أكد
باحث إسرائيلي، أن
الاحتلال الإسرائيلي عمل جاهدا على تدمير الحضارة
الفلسطينية والسطو
على الأرشيف والوثائق الفلسطينية في حرب 1948 وبعدها، متسائلا: لماذا تخشى "إسرائيل" من
كشف الأسرار التي تضمنتها
الوثائق التي تم الاستيلاء عليها كـ"غنيمة" وخاصة
تلك التي تتحدث عن خطط الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة؟
وقال
الباحث والكاتب الإسرائيلي شاي حزكاني، في مقال نشرته
"هآرتس": "بالتأكيد
تساءلتم مثلي؛ ما نوع الدولة التي تخيل الفلسطينيون إقامتها في حال انتصارهم بحرب
1948؟ ما الذي خططوا له؟ وهل أرادوا تجفيف بحيرة الحولة لزيادة الأراضي الزراعية في
المنطقة؟ ما الذي فكروا فيه بشأن اليهود الذين كانوا يعيشون على هذه الأرض (فلسطين
المحتلة)؟".
كشف
كذب دعاية الاحتلال
وشكك
حزكاني في الروايات التي تتحدث عن عزم بعض الزعماء العرب عام 1948 في "إلقاء اليهود
في البحر"، منوها إلى أن "الاقتباسات المعروفة (مثل تلك المنسوبة لسكرتير عام
الجامعة العربية في حينه، عزام باشا) لا تدعمها مصادر موثوقة بالعربية، ومن غير الواضح
ما إذا قيلت في أي يوم".
وأضاف:
"في المناهج التعليمية والدعاية التي وجهت للفلسطينيين والجنود العرب في 1948
لم أجد أي دعوة لقتل اليهود"، مؤكدا أن "الادعاء بشأن خطة "إلقاء اليهود
في البحر" مصدرها في الأساس في دعاية "الأرشيف اليهودي"، وكانت هذه الدعاية
من أجل تشجيع اليهود على إبقاء أقل عدد الفلسطينيين (تهجيرهم)".
وتابع
الباحث: "مؤخرا اعتقدت بأنني حصلت على فرصة ذهبية لأعرف أكثر بقليل عن الخطط الفلسطينية
للانتصار في 1948، 5 سنوات بعد تقديمي لطلب من أجل الاطلاع على عدد من الملفات التي
أخذت كغنيمة من مؤسسات فلسطينية في سنوات الحرب، وتم إخفاؤها، سلمني أرشيف الدولة قائمة
بملفات مصدرها في وحدة سرية في وزارة الخارجية، التي سميت "القسم السياسي"
(تحول بعد ذلك إلى الموساد)، وعلى رأسه وقف في الأعوام 1948- 1949 ضابط مخابرات اسمه
بوريس غورئيل"، مضيفا أن "ملفين في القائمة لفتا انتباهي"..
الأول
ملف رقم "5/6100" عنوانه "فلسطين، دولة عربية مستقلة"، وهذا يتضمن
وثائق كتبت من قبل الجامعة العربية، في إطار مراسلات مع حكومة "عموم فلسطين"
في المنفى والتي شكلت في غزة أثناء الحرب، ولفت "أرشيف الدولة"، إلى أن هذا الملف
يشتمل على "مراسلات وتقارير حول إقامة دولة عربية مستقلة، ولكنه ملف سري جدا،
يمكن بعد 90 سنة من وضعه، أي في 2040، السماح لي بالاطلاع عليه".
واستبعد أن يكتب عن خطط الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة في ذاك الزمن، موضحا أن
"علاقات مفتي القدس الحاج أمين الحسيني مع كبار زعماء الحزب النازي ودعاية الرعب
التي بثها في الراديو في فترة الحرب العالمية الثانية، هي الموضوع المحبب للدعاية
الإسرائيلية خلال الـ70 سنة".
وذكر
حزكاني، أنه في "ملفات القسم السياسي، توجد الوثائق الشخصية للمفتي من 1946 إلى 1948، لكنهم أبلغوني في الأرشيف، أنه لا يمكن الكشف عنها إلا بعد مرور 90 سنة على كتابته،
لكن مراسلات المفتي مع كبار زعماء النازية وافقوا على كشفها، فقط نشاطات زعيم الحركة
الوطنية الفلسطينية في فترة الحرب نفسها لا يمكن الحديث عنها".
وبين
أن "هذه الملفات؛ هي فقط طرف جبل الجليد من وثائق التراث الثقافي والسياسي الفلسطيني
المخفية في أرشيف إسرائيل، وقد تم أخذها كغنيمة من مؤسسات وشخصيات فلسطينية في حرب
1948 وبعدها، علما بأن القليل منها مسموح الاطلاع عليه".
تدمير
الحضارة الفلسطينية
وقدر
أن هناك "عشرات آلاف الصفحات من الوثائق بالعربية التي لم يتم الكشف عنها بعد
للجمهور، توجد في أرشيف الدولة والجيش و"الموساد" و"الشاباك"،
مضيفا أنه "بحسب إحدى الشهادات، "الشاباك" قام بإحراق جزء من المادة في
الستينيات، والإغلاق المطلق لأرشيف "الشاباك" أمام الجمهور بمصادقة من المحكمة
العليا، لن يسمح بمعرفة ما الذي تبقى فيه، وفي باقي الأرشيفات تختفي ملفات كثيرة من
ملفات الغنيمة نفسها، وجزء من قوائمها".
وأشار
إلى أن "الحديث لا يدور فقط عن وثائق للنخبة السياسية الفلسطينية، فمؤخرا كشف
عن عدد قليل من ملفات الغنيمة الفلسطينية في أرشيف الجيش، وفيها آلاف الصفحات من وثائق
أشخاص عاديين؛ أحد الملفات لشخص باسم "وديع إسكندر عزام"، تضمن حياة كاملة؛
وثائق الكوشان عن أراضي في صفد ووثيقة عقد قرانه وبطاقات التعريف التي جمعها في حياته
وحتى مذكراته الشخصية والقصائد التي كتبها دون أن يقصد نشرها، عالم كامل من وثائق شخص
تم تدمير عالمه في 1948".
وقال
الباحث: "عندما يرفض أرشيف الدولة الكشف عن مواد الغنيمة الفلسطينية بذريعة
"المس بأمن الدولة"، فإن من الواضح أن الأمر يتعلق بغطاء لخوف مختلف تماما، من
غير الممكن أن تكون هناك "أسرار دولة" في وثائق بالعربية كتبها فلسطينيون
وفيها خطط لدولة فلسطينية مستقلة أو وثائق لدار أيتام في يافا، فالسر الكبير؛ هو مجرد
وجود الوثائق التي تشكل نصبا تذكاريا لحضارة فلسطينية تم تدميرها، هذا "السر"
يخشى العملاء السريون الكشف عن الوثائق التي يمكن أن تمس بالرواية الإسرائيلية-الصهيونية،
وأن يثير الشكوك في أوساط الذين هم مستعدون للنظر في التاريخ بشكل نقدي".
ومضي
بحديثه: "قدروا بأنفسكم أن دولة أخرى كانت تحتفظ بأرشيف جالية من الجاليات اليهودية
في أوروبا الشرقية أو يهود الدول العربية، بالطبع المقارنة ممنوعة، لكن ما الذي كانوا
سيقولونه؟ وما الذي كانت ستقوله المنظمات اليهودية في أمريكا؟ وهل الإدارة الأمريكية
كانت ستتدخل لجلب الوثائق لمكان آمن؟
وكشف
حزكاني أن الجهود ما زالت متواصلة من أجل جلب "أرشيف الجالية اليهودية في بغداد
الذي أخذته قوات الاحتلال الأمريكية في العراق في 2003 من مقر المخابرات العراقية"،
منوها إلى أن "واشنطن قامت بعملية مسح لكل الأرشيف وطرحوه في الإنترنت، والآن يمكنهم
إعادته للعراق".
وأشار
حزكاني، إلى أن "ممثلي الجالية اليهودية العراقية يطالبون بمنع إعادة وثائق الجالية
إلى بغداد، التي لم يبق فيها يهود، والعمل حول ذلك ما زال متواصلا"، منوها إلى أن
"إسرائيل أيضا ستجد صعوبة في مواصلة الاحتفاظ بالتراث الثقافي لشعب آخر، خاصة
عندما لا يوجد لمعظم هذا الشعب الحق في الوصول إلى الارشيفات الإسرائيلية والاطلاع
على تراثهم".
ورجح
أن "السطو على التراث الفلسطيني والاحتفاظ غير القانوني به، سيصل في نهاية الأمر
إلى هيئات قضائية دولية، وإسرائيل ستحسن صنعا إذا استبقت تقديم العلاج لهذا الأمر وكشفت
وسمحت بصورة منهجية بالاطلاع على الوثائق التي توجد لديها".