استبعد الأكاديمي المصري البارز وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور حسن نافعة، نجاح القمة العربية المقبلة، التي من المقرر أن تنعقد في الجزائر مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في معالجة أو حل الأزمات العربية القائمة.
وفي الوقت الذي أكد فيه أن "حدة بعض الأزمات العربية خفت بعض الشيء في الآونة الأخيرة، خاصة بعد انفراج الأزمة الخليجية"، فإنه أوضح أن "العالم العربي ما زال يفتقد الكثير من حيويته، وما زال في حالة يبدو فيها أنه أقرب إلى الشلل منه إلى التعافي".
ورأى الأكاديمي المصري البارز، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "العوامل التي تدفع نحو الاضطراب والاحتجاج في منطقة الشرق الأوسط ما زالت أقوى بكثير من العوامل التي تدفع نحو الهدوء والاستقرار".
وقال إن "الشرق الأوسط لن يهدأ ويستقر إلا إذا توافرت له عدة شروط، هي: حل الصراع العربي الإسرائيلي، وإبرام عقد اجتماعي جديد بين الحكام والشعوب العربية، والتوصل إلى صيغة تضمن تداول السلطة وسيادة دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق الإنسان، وإخلاء كل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، من كل أسلحة الدمار الشامل، خاصة الأسلحة النووية".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تنظرون إلى القمة العربية المقبلة في الجزائر؟ وهل ستساهم في تذويب جليد الخلافات بين الدول العربية؟
لم تعد الشعوب العربية تعلق آمالا كبيرة على مؤتمرات القمة العربية. فلو كان لهذه المؤتمرات أهمية تذكر أو دور ملموس في التأثير على مسار الأحداث التي تهم هذه الشعوب لما وصلت الأوضاع العربية إلى هذا الحد من التردي الذي تعيشه الأمة العربية منذ سنوات طويلة وما زالت تعاني منه جميع الشعوب العربية حتى اليوم، وإن بدرجات متباينة.
وتعود حالة عدم الثقة في مؤتمرات القمة العربية إلى غياب آليات مؤسسية فاعلة، سواء لتسوية المنازعات التي قد تنشب بين أنظمة الحكم العربية نفسها أو لمواجهة التحديات الخارجية التي تواجه العالم العربي وتُهدّد أمنه القومي ككل. فغياب آلية فاعلة لتسوية المنازعات العربية بالطرق السلمية من ناحية، وتآكل مفهوم الأمن القومي العربي من ناحية أخرى، وتراجع موقع القضية الفلسطينية على جدول أعمال معظم الدول العربية من ناحية ثالثة، كلها عوامل أدت إلى فقدان الجسد العربي لمناعته الطبيعية وجعلته فريسة سهلة لكل أنواع الجراثيم والأمراض التي قد يتعرض لها من الداخل ومن الخارج على السواء.
صحيح أنه يمكن أن يُقال إن حدة بعض الأزمات العربية خفت بعض الشيء في الآونة الأخيرة، خاصة بعد انفراج الأزمة الخليجية التي أدت إلى فرض حصار شامل على قطر من قِبل أربع دول عربية هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وبعد تخفيض حدة بعض الأزمات الإقليمية، خاصة بعد التوصل إلى هدنة لوقف القتال في اليمن، وبعد التحسن النسبي الذي طرأ على العلاقات العربية الإيرانية من ناحية، وعلى العلاقات العربية التركية من ناحية أخرى، لكن العالم العربي ما زال يفتقد الكثير من حيويته، وما زال في حالة يبدو فيها أنه أقرب إلى الشلل منه إلى التعافي. ويكفي أن نلقي نظرة على الأوضاع الجارية حاليا في كل من ليبيا والعراق وسوريا وتونس وفي معظم الدول العربية الأخرى لنصل بسهولة إلى مثل هذه النتيجة.
وبالتالي ما توقعاتكم للنتائج المرتقبة للقمة العربية؟ وهل ستحل تلك الأزمات التي تطرقت إليها؟
لا أظن أن القمة العربية المقبلة في الجزائر ستنجح في معالجة هذه الأزمات أو التوصل إلى حلول لها. صحيح أن دولة الجزائر كانت، ولا تزال، تتمتع بثقة الشعوب العربية، ولديها رصيد نضالي كبير باعتبارها بلد "المليون شهيد" من ناحية، وهي أكثر الدول العربية احتضانا للقضية الفلسطينية ورفضا للتطبيع مع إسرائيل من ناحية أخرى، لكن الأزمات التي يعاني منها العالم العربي حاليا هي من النوع البنيوي الذي يصعب تجاوزه إلا بحدوث تغيير شامل وجذري في بنية النظام العربي نفسه، خاصة ما يتصل منها بالعلاقة بين الحكام والمحكومين، وليس من خلال قمم عربية، حتى لو عُقدت في بلد "المليون شهيد".
والواقع أن العالم العربي أصبح في حالة من الترهل إلى الدرجة التي بات فيها مجرد النجاح في التئام القمة العربية، حتى وإن لم ينجم عنها أي إنجاز ملموس، يعد إنجازا كبيرا في حد ذاته. ولن تكون قمة الجزائر القادمة استثناء من هذه القاعدة؛ فإذا نجحت الجزائر في إقناع أكبر عدد ممكن من ملوك ورؤساء الدول العربية في المشاركة في القمة العربية المحدد لها يوما 1 و2 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم فسيكون هذا في حد ذاته "إنجازا كبيرا" يُحسب للجزائر، خاصة أنه لم تُعقد أي قمة عربية منذ العام 2019.
قبل أيام، دخلت اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) عامها الثالث.. فما الذي حققته تلك الاتفاقيات حتى الآن؟ وما مستقبلها؟
المعلومات المتداولة إعلاميا حول هذا الموضوع تشير إلى أن الإمارات هي أكثر الدول العربية اندفاعا نحو التطبيع مع إسرائيل، بل إن بعض المشروعات المشتركة التي تعتزم الإمارات إقامتها بالتعاون مع إسرائيل، والتي ذكرت تقارير صحفية أنها قيد الدراسة وعلى وشك الدخول في مرحلة التنفيذ، قد تُلحق في حالة إتمامها بالفعل ضررا بالغا بدول عربية أخرى، في مقدمتها مصر.
وينطوي هذا التطور، إن ثبتت صحته، على احتمالات بالغة الخطورة بالنسبة لوحدة ومستقبل العالم العربي ككل. وتشير هذه المعلومات إلى أن العلاقات المغربية الإسرائيلية تتطور أيضا بسرعة كبيرة، خاصة في المجالات الأمنية، وأن الجزائر ربما تكون هي المُستهدفة الأولى من تنامي العلاقات المغربية الإسرائيلية على هذا النحو المؤسف.
لكني أعتقد أن هذا النوع من التطبيع، الذي ليس له ما يبرره على الإطلاق، مآله الفشل. فالدول المطبعة حديثا مع إسرائيل، والتي لم تدخل معها في أي صدامات عسكرية على الإطلاق، سوف تكتشف إن عاجلا أو آجلا أن إسرائيل هي المستفيد الوحيد منها، وأن الدول العربية لن تحقق من ورائها أي مكاسب تُذكر. وطالما ظلت القضية الفلسطينية بدون حل فسيؤدي تمادي الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل حتما إلى تآكل شرعيتها، وبالتالي فإنه سيهز ثقة شعوبها فيها، وسيضعف من قدرتها على تحقيق الاستقرار في المستقبل.
إلى أي مدى تأثرت القضية الفلسطينية سلبا أو إيجابا باتفاقيات التطبيع؟
كلما ازدادت وتيرة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، قبل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية يتيح للشعب الفلسطيني العيش في دولة حرة مستقلة في حدود 1967 على الأقل ويتخذ من القدس الشرقية عاصمة له، اعتقدت إسرائيل أنها اقتربت من تحقيق انتصارها النهائي ولم تعد مضطرة لتقديم أي تنازلات للشعب الفلسطيني، وبالتالي ازداد موقفها من التسوية تصلبا وعنادا.
وقد حاولت بعض الدول العربية المطبعة حديثا تبرير إقدامها على هذه الخطوة بالادعاء أنها تخدم قضية التسوية، من خلال طمأنة إسرائيل حول سلامة النوايا العربية وجديتها في البحث عن تسوية حقيقية، لكن ما يجري على الأرض الفلسطينية حاليا يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أن إقدام الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل، دون انتظار لحل القضية الفلسطينية، يعني أنها لم تعد تلقي بالا للقضية ومن ثم فهي تقدم لإسرائيل شيكا على بياض يتيح لها مطلق الحرية في التصرف تجاه الشعب الفلسطيني وتحديد شروط التسوية وفقا لرؤيتها الخاصة لأمنها القومي، وهذا هو ما حدث بالفعل، بدليل إصرار إسرائيل على مواصلة التوسع في بناء المستوطنات في كل أنحاء الضفة الغربية، وفي الإسراع بتنفيذ المخططات الرامية إلى استكمال تهويد القدس والسيطرة على المسجد الأقصى والإصرار على هدمه وإقامة الهيكل مكانه.. إلخ.
هل تعتقد أن السعودية -أو غيرها من الدول العربية- ستلحق قريبا بركب التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟
قد تلحق دول عربية أخرى بقطار التطبيع، مثل تونس مثلا في حال تمكن قيس سعيد من السيطرة المنفردة على الأوضاع هناك، لكني أعتقد أن اتخاذ قرار بالتطبيع مع إسرائيل سيكون صعبا جدا على السعودية، ومن ثم فستتردد كثيرا في اتخاذه، والأرجح أن تكون هي آخر الدول العربية المطبعة.
وأظن أن السعودية تكتفي الآن بتشجيع الدول العربية الأخرى على التطبيع علنا مع إسرائيل.. فهل يعقل مثلا تصور أن تقوم البحرين بالتطبيع رسميا مع إسرائيل دون موافقة وتشجيع السعودية. أما هي فتكتفي في هذه المرحلة بالتطبيع غير المباشر وغير المعلن.
وذكرت تقارير صحفية عديدة أن الاتصالات الرسمية بين السعودية وإسرائيل قائمة على قدم وساق منذ فترة ليست بالقصيرة، وأنها بدأت تتصاعد في الآونة الأخيرة، خاصة بعد تذليل العقبات التي كانت تحول دون فرض السعودية سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، وأن التعاون بين البلدين يمتد إلى المجالات الأمنية.
الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أكد منتصف شهر تموز/ يوليو الماضي، أن الولايات المتحدة لن تبتعد عن منطقة الشرق الأوسط وتترك فراغا تملؤه روسيا والصين وإيران.. فما تقييمكم لمواقف إدارة بايدن من منطقة الشرق الأوسط؟
أعتقد أن الكثير من المعلقين والمحللين العرب تسرّعوا كثيرا حين استنتجوا من بعض التطورات التي طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية في عهدي أوباما وترامب أن الولايات المتحدة في طريقها للانسحاب كليا من الشرق الأوسط، وبنوا تحليلاتهم هذه على أساس تصور أن أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية بدأت تتضاءل، خاصة بعد أن أصبحت الولايات المتحدة هي المنتج الأول للطاقة في عالم يتجه بسرعة نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة وغير الملوثة للبيئة.
غير أن هذه الاستنتاجات لم تكن صحيحة؛ فالتخفيضات التي أجرتها الولايات المتحدة على قواتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط كانت ناجمة في حقيقة الأمر عن عملية إعادة انتشار في ظل استراتيجية أمريكية عسكرية جديدة جرى رسمها بعد الإخفاق الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان (التي سارعت في الانسحاب منها بشكل مُهين). ثم جاءت الأزمة الأوكرانية أخيرا، والتي لم يتوقعها كثيرون، لتؤكد من جديد أن للنفط والغاز دورا كبيرا في رسم الاستراتيجيات العالمية، وأن الشرق الأوسط، بوصفه إحدى المخزونات العالمية للطاقة في العالم، ما زال يلعب دورا محوريا، وأن مَن يسيطر على هذه المنطقة يسهل عليه السيطرة على العالم ككل.
لذلك، لا يساورني أي شك في أن الولايات المتحدة ستظل متمسكة بالبقاء وممارسة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط إلى آخر لحظة ولن تنسحب منها إلا مُضطرة، وفي ظل موازين قوى جديدة لنظام عالمي جديد متعدد القطبية، تُرسم معالمه الآن من خلال الحرب الدائرة حاليا على الساحة الأوكرانية، والتي لم يتحدد مصيرها بعد.
بايدن كان قد أعلن خلال حملته الانتخابية، أن "أيام التقرب من الطغاة قد ولّت".. فما الدوافع التي جعلته ينقلب على موقفه من "الطغاة" برأيكم؟
بايدن لم يغير موقفه الشخصي من الطغاة؛ فهو كسياسي ينتمي للحزب الديمقراطي يشعر باحتقار شديد تجاه كل مَن يمارس الحكم الفردي وينتهك حقوق الإنسان في بلاده، لكن علينا أن نميز بين ما يقوله أي مرشح أمريكي للرئاسة إبان حملته الانتخابية، وبين ما يستطيع أن يقوم به هذا المرشح فعلا حين يصبح رئيسا لبلاده، أي بعد دخوله البيت الأبيض.
فبايدن أراد من خلال ما قاله إبان حملته الانتخابية كسب كل الأصوات المدافعة عن حقوق الإنسان، وللتأكيد على أنه سيتبنى سياسة خارجية مختلفة عن تلك التي تبناها سلفه ترامب الذي لم يبال بأي انتهاكات تُرتكب ضد حقوق الإنسان في العالم، لكنه بعد أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة تعين عليه أولا وقبل كل شيء أن يدافع عن مصالح الدولة التي يتولى مسؤولية إدارتها.
لذا، فهو كان وما زال مستعدا للدفاع عن حقوق الانسان في العالم، شريطة ألا يؤثر ذلك سلبا على مصالح الولايات المتحدة، لكنه لا يتردد عن محاولة كسب ود الطغاة حين تحتم عليه مصالح بلاده نهج هذا السلوك، بدليل أنه قرّر التوجه بنفسه صاغرا لزيارة المملكة العربية السعودية وإجراء مفاوضات مع ولي عهدها محمد بن سلمان، والذي كان قد وصفه من قبل بالقاتل الذي يستحيل أن يضع يده في يده، بل إن محمد بن سلمان رفض الذهاب لاستقبال بايدن في المطار، واكتفى بمصافحته بقبضة يده عند استقباله له في قصر الضيافة.
وحين احتاج بايدن للحديث مع الرئيس السيسي، إبان الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فإنه لم يتردد في المبادرة بمكالمته هاتفيا عدة مرات. حين تتصادم المصالح مع حقوق الانسان تنحاز الدول دائما لمصالحها وتصبح على أتم الاستعداد بالتضحية بحقوق الإنسان. ونادرا ما تجد دولة في العالم ترجح كفة حقوق الإنسان على كفة المصالح حين يتعارضا معا.
أيهما أكثر تأثيرا في المنطقة حاليا.. أمريكا والغرب أم روسيا والصين وإيران؟
ظلت سيطرة الولايات المتحدة والغرب على منطقة الشرق الأوسط شبه تامة منذ الحرب العالمية الثانية، وما زال نفوذهما في المنطقة هو الغالب حتى الآن، لكنهما واجها طوال هذه الفترة تحديات كثيرة استطاعا التغلب عليها، وهي تحديات بدأت من إيران في عهد محمد مصدق عام 1950، وانتهت بإيران أيضا عقب اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، لكنها مرت بمراحل كثيرة تدهورت فيها الهيمنة الغربية مؤقتا ولمراحل قصيرة، خاصة خلال فترة المد القومي العربي في الخمسينيات والستينيات.
لكن الولايات المتحدة والغرب ما لبثا أن استعادا نفوذهما بعد حرب أكتوبر 1973، خاصة من خلال الدور الذي لعبه كيسنجر في تمكين الولايات المتحدة من الهيمنة المنفردة على عملية البحث عن تسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي.
واليوم تبدو الصورة مختلفة؛ فهيمنة الولايات المتحدة والغرب على المنطقة ليست مطلقة، خاصة بعد الانتكاسات العسكرية التي مُنيت بها الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان. فقد استعادت روسيا لبعض هيبتها المفقودة ولبعض مكانتها التي كانت للاتحاد السوفييتي سابقا، الأمر الذي مكّنها من العودة للمنطقة والتأثير الحاسم على بعض الأزمات المُحتدمة فيها (الأزمة السورية نموذجا).
وساعد الصعود التدريجي للصين، وتنامي نفوذها اقتصاديا وعسكريا، في تآكل الهيمنة الغربية في كل مناطق العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، وارتكبت الولايات المتحدة أخطاء كثيرة في منطقة الشرق الأوسط أدت إلى تمكين إيران من مد نفوذها إلى دول كثيرة في المنطقة وإلى قيادة مقاومة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وتلك كلها عوامل ساعدت على دخول لاعبين دوليين وإقليميين جُدد ساحة المنافسة على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
وربما يكون من الصعب أن نحدد الآن مَن هي القوى العالمية الأكثر نفوذا وتأثيرا في منطقة الشرق الأوسط؛ فلكل قوة أو معسكر أو تحالف عالمي أدوات ووسائل مختلفة لممارسة النفوذ. لكن من المؤكد أن المرحلة الحالية، والتي تميل فيها موازين القوى العالمية نحو التأسيس لنظام دولي متعدد الأقطاب، تتيح للدول العربية هامشا أكبر من الحركة يجعلها قادرة إن أرادت على تبني سياسة مستقلة يمكن توظيفها لصالح العالم العربي. غير أن العالم العربي ما زال يفتقد القيادات المؤهلة للعب هذا الدور التاريخي.
ما تقييمكم لانعكاسات الحرب الأوكرانية على المنطقة بعد مرور نحو 8 أشهر على اندلاع الأزمة؟
تأثير الحرب الأوكرانية على دول المنطقة كان متباينا، وهو يحتاج إلى تحليل مطول قد لا تتسع له هذه المقابلة، لكن يمكن القول إن تأثيره على دول الجوار العربي، خاصة تركيا وإيران وإسرائيل، كان إجمالا أكثر إيجابية من تأثيره على الدول العربية؛ فتركيا استفادت سياسيا وبدت وكأنها قادرة على لعب أدوار عالمية مؤثرة (التوسط لحل أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية نموذجا)، وكذلك الحال بالنسبة لإيران حيث بدت الحاجة لنفطها وغازها أكبر، ما دعم موقفها أكثر في مفاوضات العودة الأمريكية إلى اتفاق البرنامج النووي، وهكذا.
أما بالنسبة للدول العربية؛ فقد استفادت الدول النفطية من ارتفاع أسعار منتجاتها، بينما عانت الدول العربية الأخرى كثيرا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة، ومن نقص عدد السائحين الروس، ومن توجه الاقتصاد العالمي نحو الكساد.
ومع ذلك، فقد فتحت الحرب الأوكرانية فرصة جديدة لتغيير قواعد النظام العالمي ووضع حد للهيمنة الأمريكية والغربية عليه، لكن العالم العربي، وكما سبقت الإشارة يفتقد للقيادات التاريخية التي يمكنها استغلال هذه الفرصة وتوظيفها لصالح شعوبها.
وعلى أي حال فإن الأزمة الأوكرانية، وهي أزمة عالمية تُدار بالسلاح على الساحة الأوكرانية وبوسائل أخرى على الساحة الكونية، لا تزال في قمة تفاعلاتها، ومن الصعب معرفة تأثيراتها النهائية على مختلف مناطق العالم. وفي جميع الأحوال فسوف تكون منطقة الشرق، بحكم ثرواتها من النفط والغاز، في قلب الصراع بإرادتها أو رغما عنها.
برأيكم، هل منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو الاستقرار والهدوء أم الاضطراب والاحتجاج؟
العوامل التي تدفع نحو الاضطراب والاحتجاج في منطقة الشرق الأوسط ما زالت أقوى بكثير من العوامل التي تدفع نحو الهدوء والاستقرار. وفي تقديري أن الشرق الأوسط لن يهدأ ويستقر إلا إذا توافرت له ثلاثة شروط. الشرط الأول: حل الصراع العربي الإسرائيلي على نحو يضمن انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. الشرط الثاني: وصول المجتمعات العربية إلى حالة من النضج السياسي تسمح لها بإبرام عقد اجتماعي جديد بين الحكام والشعوب، والتوصل إلى صيغة تضمن تداول السلطة وسيادة دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق الإنسان في هذه المنطقة من العالم. الشرط الثالث: إخلاء كل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، من كل أسلحة الدمار الشامل، خاصة الأسلحة النووية.