هو واحد من سلسلة من المكاسب الهامشية التي يتعين على أوروبا أن تنظر إليها".


تخطط إنرجين لبدء الإنتاج في الأسابيع القليلة المقبلة، وقالت إنها تتوقع إنتاج ما يصل إلى ثمانية مليارات متر مكعب من الغاز سنويا بحلول عام 2025. إذا نجحت، يمكن للشركة أن تضيف بشكل كبير إلى إنتاج إسرائيل. ستنتج البلاد حوالي 22 مليار متر مكعب هذا العام. زادت إسرائيل من إنتاج الغاز بنسبة 22% في النصف الأول من العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، بعد أن كانت مستوردا لكل طاقتها تقريبا. وصدرت ما يقرب من 40% من غازها، وكسبت عائدات حكومية قدرها 250 مليون دولار.


كما سيفتح اتفاق بين إسرائيل ولبنان الطريق للتنقيب في المياه اللبنانية من قبل كونسورتيوم بقيادة إيني الإيطالية وتوتال إنرجي الفرنسية. ينظر المسؤولون اللبنانيون إلى الغاز الطبيعي على أنه أداة مالية مهمة في محاولاته لإنعاش اقتصاد البلاد المتدهور. وأرادت الحكومة التنقيب في المياه البحرية منذ 2014 على الأقل، لكن الخلافات مع إسرائيل حول الحدود أخرت عمليات التنقيب.


وقال شكيب خليل الرئيس السابق لمنظمة البلدان المصدرة للبترول: "ليس من المؤكد أن لبنان سيجد الغاز. ولكن، إذا فعلوا ذلك، فإن لبنان سيحصل على دفعة كبيرة".

 

تطورات متلاحقة

 

وشهدت الأيام الأخيرة تطورات إسرائيلية متلاحقة في موضوع الاتفاق على الحدود البحرية مع لبنان، وفي الوقت ذاته التعامل مع تهديدات حزب الله بشأن استخراج الغاز من حقل كاريش، مع توقع أن تقدم الولايات المتحدة لدولة الاحتلال الخطوط العريضة للاتفاق على خط الحدود البحري مع لبنان، وسيُطلب من الحكومتين الموافقة عليه، أما في إسرائيل، فيستعدون للتوقيع على الاتفاق، رغم محاولة حزب الله تنفيذ عملية من شأنها نسف الأوراق.


نير دفوري المراسل العسكري للقناة 12، نقل عن أوساط عسكرية إسرائيلية أن "حزب الله سيحاول القيام بنوع من الاستفزاز الذي من شأنه زعزعة استقرار الشمال، وقد أجرى رئيس الوزراء يائير لابيد تقييمًا للوضع مع نخبة أمنية كاملة عرضت فيها جميع السيناريوهات المحتملة للتصعيد، وكذلك جميع الخطط العملياتية التي تخطط لها إسرائيل للأحداث المحتملة، مما يجعلها أياما لليقظة الشديدة، والاستعداد لاحتمال التوصل إلى اتفاق أخيرًا، بحيث يكون من الممكن استخراج الغاز".


وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21" أن "التأكيد الإسرائيلي ما زال على حاله ومفاده أن إنتاج الغاز من منصة حفر كاريش لا علاقة له بالمفاوضات حول الحدود البحرية مع لبنان، حيث ستبدأ الحفارة بإنتاج الغاز دون تأخير في أسرع وقت ممكن، وقد تخطط لربط أنبوب الغاز من هذه المنصة بالساحل، كما ستجري سلسلة من الاختبارات للتأكد من عمل النظام، وهذه خطوة من شأنها أن تزيد التوترات القائمة بالفعل بين إسرائيل وحزب الله، التي لا تعرف بوضوح كيف سيرد على خطوتها".


مع تصاعد التوتر الإسرائيلي-اللبناني على خلفية أزمة استخراج الغاز من البحر المتوسط، صدرت تحذيرات من كبار ضباط وجنرالات جيش الاحتلال، مفادها أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع لبنان بشأن الحدود البحرية، فقد يشتعل التوتر إلى معركة تستمر عدة أيام، ويعد التحذير غير مسبوق، ويفهم منه أن المستوى العسكري يؤيد إنجاز اتفاق مع لبنان، ربما بعكس توجهات باقي المستويات السياسية.


تجدر الإشارة إلى أن الخلاف حول الحدود البحرية بين لبنان وكيان الاحتلال يتركز على مساحة تبلغ عدة مئات من الكيلومترات المربعة في شرق البحر المتوسط مقابل السواحل، أما الأرباح من إنتاج الغاز الطبيعي من الخزانات المحتملة في هذه المنطقة البحرية فقد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، وعلى خلفية أن إنتاج الغاز من خزان "كاريش" قد يبدأ في أكتوبر، فقد أطلق الحزب تهديده بالحرب إذا لم يتم الحفاظ على حقوق لبنان.


في المقابل نقلت ليران هاروني مراسلة القناة 13 عن محافل دبلوماسية أن "الوسيط الأمريكي عاموس هوشستين سيقدم إلى لبنان الرد الإسرائيلي الخطي والنهائي على المقترحات القائمة لتسوية الحدود البحرية، وسط رفض لبناني أن تكون هناك أي صلة بين ترسيم الحدود البرية والبحرية، بزعم أنه حصل في المفاوضات على كل ما يحتاجه اللبنانيون، وكل ما تبقى أن تتخذ إسرائيل قرارها، في حين نقل الأمريكيون للبنانيين أن إسرائيل تجري حاليا تجارب مع تدفق الغاز من الأرض باتجاه سفينة الحفر في حقل "كاريش"، وليس العكس، على أن يبدأ إنتاجه من بداية أكتوبر". 


وأضافت في تقرير ترجمته "عربي21" أن "الرد الإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية سيصل قبل نهاية الأسبوع، بعد تهديدات حزب الله بمهاجمة حقل كاريش إذا بدأت إسرائيل بإنتاج الغاز دون اتفاق، مع العلم أن نقاشات لابيد حول موضوع الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، بمشاركة كبار أعضاء المؤسسة الأمنية والعسكرية، أوردت حديثا مفاده أن يتم التوصل لاتفاق بشأن تنظيم المياه الاقتصادية خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين، وبحث معلومات استخباراتية حول تقييمات إنتاج الغاز من منصة الحفر". 


لم يعد سرّا أن حالة من الإجماع بين أقطاب المؤسستين الأمنية والعسكرية، حول أن البديل عن الاتفاق قد يكون التصعيد، وهناك احتمال كبير لوقوع سوء التقدير من جانب الحزب قد يؤدي لعدة أيام من القتال في الشمال، لأنه مهتم باستخدام الاتفاقية كصورة انتصار على الساحة اللبنانية الداخلية، وإذا لم يتحقق هذا الاتفاق، فإن مستوى الانفجار سيكون عاليا، رغم أن فرصه ليست عالية.


هذا يعني أن جيش الاحتلال قد يزيد من جاهزيته واستعداده للانتقال السريع إلى حالة الطوارئ، وإطلاق حملة دعائية مضادة، مفادها أن الحزب يعرّض الدولة اللبنانية لخطر التورط في حرب شاملة، وفي الوقت نفسه نقل الرسائل إلى فرنسا وألمانيا بالتوازي مع هذه الجاهزية العسكرية والعملياتية، وهو ما تضمنته لقاءات المسؤولين الإسرائيليين الأخيرة في واشنطن ونيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.