مقابلات

خبير أمريكي: هذه مآلات الصعود المفاجئ لاحتجاجات الصين وإيران

بيانكي قدم بعدا تاريخيا للاحتجاجات في إيران والصين- وكالة مهر
تحدث عالم السياسة الأمريكي، روبرت بيانكي، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، عن مآلات ما وصفه بالصعود المفاجئ للاحتجاجات الجماهيرية الواسعة في كل من الصين وإيران، لافتا إلى أنه "من غير المرجح أن تدرك أي من هاتين الحكومتين الحاجة إلى تقديم تنازلات للمتظاهرين، لكن الفرص أقوى قليلا في بكين منها في طهران".

وقال: "عندما يتعلق الأمر بالصين وإيران، فإن معظم الأشخاص في العالم يميلون إلى التفكير في الأنظمة القاسية التي تحكم البلدين، مع إيلاء اهتمام ضئيل للمواطنين العاديين الذين يظلون في الهامش إلى أن يُشعل غضبهم شرارة التمرد الذي ينتشر بسرعة وحِدّة".

تاريخ حافل بالاحتجاجات

وأضاف بيانكي: "في الواقع، يُعرف كلا المجتمعين (الصين وإيران) بتاريخ حافل بالثورات الشعبية الراسخة بعمق في الوعي القومي، وهو ما يوفر وقودا جاهزا يؤجج الاحتجاجات الجماهيرية ضد أي نظام يدفع شعبه إلى ما وراء حدوده".

وقال: "ينبغي ألا يكون مفاجئا أن يظهر الصينيون والإيرانيون شجاعةً في مواجهة القوة الساحقة، وينشئوا بسرعة شبكات مرنة من العمل المشترك عبر مسافات شاسعة وفي ظل الانقسامات الاجتماعية".

اقرأ أيضا: إيران توقف عمل "شرطة الأخلاق".. واعتقال ممثلة مؤيدة للاحتجاجات

وأشار عالم السياسة الأمريكي إلى أنه "على مدى أكثر من قرن، استحضر كل جيل في الصين وإيران التقاليد الثورية لتحدي -وحتى لإسقاط- الأنظمة القمعية التي بدت مُحصّنة".

وتابع: "من المفارقات أن طغاة اليوم كانوا هم أنفسهم متمردين سابقين. ولكن بمجرد وصولهم إلى السلطة، سعوا إلى إخضاع القوى الاجتماعية ذاتها التي قادتهم إلى القمة".

وفي 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بدأ الآلاف في شنغهاي، أكبر مدينة في الصين ومركزها المالي، بالاحتجاج علنا على الإجراءات الحكومية الصارمة الخاصة بـ "فيروس كورونا"، وإدانة حكم "الحزب الشيوعي الصيني"، الذي وصفوه بالاستبدادي.

جاء الاحتجاج في شنغهاي ردا على حريق في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر بمبنى سكني في أورومتشي، عاصمة إقليم شينجيانغ في شمال غرب الصين، قُتل فيه ما لا يقل عن 10 أشخاص. واشتبه البعض أن السكان مُنعوا من الهروب من الحريق بسبب حواجز السيطرة على الوباء، وأن القيود المتعلقة بالوباء أعاقت المسعفين.

تلك الاحتجاجات الشعبية امتدت لاحقا لعدة مدن صينية أخرى للمطالبة برفع سياسة الإغلاق.

بينما بدأت الحياة، مؤخرا، تعود تدريجيا إلى طبيعتها في العاصمة الصينية بكين، بعد أن خففت السلطات من إجراءاتها لمكافحة كورونا. ولمّح الرئيس الصيني، شي جينبينغ، إلى أن انتشار المتحور أوميكرون الأقل فتكا قد يسمح لبكين بتخفيف قواعد الإغلاق.

نخب استبدادية واستياء متزايد

وشدّد بيانكي على أن ما وصفها بـ"النخب الاستبدادية" في طهران وبكين فقدت الاتصال بشعبها، مضيفا: "لقد أساءوا تقدير الاستياء المتزايد، وافترضوا أن مجرد الامتثال هو علامة على الدعم غير مبالين بالرأي العام".

وأوضح بيانكي أن "تلك النخب الاستبدادية أنشأت أنظمة مراقبة مُعقّدة لقمع المعلومات التي أرادوا تجاهلها".

اقرأ أيضا: هكذا استخدمت الشرطة الصينية الهواتف والكاميرات لتعقب المتظاهرين

كما أضاف: "وبسبب جهلهم، رفضوا الابتعاد عن السياسات التي جلبت المشقة والإهانة إلى شعب يائس لا صوت له. وحتما، مهّد الحزب الشيوعي وآيات الله الأرضية الملائمة للحركات الثورية التي كانوا يأملون تجنبها".

ومنذ 16 أيلول/ سبتمبر الماضي وحتى الآن، تتواصل احتجاجات في أنحاء إيران؛ إثر وفاة الشابة أهيسا أميني (22 عاما)، بعد 3 أيام على توقيفها لدى "شرطة الأخلاق" المعنية بمراقبة قواعد لباس النساء.

وأثارت الحادثة غضبا شعبيا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية في إيران، وسط روايات متضاربة عن أسباب الوفاة.

وتقول مصادر رسمية إن مدنيين وقوات أمنية قتلوا في المظاهرات، التي اتسعت رقعتها في العديد من محافظات البلاد، لكن لم ترد معلومات دقيقة عن عدد القتلى.

وفي 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية (مركزها النرويج)، في بيان، مقتل 416 شخصا في المظاهرات التي تشهدها البلاد.

وبحسب الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام الإيرانية، قُتل أكثر من 60 من رجال الأمن خلال المظاهرات الغاضبة.

فرص التصحيح الذاتي

وحول احتمالات التصحيح الذاتي في الصين وإيران مستقبلا، قال بيانكي: "من غير المرجح أن تدرك أي من الحكومتين الحاجة إلى تقديم تنازلات للمتظاهرين، لكن الفرص أقوى قليلا في بكين منها في طهران، ذلك أن القيادة الصينية عملية، ولا تهتم بالنقاء الأيديولوجي".

ولفت عالم السياسة الأمريكي إلى أن "الحزب الشيوعي في الصين يضم جماعات وشبكات منافسة لها علاقات بالعديد من القطاعات الاجتماعية التي يمكنها الضغط من أجل القيام بتعديلات في السياسة".

وهذا الأمر رآه بيانكي أنه "يمنح النخبة في الصين القدرة على التكيف العقلاني في أوقات الأزمات الاجتماعية. وقد يرون في التراجع الاستراتيجي عن عمليات الإغلاق التي لا تحظى بشعبية بديلا للاضطرابات الاجتماعية المستمرة، خاصة إذا كان يعزز الاقتصاد ويُحبط مطالب الإصلاح السياسي".

واستطرد بيانكي قائلا: "أصبح الجيش وقوات الأمن الإيرانية مؤسسات شبه مستقلة ذات نفوذ اقتصادي واسع".

وواصل حديثه بالقول: "قد تعرقل القوات المسلحة جهود أي مجموعة من رجال الدين البراغماتيين المستعدين لمناقشة الإصلاحات".

بالإضافة إلى ذلك، نوّه إلى أن "المتظاهرين الإيرانيين منقسمون بين العديد من المجموعات ذات الأجندات المختلفة، كالنساء والشباب والمهنيين الحضريين والعمال وتجار البازار والأقليات العرقية واللغوية".

واختتم بيانكي بقوله: "تلبية كل هذه المصالح في وقت واحد يكاد يكون مستحيلا دون إزالة مفهوم الجمهورية الإسلامية بأكمله. وهذه الوصفة لحركات لا نهاية لها من التمرد والقمع من شأنها أن تشل البلاد إلى أجل غير مسمى".

في غضون ذلك، دعت مجموعات معارضة في إيران إلى إضراب واحتجاجات خلال الأيام المقبلة، لا سيما في يوم الطالب، الذي يوافق السابع من الشهر الجاري.

فيما زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الجمعة، محافظة كردستان، مهد الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد.

ودعا رئيسي إلى إحباط ما أسماها "مخططات الأعداء"، وقال: "خلال أعمال الشغب الأخيرة، ارتكب الأعداء خطأ في حساباتهم، بظنهم أنّ بإمكانهم زرع الفوضى وانعدام الأمن".