كتاب عربي 21

السيسي.. "اللي بيبكي على مواله"!

1300x600

ردد أسطوانته المشروخة التي ملّها الناس، ولم يملها هو، فلا يكاد يخلو خطاب له من الهجوم على الإخوان، وبصياغات مختلفة، فبعد أن كانوا "أهل الشر"، تطور الخطاب إلى أن يكونوا "هما"، ثم ما لبث أن جمع الحابل بالنابل في خطابه الأخير، لتكون معركته مع "تيار الإسلام السياسي"، فهل مشكلته الآن فعلاً مع الإخوان أو تيار الإسلام السياسي؟!

لقد صعد يوم أمس الأحد على المنصة، على غير عادته، فلا يفعل هذا إلا نادراً، وفي المرة السابقة كان خطابه مقتضباً، لكن في خطاب الأمس استطرد أكثر مما يفعل في العادة، ولم يكتف بالحديث من مقعده في القاعة، وقد أعطى الحاضرين ظهره، الأمر الذي يرجعه البعض إلى أنها الضرورات الأمنية، وإن بدا تشاؤماً من فكرة المنصة، منذ أحلامه المسلسلة، وقد أخذ منها الجانب المبهج، وهو الرئاسة، ويستبعد النهاية الأليمة التي انتهى إليها من هم بتأويل الأحاديث عالمين، بحسب روايات الآحاد، مع أن منصة السادات تختلف عن منصة الخطابة!

ومهما يكن الأمر فهو يعتمد تقليداً غير مسبوق في الكلام من القاعة، لكنه يصعد المنصة أحياناً وقد فعل أمس، وكان في خطابه كمن يشكو حاله لحاله، كما جاء في أغنية سيرة الحب لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، ولم يكتف بالشكوى من الحال، ولكنه أيضاً "بكى على مواله"، فتحدث عن الحالة المزرية التي وصل لها الاقتصاد المصري. ومما لا يخفى على أحد، وإن علق الفشل برقبة الشعب وفي رقبة أحداث كانون الثاني/ يناير وحزيران/ يونيو، وإن بدأ هجومه على "أهل الشر" الذين كنا نعتقد أنهم الإخوان وحدهم، إلا أنه تبين أنه يقصد تيار الإسلام السياسي كله، والإخوان ليسوا أكثر من فصيل فيه!

مما لا يخفى على أحد، وإن علق الفشل برقبة الشعب وفي رقبة أحداث كانون الثاني/ يناير وحزيران/ يونيو، وإن بدأ هجومه على "أهل الشر" الذين كنا نعتقد أنهم الإخوان وحدهم، إلا أنه تبين أنه يقصد تيار الإسلام السياسي كله، والإخوان ليسوا أكثر من فصيل فيه!

لا دين في السياسة:

ولا يبدو خلافه مع تيار الإسلام السياسي مبرراً، لأنه صاحب خطاب مختلف، مثل الرئيس السادات صاحب مقولة "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، فهو يفعل كل ما كان يخشاه من خرجوا على حكم الإخوان، حيث يخلط الدين بالسياسة، ويذهب بعيداً حتى يبدو واحداً من حكام أوروبا في العصور الوسطى، يوشك أن يعلن أنه يحكم بالحق الإلهي، فلا يخلو خطاب له من تصوير نفسه بأنه نبي، أو أنه على أقل تقدير من أصحاب المقامات الكبرى الذين يعيشون في معية الله، حيث يسخّر كل ما على الأرض لخدمتهم، الأمر الذي تعتمده أبواقه الإعلامية، لدرجة أن يقول أحدهم تعليقاً على هذا الخطاب: "إن الله وضع يده على السيسي واختاره ليكون منقذا لمصر"، وهو كلام لم يصل له الرئيس محمد مرسي ولم يردده أحد من أنصاره، ومع هذا أعلن منتحلو صفة التيار المدني الحرب عليه!

فالسيسي بخطابه هذا لا يمكن تصنيفه على أنه عدو لتيار الإسلام السياسي، ولكنه منافس له، وأن معركته معه لا تقوم على أرضية الخصومة ولكنها الحرب والرأي والمكيدة، وهو ما يمكن تفهمه، ومع هذا يظل المدهش حقاً هو قوله إن تيار الإسلام السياسي لم يكن عنده مشروع لبناء الدولة، أو نحو ذلك، وإذا صح هذا الادعاء، فإنه يكون آخر من يحق له أن يبكت التيار أو يؤنبه، لأنه أيضاً يفتقد لهذا المشروع، ليس فقط لأنه المرشح الوحيد الذي خاض الانتخابات بدون برنامج، وبدون احتكاك مباشر بالجماهير، ولكن لأنه أضر على مدى ثماني سنوات بفكرة الدولة، وعرضها لمخاطر كبيرة، ثم إنه اختزل واحدة من أقدم الدول على مر التاريخ، في حدود المعسكر، وجعل من كل الذين من حوله مجرد أصفار، بلا أي قيمة، وهو أمر لم تمر به مصر حتى في العهد الذي وصفناه بأنه عهد الحاكم الأوحد!
من الواضح أنه وجد أن مشروعه الوحيد في إعلان العداء مع "الأشرار"، أو "همّا" الذين تبين أنهم ليسوا فقط الإخوان، ولكن تيار الإسلام السياسي بكل فصائله وتفاصيله، ولهذا تحول الأمر إلى أسطوانة مشروخة، وعزف نشاز، أليس من المخجل أن يظل القوم يمثلون خطراً على حكمه ونجحوا في إفشاله، مع كل أعداد السجناء، وقدرته على البطش، ومصادرة الأموال، والتنكيل، ودفعهم للهروب،

بيد أن من الواضح أنه وجد أن مشروعه الوحيد في إعلان العداء مع "الأشرار"، أو "همّا" الذين تبين أنهم ليسوا فقط الإخوان، ولكن تيار الإسلام السياسي بكل فصائله وتفاصيله، ولهذا تحول الأمر إلى أسطوانة مشروخة، وعزف نشاز، أليس من المخجل أن يظل القوم يمثلون خطراً على حكمه ونجحوا في إفشاله، مع كل أعداد السجناء، وقدرته على البطش، ومصادرة الأموال، والتنكيل، ودفعهم للهروب، ومع أنه ليس في سنته الأولى في الحكم، ولكن بعد تسع سنوات من القيام بانقلابه، وسيطرته على الإعلام، ونجاحه في تكميم الأفواه؟!

الخطر الإخواني

إنه يقول هذا بعد عدة شهور من عرض مسلسله "الاختيار 3"، الذي أنفق عليه ملايين الجنيهات لنقل روايته، وكون الإخوان لا يزالون يمثلون خطراً على حكمه، وأنهم البديل له، فهذا إعلان فشل لسياساته، وفشل مسلسلاته، لكن هل يمثلون خطراً فعلاً؟!

بالدعوة إلى مظاهرات 11/11، فإن الأبواق الإعلامية في الداخل المصري انطلقت لتقول إن الإخوان وراء الدعوة، فهل أن الأجهزة الأمنية لا تعلم حقاً أن الإخوان لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الدعوة، وأنهم منذ عام 2015 قد وضعوا أيديهم في الماء البارد، في انتظار معجزة تمكن المعتقلين من الخروج، وهم لم يشاركوا في أي حراك مشابه، سواء في يوم الأرض، أو في دعوة محمد علي الأولى؟!

لا يساورني شك بأن الأجهزة التي تدير الإعلام تعرف حقيقة الأمر، فما الذي يدفع لاستدعاء تيار الإسلام السياسي في خطابه بعد كل هذه السنوات؟!
انقلاب البعض على الحكم الإخواني مرده إلى أن الإخوان كانوا ضعافاً في مواجهة العسكر، فماذا إذا صدق الناس فعلاً أنهم أقوياء إلى درجة أنهم يفسدون للسيسي كل مشاريعه؟! وهو خطاب موجه للخارج أيضاً وللدوائر الإقليمية، ليعيد أسطوانة مبارك بأن البديل له سيكون تيار الإسلام السياسي

إنه خطاب لا يعبر عن الحقيقة بداخله، ولكنه موجه للداخل المصري، فهناك تصور عام بأن الشعب يخشى من الإخوان العودة والانتقام، وأن وجوده يحول دون ذلك. وهو هنا لا يدرك أنه قد ذهبت السكرة وحلت الفكرة، وأن الدعاية قد سقطت، وأن كثيرين لم يعودوا يشغلون أنفسهم بفكرة "العدو الإخواني"، فضلا عن نقطة غاية في الخطورة، وهي أن انقلاب البعض على الحكم الإخواني مرده إلى أن الإخوان كانوا ضعافاً في مواجهة العسكر، فماذا إذا صدق الناس فعلاً أنهم أقوياء إلى درجة أنهم يفسدون للسيسي كل مشاريعه؟!

وهو خطاب موجه للخارج أيضاً وللدوائر الإقليمية، ليعيد أسطوانة مبارك بأن البديل له سيكون تيار الإسلام السياسي، لا سيما وأنه أقر ما كتبت عنه أكثر من مرة بأن دوائره الإقليمية قد ملته، فقال في خطابه الأخير: "حتى الأصدقاء والأشقاء أصبحت لديهم قناعة بأن الدولة المصرية لن تقف مجدداً، وأن الدعم والمساندة شكل ثقافة الاعتماد عليهم لحل الأزمات"!

لنصل بالتالي لبيت القصيد، فهذا العزف فات أوانه، فالدولة العميقة في الداخل لديها بدائلها المريحة التي هي بدائل الإقليم، ومن الفريق أحمد شفيق، إلى سامي عنان، ويسبقهما جميعاً جمال مبارك، ولا يخافون من بدائل ثورية، فلعل من المفيد التأكيد على أن الثورة لم تعثر على خيارها، ولم تنشغل بالبحث عن البديل. ومن هنا تكون محاولات إعادة الالتفاف حوله داخلياً، وتعامل الخارج معه على أنه الخيار الاستراتيجي وما يلزمه من آثار أخصها إعادة دعمه مالياً، مرحلة صارت تنتمي للتاريخ، ليكون ما يفعله الآن ليس أكثر من كونه يشكو حاله لحاله، وأنه يبكي على مواله!

رحم الله الست!

 

 

twitter.com/selimazouz1