قضايا وآراء

معركة الحجاب في إيران.. الظالم والمظلوم

1300x600

ما أن يعلن قائد الطائرة استعداده للهبوط في مطار طهران أو غيره من المطارات الإيرانية؛ حتى تسارع العديد من النساء إلى إخراج غطاء الرأس من حقائبهن لتضعنه على رؤوسهن.. مشهد معتاد، رأيته بعيني في زيارات سابقة إلى طهران.

لا يقتصر الأمر على النساء الإيرانيات بل يشمل غيرهن من الأجنبيات، بمن في ذلك وزيرات وشخصيات دولية كبرى. وقد رفضت وزيرة مصرية قبطية الهبوط من الطائرة في طهران حين قدمت لها السلطات حجابا لترتديه في زيارة رسمية لها إلى إيران قبل عدة سنوات، كما رفض الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قبل أيام مقابلة الصحفية الأمريكية الشهيرة (من أصول إيرانية) كريستيان أمانبور، أشهر مذيعات محطة سي إن إن، بسبب رفضها ارتداء الحجاب أثناء المقابلة التلفزيونية التي كانت ستتم على هامش مشاركته في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، بينما قبلت صحفية أخرى، هي ليزلي ستال من محطة سي بي إس، ارتداء الحجاب قبل الحوار مع رئيسي.

الغريب أن الرئيس الإيراني ادعى في حواره مع محطة سي بي إس؛ أن "الحجاب سلوك ثقافي عفوي وطوعي بالكامل للنساء الإيرانيات"، بينما رفض هو شخصيا الجلوس مع مذيعة المحطة ذاتها التي أجرت الحديث قبل ارتدائها الحجاب.

الحجاب فريضة إسلامية لا شك في ذلك، والدعوة للالتزام به أمر مشروع ومطلوب، وقد وقعت عدة معارك قانونية وسياسية ناجحة لانتزاع حق ارتداء الحجاب في دول إسلامية كانت تمنعه، مثل تركيا وتونس، أيضا في دول غير إسلامية مثل فرنسا.. الخ، لكننا الآن بصدد حالة تمرد على الحجاب المفروض بالقانون في إيران، والتي واكبها تراجع رسمي سعودي عن تعقب غير المحجبات، في تعميم رسمي لوزارة الداخلية صدر مؤخرا.

الرئيس رئيسي هو المفجر الحقيقي للانتفاضة ضد الحجاب مؤخرا، حين قرر منتصف آب/ أغسطس الماضي تفعيل قانون الحجاب والعفة، ما فجر الجدل في المجتمع الإيراني خاصة المجتمع النسائي الذي انقسم بين مؤيد ومعارض لهذا القانون وتطبيقه. وكان ذلك القرار هو المفضي للمعاملة القاسية لشرطة الأخلاق مع الشابة مهسا أميني

الرئيس رئيسي هو المفجر الحقيقي للانتفاضة ضد الحجاب مؤخرا، حين قرر منتصف آب/ أغسطس الماضي تفعيل قانون الحجاب والعفة، ما فجر الجدل في المجتمع الإيراني خاصة المجتمع النسائي الذي انقسم بين مؤيد ومعارض لهذا القانون وتطبيقه. وكان ذلك القرار هو المفضي للمعاملة القاسية لشرطة الأخلاق مع الشابة مهسا أميني، التي أودت بحياتها تحت التعذيب وفقا لبعض الروايات، الأمر الذي فجر موجة من الاحتجاجات لا تزال مستمرة حتى كتابة هذا المقال.

وللتذكير، فإن هذا القانون هو أحد البصمات الأساسية للثورة الإيرانية التي اندلعت في العام 1979، وقد تم فرضه على الإيرانيات (مسلمات وغير مسلمات) وغير الإيرانيات المقيمات أو الزائرات لإيران، وقد أجريت مقابلة صحفية منتصف التسعينات مع فنانة إيرانية (مسيحية) بينما كانت ترتدي الحجاب وترفض مصافحة الرجال، وكان واضحا أن ذلك مسلك مفروض عليها، وليس قناعة ذاتية لديها.

شاهدت في زيارتي لإيران، وكانت إحداهما منتصف التسعينات والثانية في العام 2000، مظاهر عديدة للتمرد على الحجاب من نساء إيران، تجلى أبرزها في وضع نصف أو ثلث حجاب فقط على الرأس، أو وضعه على الرقبة تأهبا لرفعه إلى الرأس عند رؤية رجال شرطة، بل شاهدت إيرانيات في بعض مقاهي طهران بدون حجاب. وتحدثت مع بعضهن حول هذا الأمر، وكان رأيهن أن التمرد هو بسبب فرض الحجاب بقانون وليس وفق عملية إقناعية.
القانون هو أحد البصمات الأساسية للثورة الإيرانية التي اندلعت في العام 1979، وقد تم فرضه على الإيرانيات (مسلمات وغير مسلمات) وغير الإيرانيات المقيمات أو الزائرات لإيران

تذكرت مشهدا مغايرا جرت أحداثه في مصر في تلك الفترة، حين أصدر وزير التعليم المصري حسين كامل بهاء الدين وزيرة التعليم قرارا بمنع لبس الحجاب للطالبات في مراحل التعليم الأساسي، وهو ما استفز أولياء الأمور والمجتمع برمته، وكان رد الفعل على ذلك هو ارتداء الطالبات غير المحجبات للحجاب..

الحجاب بشكل عام منتشر في مصر وغيرها من الدول الإسلامية بصورة كبيرة دون قانون رسمي، بل نتيجة جهود دعوية طوعية، واقتناع السيدات بذلك الأمر، وهناك الكثير من نجمات المجتمع وخاصة الفنانات ارتدين الحجاب، كما أن التلفزيون الرسمي والقنوات الخاصة سمحت بظهور المذيعات المحجبات على الشاشات بعد رفضهن لفترات طويلة.

من مشاهداتي وحواراتي في طهران تيقنت أن الإكراه على لبس الحجاب سيولد حتما رد فعل مضاد، يصل إلى انتفاضة نسائية، وهو ما حدث مؤخرا عقب وفاة مهسا أميني خلال اعتقالها بسبب الحجاب منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، وهي الاحتجاجات التي قادتها نساء خلعن الحجاب بشكل علني، وأحرقنه في الشارع، كنوع من التحدي للسلطات. وقد تطورات الاحتجاجات لاحقا لتشمل مدنا ومحافظات عدة وليس طهران وحدها، كما أنها تطورت إلى انتقادات للنظام السياسي بشكل عام، والمطالبة بإصلاحات سياسية واسعة، بل مطالبات بتغيير النظام نفسه.
لجأت تلك السلطات ومنذ وقت مبكر للقهر وقوة القانون لفرض الحجاب على النساء، والملاحقة الخشنة لغير الملتزمات. وكان الأفضل أن تترك هذه المهمة للدعاة والعلماء، ووسائل التوجيه، والثقافة والتعليم والإعلام لإقناع النساء بتلك الفريضة، حتى يكون التزامهن بها حقيقيا

ولا تزال تلك الاحتجاجات قائمة حتى كتابة هذا المقال، ومن الواضح أنها تلقى دعما غربيا واسعا، ما دفع الحكومة الإيرانية لاتهامها بأنها من صنيعة أعداء إيران، وأنها تستهدف القوانين الإسلامية للجمهورية، وبالتالي تعالت أصوات بعض الشخصيات النافذة بضرورة قمع تلك المظاهرات، كما فعل خطيب جمعة طهران الماضية، بل إن رئيس الجمهورية نفسه شدد على ضرورة مواجهة تلك الاحتجاجات.

ليس معروفا إلى أي مستوى يمكن أن تصل تلك المظاهرات، ولا إلى أي مستوى يمكن أن يصل القمع الأمني الذي تسبب حتى الآن في قتل وإصابة العشرات، لكن المؤكد أن تعامل السلطات الإيرانية بدءا من رئيسها وانتهاء بشرطتها كان هو السبب في الأزمة. لقد لجأت تلك السلطات ومنذ وقت مبكر للقهر وقوة القانون لفرض الحجاب على النساء، والملاحقة الخشنة لغير الملتزمات. وكان الأفضل أن تترك هذه المهمة للدعاة والعلماء، ووسائل التوجيه، والثقافة والتعليم والإعلام لإقناع النساء بتلك الفريضة، حتى يكون التزامهن بها حقيقيا، شكلا ومضمونا.

والأمر العاجل هو الاعتراف بجريمة قتل مهسا أميني، وتقديم قتلتها للمحاكمة تحقيقا للعدالة، وحتى تصل الرسالة لغيرهم فلا يكررون تلك الجريمة.

 

twitter.com/kotbelaraby