جاء
مونديال قطر
حافلاً بالدلالات السياسية؛ إن
فيما يتعلق بالحملة العنصرية ضد قطر والتشكيك في أحقيتها بنيل شرف التنظيم ثم
قدرتها على ذلك، والحلّة الرائعة الزاهية التي خرج بها المونديال أو الدلالات
الرياضية وقوة التنافس وإثارتها، مع تراجع الفرق الكبرى وتقارب المستويات بشكل عام،
بحيث بات من الصعوبة بمكان التنبؤ بنتائج المباريات كما هوية الفرق المتأهلة إلى
الدور الإقصائي الأول (16) أو ثُمن النهائي.
إذاً، في
الدلالات السياسية للمونديال يمكن الحديث باختصار وتركيز عن عدة نقاط أساسية، أهمها
الحملة العنصرية الممنهجة ضد تنظيم قطر للمونديال كونها أول دولة عربية وإسلامية
تنال هذا الشرف، والتشكيك في أحقيتها بذلك من حيث المبدأ كما قدرتها على القيام
بالمهمة.
حتى الآن، يبدو
المونديال رائع التنظيم وفعالياته مبهرة، والحضور الجماهيري الكثيف بارز وجلي من
كافة أرجاء العالم حتى مع الدعوة العنصرية المسيّسة والموجهة والفاشلة إلى
المقاطعة في بعض الدول الأوروبية.
في السياق، جرى
تضخيم وافتعال أزمات حول المشروبات الروحية -الكحوليات- ورفع شارات وأعلام
المثليين، بينما تعاطت معها قطر بحكمة وذكاء مع رفض الابتزاز والالتزام بتوجيهات الفيفا
على قاعدة احترام قوانين البلد وثقافته.
الحملة العنصرية الممنهجة ضد تنظيم قطر للمونديال كونها أول دولة عربية وإسلامية تنال هذا الشرف، والتشكيك في أحقيتها بذلك من حيث المبدأ كما قدرتها على القيام بالمهمة
في الدلالات
السياسية، بدا مهماً رفض الجماهير العربية والإسلامية التطبيع مع إسرائيل ومقاطعة
وسائل الإعلام العبرية، والأمر هنا تم بشكل حضاري وسلمي وديمقراطي، حيث عبرت
الجماهير عن عقلها الجمعي عندما وجدت المساحة والساحة والحرية المناسبة، علماً أنه
-أي الرفض- أتى كذلك من جماهير وشعوب الدول المطبّعة أو تلك التي تتبنى لهجة ناعمة
ومنفتحة تجاه التطبيع مع الدولة العبرية.
يرتبط بما سبق،
حضور فلسطين وأعلامها وفعالياتها وأغانيها وتراثها بكثافة. وصحيح أن منتخبنا الوطني
لا يشارك في المونديال، لكن حضرت قضيتنا بقوة في تعبير وتأكيد أيضاً أنها القضية
المركزية للأمة، وكل الحملات الإعلامية لتجاهلها أو إزالتها عن جدول الأعمال
العربي لم تنجح خاصة لدى جيل الشباب.
في السياق والدلالات
السياسية، لا بد من الحديث عن موقف المنتخب الإيراني الشجاع برفضه أداء النشيد الوطني
في المباراة الأولى رغم ابتزاز الأجهزة الأمنية وتهديد العائلات وأهالي اللاعبين وأصدقائهم،
إلا أن المنتخب انحاز بالعموم إلى الشعب المنتفض، كما قال قائده في مؤتمره الصحفي
الأول "الأوضاع ليست جيدة في بلادنا وشعبنا غير سعيد"، علماً أن
الجماهير المنتفضة ضد النظام الاستبدادي تأمّلت في سقف مرتفع من المنتخب عبر رفض
اللعب من حيث المبدأ، ولكن بدت متفهمة الأمر، خاصة مع التهديدات للعائلات والقطاع
الرياضي وحتى التأثير على مستقبلهم ومنعهم من اللعب، وإبعادهم من المنتخب، كما صرّح
أحد نواب النظام علناً، مع الإشارة إلى خروج تظاهرات فرح بهزيمته وخروجه من
المونديال، حتى لا يستغل النظام الاستبدادي الأمر للاستقواء على الشعب في الداخل وتبييض
صفحته وتلميع صورته في الخارج.
هذا سياسياً، أما
رياضياً وبعد الانتهاء من
منافسات دوري المجموعات الأولى والثانية والثالثة
والرابعة، ولعب معظم الفرق الأخرى في المجموعات الأربع الأخرى مباراتين على الأقل،
فيمكن الخروج بخلاصات أو استنتاجات فنية أولية وسريعة على النحو التالي:
- خيّب منتخب قطر
الآمال، فهذا ليس بطل آسيا 2019 عن جدارة على حساب كبار القارة، والذي تنافس بندية
وشجاعة في بطولتي الكونكاكاف وكوبا أمريكا حتى لو كان ضيف شرف. وثمة أسباب فنية
ونفسية؛ لما رأيناه تتمثل في الغياب عن أجواء المنافسات بعد التأهل إلى المونديال
مباشرة دون لعب التصفيات كصاحب الضيافة، والنفسي بعدم التحضير الجيد رغم كفاءة
المدرب الإسباني فيلكس سانشيز، إلا أنه يتحمّل المسؤولية بالتأكيد فنياً ونفسياً
خاصة مع توفير الاتحاد القطري له كل مستلزمات ومتطلبات النجاح.
- هولندا، تأهلت متصدرة، ولكنها ليست هولندا
كرويف 1974 و1978 ولا حتى فان باستن وغوليت وكومان ورايكارد 1988، وإنما مار فيليك
2010 -وصلت للنهائي بإداء معقول وأسماء بارزة- بدون DNA كرويف برشا، أي الكرة الشاملة الهجومية والجميلة. ومن الصعوبة بمكان تصوّر أن تذهب
بعيداً بالبطولة بهذا الأداء الممل والباهت.
- السنغال، بطل أفريقيا عن جدارة وأفضل منتخب
في القارة السمراء رغم غياب النجم ساديو ماني، إلا أنه يملك مجموعة رائعة وقوية
ومتجانسة تلعب معاً منذ سنوات. وكان يفترض أن يظهر بشكل أفضل ويتصدر المجموعة، ولكن
يبدو أن مستوى المنافسة في المونديال أكبر من قدرات المدرب "علي سيسيه" مع
احترام جهوده وقدراته.
- لعب منتخب الاكوادور، حسب إمكانياته، وكان أداؤه
جيداً بالعموم وأفلتت منه مباراة هولندا، وكان بإمكانه التأهل برفقة السنغال كما
هو مستحق.
- تملك إنجلترا أفضل نسخة منذ مونديالي 1960 و1990،
وحتى بالبطولة كلها، وبعد البداية القوية أمام إيران رأينا تراجعا وعجزا أمام أمريكا،
ثم لعبت جيداً مرة أخرى أمام ويلز، ولكن تبدو قدرات اللاعبين أكبر بكثير من قدرات
المدرب جاريث ساوثغيت، المدرب الوطني للمنتخب، بينما الأندية الستة الكبرى في
إنجلترا يدربها مدربون أجانب (أيام جراهام بوتر معدودة في تشيلسي)، وسيعود الحال
كما كان دوماً في السنوات بل العقود الأخيرة.
- تأثر أداء منتخب
إيران بمعاناة أهلهم وناسهم وضعوط النظام الاستبدادي، كما بتولي المدرب كارلوس
كيروش العمل مرحلة متأخرة، حيث لم ينجح تماماً في فرض أسلوبه الممل والرتيب ولكن
الناجع؛ خاصة في مواجهة الفرق الهجومية.
- تأهل أمريكا كان مستحقاً كونها تملك منتخباً
جيداً وشابّاً متجانساً -لن يستسلم بسهولة أمام هولندا- وجاء ذلك أساساً على حساب
ويلز التي لا تملك فريقا كبيراً كما الخبرات اللازمة للمنافسة، بعد ابتعادها
لسنوات طويلة عن أجواء المونديال.
خروج تونس لم يكن
مفاجئاً وفردياً، لا تملك مجموعة مثل المغرب والسنغال لكنها تملك بالتأكيد فريقاً
جيداً مع خبرات جيدة وجاهزة للقتال دوماً -إيطاليا العرب- لكن المدرب جلال القادري
افتقد إلى الخبرات والكاريزما، ولم يحسن الاستفادة من أوراق القوة لديه.
- فرنسا، رغم الغيابات والإصابات إلا أن
المدرب ديديه ديشامب التقليدي والواقعي لعب مضطراً على الأوراق الهجومية العديدة
والبارزة لديه، إلا أنه سيعاني لافتقاده إلى دكة احتياط قوية، كما لعدم امتلاكه
نجوم كبار في الوسط -ستّة فقط معظمهم شباب- ولكن الفريق المتجانس والمنسجم والمستقر
قادر على الذهاب بعيداً.
- الأرجنتين،
قدمت أداء متوسط إلى جيد، وتأهلها المستحق سيعطيها دفعة قوية بوجود النجم ليونيل ميسي
والروح القتالية والانسجام من زملائه الشباب يعطيها الفرصة أيضاً للذهاب بعيداً،
خاصة بعد تأهلها متصدرة للمجموعة.
- السعودية، تملك مجموعة جيدة من اللاعبين ولكن
بدون خبرات، حيث لا أحد منهم يلعب في الدوريات الكبرى، لكنهم مقاتلون وملتزمون
تكتيكياً خاصة مع وجود مدرب عصامي -هيرفي رينار- بقدرات وخبرات كبيرة؛ أعطى الميزة
النوعية للمنتخب إضافة إلى الحضور الجماهيري حيث بدت تلعب وكأنها على أرضها.
- المغرب، أفضل منتخب عربي، قدم أداء عاديا أمام
كرواتيا وجيداً أمام منتخب بلجيكا العجوز. والفريق يملك مجموعة نوعية وقوية ويفترض
أن يذهب بعيداً والتأهل وحده وفق قدرات وخبرات اللاعبين ليس إنجازاً كبيراً، والنجاح
الأهم هو تجاوز الدور الإقصائي الأول خاصة في ظل المستويات المتقاربة للبطولة، أيضاً
لعب المغرب على أرضه بالمعنى الحرفي للكلمة.
ثمة فرصة تاريخية أمام البرازيل والأرجنتين للتتويج كون البطولة تقام خارج القارة العجوز، خاصة مع تراجع وإعادة بناء الفرق الأوروبية الكبرى، بينما تملك إنجلترا فرصة تاريخية للفوز بمونديال الشتاء، وإذا لم يحدث فسيكون صعباً رؤيتها تفعل ذلك، إلا مع مدرب أجنبي كبير
- البرازيل، قدمت أداء جيداً ومتوسطاً، وواضح
أن نيمار جونيور يمثل روح الفريق حتى مع افتقاده القدرات القيادية. والفريق يملك
تسعة مهاجمين من المستوى الرفيع، ويبدو متكاملاً ومنسجماً وبالتأكيد يمكنه الذهاب
بعيداً.
- إسبانيا، تبدو الوصية على DNA كرويف برشا مع المدرب لويس أنريكي، وقوام فريقها يلعب في برشلونة أو تخرّج من أكاديميتها،
ومعظم لاعبيها من الشباب -نصف المجموعة أقل من 25 سنة- هو فريق المستقبل بالتأكيد
خاصة مع تعافي برشلونة وعودته للمنافسة.
- ألمانيا، لا
يمكن استبعادها من المنافسة، وهي الآن في مرحلة بناء فريق جديد بعد خيبة مونديال
2018 ويورو 2020، ولكن لا يمكن تجاهلها، وهي عادية تصل إلى مراحل متقدمة وجيدة،
تفوز بالتأكيد، علماً أنها لم تصل مرحلة الجودة بعد.
- البرتغال، تملك فريقاً قوياً ومستقراً ومنسجماً
بوجود كريستيانو رونالدو حتى مع أنانيته المفرطة، وتملك لاعبين كبارا، ومشكلتها أن
مدربها -فرناندو سانتوس- متحفظ، لكن في مواجهة الفرق الكبيرة سيكون أداؤه مجديا،
ولا يمكن استبعادها أيضاً من المضي بعيداً.
بالعموم، ثمة فرصة
تاريخية أمام البرازيل والأرجنتين للتتويج كون البطولة تقام خارج القارة العجوز، خاصة
مع تراجع وإعادة بناء الفرق الأوروبية الكبرى، بينما تملك إنجلترا فرصة تاريخية للفوز
بمونديال الشتاء، وإذا لم يحدث فسيكون صعباً رؤيتها تفعل ذلك، إلا مع مدرب أجنبي
كبير.