بعد صدور مرسوم
الانتخابات البرلمانية في
تونس، أعلنت كبرى
الأحزاب السياسية في بياناتها مقاطعتها المبدئية لتلك الانتخابات لكونها فرعا فاسدا من أصل أفسد، وهو الانقلاب الذي أقدم عليه
قيس سعيد منذ 25 تموز/ يوليو 2021.
مقاطعة الأحزاب الكبرى للانتخابات المزعومة فتح شهية أنصار
قيس سعيد، وهم بعض أحزاب صغيرة ومجموعات لا يجمعهم سوى الغضب من منظومة ما قبل
الانقلاب وليست لهم أهداف موحدة ولا رؤية مشتركة، ولذلك لم يكن سهلا عليهم الاتفاق
على مرشح في كل دائرة، وهذا ما سيجعل تحصيل كل راغب في الترشح على تزكية 400 مواطن
عملية صعبة، بل وتكاد تكون مستحيلة على أغلبهم.
ثمة تخوف بدأ يسري في صفوف أنصار سعيد من كون الأحزاب الكبرى
هي القادرة على تمكين من تريد ترشيحهم من التزكيات المطلوبة، ومصدر هذا التخوف
تسرب احتمال إقدام تلك الأحزاب على اعتماد سياسة ملء الفراغ و"قطع"
الطريق على أنصار سعيد، وعدم ترك الساحة السياسية تعبث بها غرفة الانقلاب. وهي
فرضية تبدو معقولة وممكنة؛ معقولة من حيث أن الانقلاب قد لا يسقط قريبا وقد يستمر
كأمر واقع لسنوات، خاصة إذا توصل إلى
اتفاق مع صندوق النقد الدولي فيتمكن وقتها من
مزيد التمكن من البلاد ومزيد عزل خصومه بل وحتى التنكيل بهم، وهي ممكنة لكون
الأحزاب المعارضة قادرة عمليا على هزم قيس سعيد إذا تمت الانتخابات دون تزوير،
فتلك الأحزاب لها تجاربها في التعبئة والمنافسة؛ على خلاف جماعة سعيد الذين لا
تجربة لأغلبهم ولا رؤية تجمعهم لكون الانقلاب لا يمتلك رؤية أصلا ولا مشروعا، وكل
ما يتكلم به ما يطلق عليهم "المفسرون" إنما هي توليدات تعسفية من عندهم
هم.
ثمة تخوف بدأ يسري في صفوف أنصار سعيد من كون الأحزاب الكبرى هي القادرة على تمكين من تريد ترشيحهم من التزكيات المطلوبة، ومصدر هذا التخوف تسرب احتمال إقدام تلك الأحزاب على اعتماد سياسة ملء الفراغ و"قطع" الطريق على أنصار سعيد، وعدم ترك الساحة السياسية تعبث بها غرفة الانقلاب
فكرة المواءمة بين "المقاطعة" و"القطع" تبدو
مغرية وسهلة، فالمواقف المبدئية هي ما تعلن عنها قيادات الأحزاب وتتمسك بها، أما
النشاط المدني والجمعياتي والسياسي فتمارسه الجماهير، ولا شيء يمنعها من أن تكون
ذات قناعات فكرية وأيديولوجية تتواشج مع أحزاب وحركات وجماعات تجد لديها الدعم
تنظيرا وتزكية، مع التزام عدم تلقي الدعم المالي كما نص عليه قانون قيس سعيد
الانتخابي.
هذه الهواجس قد تكون هي التي جعلت غرفة الانقلاب توحي لرئيس
الدولة باتخاذ إجراءات جديدة لـ"ضبط" إيقاع اللعبة. فقد نشرت صفحة رئاسة
الجمهورية بيانا عن لقاء قيس سعيد برئيسة الحكومة يوم الجمعة (7 تشرين الأول/ أكتوبر
الجاري)، وجاء في البيان: "وتناول اللقاء مسألة التلاعب بالتزكيات لانتخاب أعضاء
مجلس نواب الشعب، حيث أكد رئيس الجمهورية على ضرورة تطبيق القانون على الجميع على
قدم المساواة ووضع حد لهذه الظاهرة المتعلقة بالمال الفاسد، وتعديل المرسوم
المتعلق بالانتخابات خاصة بعد أن تبين أن عددا من أعضاء المجالس المحلية لم يقوموا
بالدور الموكول لهم قانونا وصارت التزكيات سوقا تباع فيها الذمم وتُشترى. وأكد
رئيس الجمهورية على أنه إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه فالواجب الوطني
المقدس يقتضي تعديله للحد من هذه الظاهرة المشينة، خاصة وأن الذين تم إيقافهم
ووقعت إحالتهم على العدالة هدفهم، كما تبين ذلك من الأبحاث، هو إدخال الارتباك في
صفوف المواطنين وبثّ الفوضى خوفا من الإرادة الشعبية الحقيقية التي ستفرزها صناديق
الاقتراع يوم 17 ديسمبر المقبل".
بعض التحليلات ذهبت
إلى كون
مراجعة "التشريع" الانتخابي لا علاقة لها بـ"شراء الذمم"، وإنما هي في الحقيقة للبحث عن حيل جديدة تمنع الأحزاب من
"التسلل" إلى العملية الانتخابية، رغم تأكيده سابقا على أنه لا إقصاء
لأحد إلا من يمنعه القانون.
تغيير قوانين "اللعبة" لا يقدم عليه إلا متربص بالنتيجة ومتخوف منها وعازم على التدليس بل ومن لا يحترم قوانين وضعها هو بنفسه
والسؤال لدى المتابعين
للمشهد: هل كان الأجدر تطبيق القانون على من خالفه وتلقى أو أعطى أموالا أثناء
عملية تجميع التزكيات، أم اللجوء إلى تغيير القوانين وقد انطلقت العملية
الانتخابية قانونيا منذ 21 أيلول/ سبتمبر الماضي؟
تغيير قوانين
"اللعبة" لا يقدم عليه إلا متربص بالنتيجة ومتخوف منها وعازم على
التدليس بل ومن لا يحترم قوانين وضعها هو بنفسه منذ أقل من عشرة أيام.
معركة جبهة الخلاص
وجبهة الأحزاب الاجتماعية والحزب الدستوري الحر تبدو معركة مزدوجة؛ معركة سياسية
وقانونية من ناحية وهي أيضا معركة أخلاقية، فغرفة عمليات الانقلاب لا تلتزم قواعد
محددة في ممارسة "الغلبة"، لكون "الغلبة" لا تعتمد إلا منطق
الاقتدار والإخضاع وصناعة الأمر الواقع وإغراق الخصوم في التفاهة والصراخ والعجز.
twitter.com/bahriarfaoui1