المؤتمر الصحفي لقوى الحرية بالسودان: خبايا ماكرة بملف التسوية

(1)

سؤال دار في أذهان كثيرين: لماذا عقدت قوى الحرية والتغيير في السودان (المجلس المركزي) مؤتمرا صحفيا نهار 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022م، وأعلنت قرب التوصل لتسوية سياسية والاتفاق مع المكون العسكري.. مع أن الاتفاق لم يحدث والنقاش مجرد تبادل أفكار ودون أوراق ضغط؟

والحقيقة أنها محاولة أخرى للاقتراب من المجتمع الدولي وتبني مواقفه والدخول في حرزه، وتخفيف الضغط على الآلية الثلاثية.

فقد زار البلاد في 15-16 تشرين الثاني/ نوفمبر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، بدعوة من بعثة الأمم المتحدة (يونتاميس)، وكان من المفترض بدء الحوار وفق ما أعلنت الآلية الثلاثية في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، لمباركة تفاصيل التسوية الثنائية، ومع تعذر ذلك، سارعت قحت للحديث عن اتفاق مبهم لاختطاف المشهد السياسي بمكر وخبث عبثي ولإنقاذ جماعة فولكر بيرتس.. هذه مناورات ذات نفس قصير وتفتقر الحنكة السياسية والمبدئية السياسية..

محاولة أخرى للاقتراب من المجتمع الدولي وتبني مواقفه والدخول في حرزه، وتخفيف الضغط على الآلية الثلاثية

(2)

ونأتي للفصل الثاني من الحكاية، لماذا تعذر عقد المفاوضات المباشرة كما أعلنت الآلية الثلاثية؟ لثلاثة أسباب مختلفة التوجهات:

أولها: حجم وتأثير موكب نداء السودان الكرامة 2 في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، بحيث يتعذر تجاوزه أو الالتفاف عليه، مع تعقيدات أخرى، وخاصة قضية شرق السودان واتفاقية جوبا للسلام، بما لا يسمح بالتجاوز أو التغافل..

وثانيها: وصول طرف آخر من قحت، للمفوض السامي لحقوق الإنسان وتمليكه ملفا كاملا من رهانات فولكر بيرتس وأعضاء البعثة بالسودان على مجموعة المجلس المركزي ومحاولة الالتفاف على قوى الثورة وعلى لجان المقاومة، وهو ما يفسر تصعيد التظاهرات الأيام الماضية. وقاد هذا الإجراء شخصيات يسارية، لديها تواصل مع بعض المنظمات الدولية، ولم يكن من الممكن القفز فوق ذلك.. خاصة أن بعض بنود الاتفاق تتطلب موافقة أممية، وهي الإفلات من المساءلة والاكتفاء بلجان محاسبة ومصالحة..

وثالثها: عدم إنضاج الملف من جانب المكون العسكري، ومع كثرة التحفظات فإن الحديث عن تسوية ثنائية لا يروق للمؤسسة العسكرية بعد تجارب قحت، وهذا تفسير للطواف الذي قام به الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة على الوحدات العسكرية المختلفة وحديثه عن المفاوضات مع شباب "وطنيين مثلنا" وعن الإشارة لقوى سياسية أخرى..

ومع أهمية هذه النقاط، فإننا لا ننسى تقاطعات أخرى، وخاصة قوى التوافق الوطني ومواقف قائد الدعم السريع وبحثه عن مظلة للحكم ومستقبل قواته، مع ملاحظة امتناع قحت عن الحديث عن الدمج والاكتفاء بالإصلاح الأمني..

الحديث عن تسوية ثنائية مستبعد مهما تكاثفت المناورات والمغامرات السياسية، ولم يتبق سوى حكومة مهام ذات أوليات محددة تقودها كفاءات مستقلة وصولا للانتخابات

(3)

من الواضح أن وجود البعثة الدولية (يونتاميس) أدى لتعقيد المشهد السياسي، مع تداخل أجندة خارجية وخاصة من دول الترويكا وأمريكا وبعض الدول العربية، وسعيها لفرض خيارات سياسية لتمكين أطراف معينة تحت عنوان إبعاد "الإسلام السياسي"..

ولقد كان السفير الأمريكي واضحا خلال اللقاء مع جماعات قبلية بشرق السودان والطلب منهم الموافقة على مشروع دستور تسييرية المحامين، وحديثه المباشر عن تأجيل الانتخابات خوفا من عودة الإسلاميين..

وقياسا على كل ذلك، فإن الحديث عن تسوية ثنائية مستبعد مهما تكاثفت المناورات والمغامرات السياسية، ولم يتبق سوى حكومة مهام ذات أوليات محددة تقودها كفاءات مستقلة وصولا للانتخابات..

لقد أصبحت البلاد في مرحلة الاقتراب من الانزلاق للهاوية، وحال المواطن يغني عن السؤال..