قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة
قطر، علي الهيل، إن بلاده "نجحت نجاحا باهرا بشهادة الجميع في تنظيم فعاليات بطولة
كأس العالم"، مؤكدا أن "قطر بعد المونديال ستنسلخ من قائمة الدول النامية، وستنضم إلى الدول المتقدمة بحسب مقاييس الأمم المتحدة".
وأكد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "
الإمارات وبريطانيا وفرنسا، تآمرت على قطر من خلال شراء تذاكر المباريات لكي تظهر الكراسي في الاستادات الثمانية خالية من الجمهور، ولكن الله رد كيدهم إلى نحورهم، وفشلوا في مخططهم".
وأشار الأكاديمي والمحلل السياسي القطري إلى أن "الإمارات والبحرين لم يُطبقا، حتى هذه اللحظة، بنود اتفاقية العلا -بينما المصريون والسعوديون طبّقوها- وهما ليستا جزءا من المونديال، وقد حرموا أنفسهم من المشاركة في هذه المتعة العالمية".
وفي 5 كانون الثاني/ يناير 2021، أنهت قمة العلا بالسعودية، خلافا اندلع صيف عام 2017 بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب وبين قطر من جانب آخر.
ومنذ إعلان المصالحة الخليجية في القمة، تبذل تلك الدول وقطر جهودا لتطوير علاقاتها بعد نحو خمس سنوات على قطيعة شملت إغلاق الأجواء.
وحول مكاسب قطر من تنظيم المونديال، أوضح الهيل أن "الدوحة قدمت نموذجا رائعا للعالم العربي وللعالم الإسلامي، وما تسمى بالدول النامية والعالم الثالث بألا يرضخوا للغرب. نحن انتصرنا لأجندتنا، وهزمنا أجندة الغرب، وهذا هو الأهم".
وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما تقييمكم لبطولة كأس العالم في قطر؟
تقييمي للبطولة لا يقل عن تقييم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" (FIFA) السويسري جياني إنفانتينو، والذي قال إن النسخة القطرية هي الأفضل على الإطلاق مقارنة بكل النسخ الماضية، وربما ستكون أفضل من النسخة الأمريكية القادمة في عام 2026.
كيف تنظر للانتقادات التي تصاعدت ضد قطر خلال استضافة المونديال؟
لا أصف ما تعرضنا له بالانتقادات؛ لأن المفهوم العلمي للنقد أو الانتقاد هو إبراز الإيجابيات والثناء عليها، وإبراز السلبيات وطرح البديل، لكن ما تعرضنا له هو "حملات هجومية مسعورة" على مدى 12 سنة ولم تتوقف حتى هذه اللحظة التي أتحدث فيها.
ومَن خلف تلك "الحملات المسعورة"؟
يقف وراء تلك الحملات دول ومنظمات بعينها؛ فعلى سبيل المثال: تزعمت ألمانيا هذا الهجوم بقيادة وزيرة داخليتها تحديدا، وهناك منظمات أخرى تدعي أنها "منظمات حقوق إنسان" وهي في الحقيقة منظمات انتقائية مُسيّسة، والسبب الرئيس للهجوم هو أن قطر هي الدولة الأولى عربيا وإسلاميا التي تستضيف هذه البطولة، وكأنهم استكثروا عليها ذلك.
وهناك بعض الجهات البريطانية التي شاركت في الهجوم أيضا؛ لأن قطر كانت تحت الحماية البريطانية حتى عام 1971 ضمن المحميات البريطانية في منطقة الخليج العربي.
لكننا انتصرنا لديننا، ولثقافتنا، ولمبادئنا، في حين قالوا لنا عن أعلام ورموز وشارات "المثليين"، وإننا لا يجب أن نحرم المثليين من المشاهدة؛ فقلنا: أهلا ومرحبا بالجميع -بمن فيهم المثليون والمثليات- لأننا لا نحرم أحدا من المشاهدة والاستمتاع بكرة القدم؛ فهذه مناسبة إنسانية كبرى، وحدث رياضي تاريخي، ولكن لا لإعلام المثليين، ولا لرموزهم، ولا لطقوسهم في الأماكن العامة.
كما قالوا لنا: بيعوا الخمور داخل الملاعب، أو حولها، لكننا قلنا لهم: هذا لا يمكن؛ فهناك دول في أوروبا مثل فرنسا، وبريطانيا، وأسكتلندا، ودول أخرى كثيرة منعت الخمور أثناء المناسبات الرياضية؛ لأن هذه الدول اكتوت من بيع الخمور داخل أو حول الملاعب، وما ينتج عنها من مشاغبات، واضطرابات، وفوضى تفسد على الجمهور الاستمتاع بكرة القدم.
هل كانت حملة الهجوم ضد قطر "حملة مُنظمة" أم لا؟
بالطبع هي حملة منظمة وممنهجة، وتقف وراءها جهات معادية للإسلام والمسلمين، وتحاول أن تصوّر للعالم أن الإسلام دين غير منفتح على الثقافات الأخرى، لكن الحقيقة على العكس تماما؛ فنحن منفتحون على جميع الثقافات، ونحترم جميع ثقافات الشعوب كما نحترم ثقافتنا، ونحن نتبع كلام ربنا في القرآن الكريم، ونؤمن بأن هذا الكتاب المقدس هو كتاب الله، وأن كل كلمة فيه منزلة من الله سبحانه وتعالى على قلب رسوله ﷺ والذي جاء فيه: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".
تابعنا تورط بعض وسائل الإعلام الإماراتية في الهجوم ضد قطر.. فكيف ترى موقف الإمارات من هذه الحملة، ومن تنظيم قطر لكأس العالم؟
الإمارات وبريطانيا وفرنسا، تآمروا على قطر من خلال شراء تذاكر المباريات؛ لكي تظهر الكراسي في الاستادات الثمانية خالية من الجمهور، ولكن الله سبحانه وتعالى رد كيدهم إلى نحورهم، وفشلوا في مخططهم.
لماذا اتخذت الإمارات هذا الموقف؟
لأن الإمارات هي إحدى الدول التي حاصرت قطر، وبينها وبين قطر أشياء كثيرة للأسف الشديد، وهي حاولت -ولا تزال- إجهاض المونديال وبأي طريقة ممكنة، ولكن المونديال ناجح بشكل منقطع النظير، والمليون وخمسمائة ألف الذين جاءوا من جميع دول العالم يستمتعون بمشاهدة المباريات، وبالفعاليات الثقافية المختلفة، وأهم هذه الفاعليات هي الفعاليات الدينية، والفعاليات اللغوية، وثقافة المجتمع القطري، والعربي، والإسلامي في جميع نواحي الحياة، في الملابس، والطعام، والأعراف المتوارثة.
كيف تقارن بين موقف الإمارات وبين الموقف السعودي من الحملة ضد قطر؟
السعودية بعد اتفاقية العلا في كانون الأول/ يناير 2021 طبّقت كل بنود الاتفاقية، أما الإمارات والبحرين فلم تطبقا هذه البنود حتى هذه اللحظة، بينما المصريون والسعوديون طبّقوها، وهذا شأن يخص الإمارات والبحرين، وهما ليستا جزءا من هذا المونديال العالمي، وقد حرموا أنفسهم من المشاركة في هذه المتعة العالمية؛ فعيون العالم كلها الآن على دولة قطر، والمونديال نجح بكل المقاييس، ورغم أنف الحاقدين.
ما هي الأمور العالقة بين قطر من جهة، وبين الإمارات والبحرين من جهة أخرى بخصوص المصالحة والتفاهم بين الجانبين؟
الإمارات والبحرين يختلفان عن قطر؛ فهما طبَّعا تطبيعا مجانيا مع الكيان الصهيوني، وقفزتا على كل قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة الملك عبد الله في قمة بيروت عام 2006، وحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة القابلة للحياة على حدود عام 1967، بينما نحن ضد هذا التطبيع، ونحن على الأقل مع الحد الأدنى لحقوق الفلسطينيين، لكن الكيان الصهيوني لا يسمح حتى بالحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين، لذا فنحن ضد التطبيع المجاني، ومع "التطبيع مقابل السلام".
لكن مصر تطبّع أيضا علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات طويلة ماضية؟
نعم. القاهرة في تطبيع مع إسرائيل منذ عام 1977، ولكن السلام بين المصريين والصهاينة بارد على المستوى الشعبي، لأن المصريين لا يمكن أن ينسوا مذابح بحر البقر ومصنع أبو زعبل، ولا يمكن أن ينسوا دفن الجنود المصريين أحياء في سيناء عام 1967، ولا يمكن أن ينسوا اعتداءات الكيان الصهيوني على بلادهم. ثم إن مصر لديها اتفاقية السلام مع الاحتلال لأنها قامت بمحاربة إسرائيل، ولكن الإمارات والبحرين لم يحاربا إسرائيل يوما ما، وبالتالي فالاتفاق بينهما ليس اتفاق سلام، وإنما هو اتفاق تطبيع واستسلام كامل.
هل التطبيع مع إسرائيل هو العائق الوحيد الذي يحول دون المصالحة الكاملة بين قطر والإمارات والبحرين؟
نعم، هذا من أهم العوامل، بالإضافة إلى أن دولة قطر استطاعت أن تأخذ وتلعب الأدوار الإقليمية البارزة كلها، بداية من عام 2008 عندما تبنت الحوار الوطني اللبناني-اللبناني، والحوار الوطني اليمني-اليمني إبان حكم الرئيس علي عبد الله صالح، ولا تزال الدوحة معروفة بتبنيها للوساطات الإيجابية والحيادية، وهو ما أثار ويثير، حفيظة الإمارات والبحرين.
وهل من المحتمل أن يتم الوصول لصيغة ما للتفاهم والمصالحة بين قطر وبين الإمارات والبحرين؟
في المدى المنظور لا أعتقد حدوث ذلك؛ فليست هناك ثمة مؤشرات سياسية تدل على ذلك.
هل يمكن القول بأن النظام الحاكم في مصر الآن في حالة تطبيع كامل ومصالحة حقيقية مع قطر والسعودية وتركيا؟
دولة قطر توسطت بين المصريين والأتراك، وقطر حريصة على أن تكون العلاقات بين تركيا باعتبارها أكبر قوة في الشرق الأوسط، ومصر باعتبارها أكبر قوة شعبية في العالم العربي، جيدة في الحد الأدنى؛ خاصة أن علاقات الدوحة مع أنقرة علاقات استراتيجية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا.
برأيك، هل مصر أقرب إلى قطر أم إلى الإمارات في الوقت الراهن؟
العلاقات القطرية-المصرية علاقات مستقرة، وجيدة سياسيا، واقتصاديا، بينما شابت العلاقات المصرية الإماراتية الكثير من الشوائب نتيجة التقارب القطري المصري.
إلى أي مدى نجحت الحملة في النيل من قطر لتنظيمها كأس العالم؟
"يا جبل ما يهزك ريح". نحن نظمنا المونديال ونجحنا نجاحا باهرا بشهادة الجميع، والكل مستمتع بالمباريات، والأمور كلها في صالح دولة قطر، والأهم من ذلك في صالح المستمتعين، ومشاهدي وجمهور كرة القدم على مستوى العالم.
مَن أبرز الدول التي وقفت وساندت قطر ضد حملة الهجوم التي واجهتها؟
دول العالم العربي كلها تقريبا أبدت دعمها لدولة قطر؛ فالرئيس الجزائري حضر حفل افتتاح المونديال، وكذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأيضا مجلس دول التعاون الخليجي العربي أصدر بيانا لدعم دولة قطر ضد الحملات العنصرية المسعورة، وهي وراءها دوافع عنصرية بنسبة 100%.
كيف انعكس تنظيم كأس العالم في قطر على التعريف بالإسلام وترك أثر في مجال حقوق الإنسان؟
القرآن الكريم يقول: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، ونحن في دولة قطر دائما لدينا ندوات دينية، ومَن يود أن يحضر ليستمع ويستفيد فواجبنا أن نُعرّف بثقافتنا، وأهم عنصر في ثقافتنا هو ديننا، والناس مستمتعون بتنوع الأنشطة، كالتعريف بالدين، والتعريف بالثقافة القطرية والعربية والإسلامية، وهو ما لاقى قبولا كبيرا في قطر، فتجد كثيرا من النساء الأمريكيات، والأوروبيات، والصينيات، وغيرهن، أعجبن بالحجاب، وبعضهن ارتدين الحجاب بالفعل، وهن لسن بمسلمات.
هناك تضارب بشأن الأرقام التي أنفقتها قطر على تنظيم كأس العالم.. فكم تكلّف تحديدا؟
تكلّف تقريبا 220 مليار دولار، ولكن ليس فقط على كأس العالم؛ فمن هذه الأموال إنشاء مطار حمد الدولي، وإنشاء شبكة القطارات التي تغطي العاصمة القطرية الدوحة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، بالإضافة إلى البنية التحتية للطرق والجسور، والأنفاق، ومنها إنشاء حي كتارا ذلك الصرح الثقافي السياحي الكبير المعروف عالميا، ومدينة جزيرة اللؤلؤة ومدينة لوسيل. صحيح أن هذه المشاريع كان مُخططا لها قبل كأس العالم، لكن كأس العالم سرّع في إنجاز هذه المشاريع، فالـ 220 مليار دولار تغطي كل هذه المشاريع بما فيها الملاعب الثمانية.
ما أبرز المكاسب التي حصدتها جراء تنظيم المونديال؟
قطر قدمت نموذجا رائعا للعالم العربي وللعالم الإسلامي، وما تسمى بالدول النامية والعالم الثالث بألا يرضخوا للغرب، نحن انتصرنا لأجندتنا، وهزمنا أجندة الغرب، وهذا هو الأهم.
هل العائدات الاقتصادية للمونديال ستغطي التكاليف والمصروفات التي أنفقتها الدوحة؟
قطر دولة غنية بالنفط والغاز، والعائد المعنوي والنفسي أكبر بكثير من العائد المادي، ولكن ستحصد قطر من خلال هذا المونديال قرابة الـ20 مليار دولار، وهذا يكفينا، وبالطبع فهناك فوائد مستقبلية؛ لأن الكثير من الذين جاءوا إلى قطر أبدوا رغبتهم في الإقامة والاستثمار في قطر، وافتتاح مشاريعهم الخاصة فيها.
أخيرا، كيف ترى قطر قبل المونديال وقطر بعد المونديال؟
قطر بعد المونديال لن تعود دولة نامية بحسب مقاييس الأمم المتحدة، وإنما ستصبح دولة متقدمة كما فعلت ماليزيا وتركيا، ونحن الدولة الثالثة التي ستنسلخ الآن من الدول النامية إلى خانة الدول المتقدمة إن شاء الله.