واصل الجنيه المصري هبوطه إلى مستويات متدنية، منذ اعتماد البنك المركزي نهاية الشهر الماضي آلية سعر صرف مرن للعملة المحلية بناء على العرض والطلب.
وساهمت المضاربات في ضعف قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، ورغم بدء تعاملات البنوك على 23 جنيها للدولار من مستوى 19.7 جنيها، إلا أنه انخفض مجددا إلى دون 24 لكل دولار تحت وطأة المضاربة، وليس العرض والطلب فقط بحسب خبراء ومحللين.
ونهاية الشهر الماضي توصلت مصر وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق تمويل جديد محدود بقيمة 3 مليارات جنيه لمدة 46 شهرا بعد سويعات من إعلان البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس (2%).
وقال متعاملون في السوق السوداء لـ"عربي21": "الطلب على الدولار لم يتوقف سواء من التجار أو المواطنين العاديين، الذين بدأوا يشعرون بالقلق على مدخراتهم بالعملة المحلية، خاصة مع فقدان الشعور بالأمان من تقلبات سعر الصرف".
وأكدوا في تصريحات متفرقة، أن "قبضة السلطة على تداول العملة خارج إطار المصارف منذ قرار العويم الثاني للجنيه، كانت أقل بكثير عما كانت عليه بعد قرار التعويم الأول في 2016، والتي اختفت خلالها ظاهرة السوق السوداء بعد حملة أمنية شملت غالبية محلات الصرافة".
اقرأ أيضا: بلينكن يطالب مصر بالإفراج عن مزيد من المعتقلين السياسيين
بنوك الإمارات
ومع بدء التعويم الثاني للجنيه المصري أمام الدولار نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، تصدرت البنوك الإماراتية في مصر (خمسة بنوك) البنوك المحلية في تقديم أعلى سعر للدولار، ما أثار تساؤلات حول حقيقة مضاربة البنوك الإماراتية بالدولار.
وهناك 5 بنوك إماراتية تعمل في مصر، هي "أبوظبي الأول"، و"أبوظبي التجاري"، و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"، و"بنك المشرق"، لتصبح الإمارات صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري.
ومطلع الشهر الجاري، أعلن "بنك أبوظبي الأول مصر"، إتمام الاندماج الكامل للعمليات والأنظمة مع وحدة بنك عودة (اللبناني) في مصر.
المضاربة على الدولار
وأعرب خبير أسواق المال، وائل النحاس، عن مخاوفه من تحول الاستثمار في مصر إلى استعمار، وقال: "من الواضح أن هناك هيمنة من قبل بنوك الإمارات في مصر على تقديم أعلى سعر للدولار منذ بدء خفض العملة المحلية إلى مستوى كبير، خاصة في آذار/مارس الماضي، وما تلاه من قرارات تتعلق بالسماح بخفض قيمته أكثر وأكثر".
وعن أسباب تقدم البنوك الإمارتية خلال الأيام الماضية بأعلى سعر للدولار، أضاف في تصريحات لـ"عربي21": "بعد سيطرة الإمارات على عدد من الأصول في البلاد، تقوم بشراء الدولار بأعلى سعر لأسباب خاصة، إما من أجل تحويل أرباح شركاتها للخارج، وهي ليست البلد الوحيد الذي لديه شركات في مصر، أو بهدف إعادة بيعه للدولة مرة أخرى سواء عبر قروض أو سندات أوغيره بسعر أعلى".
وأشار إلى أن "استمرار المضاربة على الدولار يؤدي إلى انخفاض أكبر في قيمة الجنيه، وفي العقود الآجلة سوف يصل سعر الدولار أمام الجنيه إلى قرابة 30 جنيها إذا استمرت المضاربة على هذه الوتيرة، ومن المعروف أن بنوك الإمارات هي من أكثر البنوك في إقراض الدولة بالعملة الأجنبية وإصدار السندات".
وتستحوذ البنوك الإماراتية على إصدار الصكوك السيادية المصرية، وترتيب القروض، وتوفيرها، وفي شباط/ فبراير الماضي هيمنت ثلاثة بنوك إماراتية من بين تحالف ضم 6 بنوك على طرح أول صكوك إسلامية لمصر.
اقرأ أيضا: مؤشر اقتصادي مهم بمصر: ثقة الشركات تهبط لمستوى قياسي
واختارت مصر حينها ستة بنوك لإدارة الطرح الأول من الصكوك السيادية، البالغة قيمتها ملياري دولار، خلال الربع الثاني من العام الجاري، والبنوك هي إتش إس بي سي، وسيتي جروب، ومصرف أبوظبي الإسلامي، وكريدي أجريكول، وبنك الإمارات دبي الوطني، وبنك أبوظبي الأول.
الجنيه المصري إلى أين؟
من جهته؛ قال المستشار السياسي والاقتصادي الدولي المصري، حسام الشاذلي: "لا شك أن الضربة الجديدة التي تلقاها الجنيه المصري أمام الدولار، تفتح أبوابا لأرباح عالية جدا أمام هؤلاء الذين يمكنهم السيطرة على سوق الدولار في مصر، خاصة أن هذا يأتي بعد أشهر طويلة من عدم توفير الدولار، ووجود معدل للطلب عال جدا، سواء في السوق الرسمي أو الموازي؛ فهناك العديد من المصانع التي توقفت عن العمل أو كادت أن تتوقف، بسبب عدم قدرتها علي توفير الدولار المطلوب لدفع رسوم شركات الشحن والإجراءات، أضف إلى ذلك المستوردين ورجال الأعمال وغيرهم كثيرين".
مضيفا لـ"عربي21": "ولذلك؛ فإن البنوك الإماراتية والمعروفة بسياستها الانتهازية في أسواق العملة والسيولة، ستستفيد كثيرا من التحكم بسوق الدولار والمضاربة فيه داخل مصر، ولكن هذه السياسة ستنعكس مرة أخرى بالسلب على الاقتصاد المصري المترنح، الذي لن يفيده قرض صندوق النقد عندما يأتي الأمر لتحرير سعر الصرف".
وتابع: "مبلغ الثلاثة مليارات هو مبلغ صغير جدا، ودفع المبلغ مرهون بأقساط متعددة وبإشراف ممن عرفهم تعاقد القرض بالشركاء الإقليمين؛ كما أن قرض الخمسة مليارات الأخرى الذي يأتي من مصادر غير معروفة كما عرفها البنك المركزي المصري، وعلقت عليها وكالة بلومبرغ يثير تساؤلات متعددة حول من الذي سيتحكم في سوق العملة في مصر مستقبلا، وإلى أين سيصل الجنيه المصري؟".
واختتم الشاذلي حديثه بالقول: "ولذلك، فالمضاربة على الدولار في مصر ستمثل مصدرا لأرباح عالية جدا للبنوك الإماراتية التي تطرح أعلى سعر، وستؤثر سلبا على الاقتصاد المصري، الذي سيتم بيع الدولار الشحيح فيه مستقبلا بأسعار عالية جدا".
الجنيه المصري يهبط 4% مع تداولات اليوم الأحد
ما تبعات قرار مصر بتحرير سعر الصرف ورفع الفائدة؟
رئيس وزراء مصر: نزوح 25 مليار دولار للخارج بأقل من شهر