سلطت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على حالة التضامن التي حظيت بها القضية
الفلسطينية خلال
المونديال في قطر، وقالت؛ إن الحدث مثّل فرصة "نادرة" لتعبير المشجعين عن دعمهم لفلسطين، وأكد أن التطبيع الذي قامت به دول عربية لا أثر له في الشارع العربي.
ولفتت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أن منتخب المغرب الذي يعد أول فريق عربي يصل إلى منافسات الربع الأخير من كأس العالم لكرة القدم، وقف ليجلب الانتباه إلى مكان، وإلى قضية، توحدان المشجعين والمواطنين العرب وجدانيا حيثما وجدوا، حيث احتفل بتأهله رافعا العلم الفلسطيني داخل الملعب، رغم أن فلسطين ليست من الدول التي تأهلت إلى منافسات كأس العالم.
وشددت الصحيفة إلى أن البطولة العالمية أتاحت فرصة نادرة من التضامن العربي مع فلسطين، حيث وفد المشجعون من مختلف البلدان، يهتفون لفرق بلدانهم ويعبرون عن دعمهم للقضية الفلسطينية، بالرغم من أن بعض الحكومات العربية، بما فيها الحكومة المغربية نفسها، التي طبعت مؤخرا علاقاتها مع "إسرائيل"، لكن لا أثر لهذا النوع من التطبيع في الشارع العربي، مما يكشف بوضوح عن وجود انفصام لدى القيادة العربية المطبعة وشعوبها، فالقضية الفلسطينية مازالت تتمتع بشعبية كبيرة في كل أرجاء العالم العربي، وفي أوساط المجتمعات العربية في الشتات.
وتاليا نص تقرير "نيويورك تايمز":
وسط الضوضاء، في تلك الدقائق من السعادة الغامرة الانشراح المنطلق، بعد أن أصبح المغرب أول فريق عربي يصل إلى منافسات الربع الأخير من كأس العالم لكرة القدم، استرق اللاعبون لحظة ليتجمعوا معا بعد انتصارهم المؤزر، وليتلقطوا صورة تذكارية تخلد لحظة الفوز. معا داخل المضمار، حيث كافحوا لما يزيد عن ساعتين لإخراج إسبانيا من البطولة، ينبعث من أفواههم الهتاف والتهليل وتعلو وجوههم الابتسامات، وجحافل المشجعين المغاربة بألوانهم الحمراء من ورائهم، التصق اللاعبون ومدربوهم بعضهم ببعض ينتظرون نشر علم ملفوف.
هناك، في وسط صورة الفريق، نشر العلم الفلسطيني، لكي يطل بكل أمجاده على الجموع فلا تخطئه الأبصار.
سرعان ما انطلقت الاحتفالات بفوز المغرب، أفضل فريق عربي في دورة كأس العالم لكرة القدم، في كل أنحاء شمال أفريقيا وما يليها. والآن، في لحظة انتصاره، أما وقد تم الانتهاء من هذه المرحلة التي شهدت تصفية 32 فريقا متنافسا إلى ثمانية تلج مرحلة النهائيات، وقف الفريق ليجلب الانتباه إلى مكان، وإلى قضية، توحدان المشجعين والمواطنين العرب وجدانيا حيثما وجدوا.
يصيح عبد الله منصوري، المشجع المغربي الذي يحاول إيصال صوته جاهدا من فوق الضجيج المنبعث من الأبواق والطبول والهتافات المحتفلة بفوز فريق بلاده، قائلا: "فلسطين هي البلد الثالث والثلاثين في كأس العالم. فلسطين قضيتنا، ونضالنا في العالم العربي، في كل أرجاء العالم العربي.
من الأمور التي ميزت أول كأس للعالم ينظم داخل العالم الإسلامي انتشار راية ألوانها الأحمر والأبيض والأخضر والأسود. إنه علم بلد عضو في الفيفا، ولكنه ليس عضوا في الأمم المتحدة. لقد أتاحت البطولة فرصة نادرة من التضامن العربي، حيث وفد المشجعون من مختلف البلدان يهتفون لفرق بلدانهم، ويعبرون عن دعمهم للقضية الفلسطينية، حتى بالرغم من أن بعض الحكومات العربية، بما فيها الحكومة المغربية نفسها، طبعت مؤخرا علاقاتها مع إسرائيل.
لا أثر لهذا النوع من التطبيع في الشارع العربي، كما هو معروف، مما يكشف بوضوح عن وجود انفصام لدى القيادة عن الإحساس، بأن القضية الفلسطينية مازالت تتمتع بشعبية كبيرة لدى الشعوب في كل أرجاء العالم العربي، وفي أوساط المجتمعات العربية في الشتات.
فعلى الأرض وداخل الملاعب في قطر، على سبيل المثال، لم يتوقف على مدى شهر من المباريات ضمن الدوري استعراض الأعلام الفلسطينية وأربطة اليد الدالة عليها، بل وحتى الكوفية الفلسطينية المزخرفة بالأسود والأبيض. ومع خروج الفرق المسلمة والعربية الأخرى التي كانت قد تأهلت للدوري، وبقاء المغرب وحده في البطولة، فقد أصبح فريقه هو الحامل لراية القضية الفلسطينية ههنا.
"فلسطين هي بلدنا الثاني، هي قضيتنا؛ إنها هويتنا – مثل الإنسانية، مثل الشعب المسلم."، هذا ما قالته المشجعة عائشة حجاجي في أثناء مغادرتها لملعب المدينة التعليمية برفقة زوجها محمد بوحريد، الذي رسم فوق سترة فريقه المغربي علم فلسطين.
وأضافت؛ "إنهم يعانون".
التفت بوحريد إلى ابنته الصغيرة وسألها ما هي عاصمة فلسطين، فقالت بدون تردد "القدس"، وقد ارتسمت على ثغرها ابتسامة عريضة. والقدس هي المدينة التي يعتبرها الفلسطينيون والإسرائيليون عاصمة لهم.
احتفى أهل الضفة الغربية على نطاق واسع بالدعم الكبير الذي حظيت به قضيتهم في قطر، وراح عدد كبير من الفلسطينيين يشاركون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في نشر مقاطع الفيديو والصور التي تظهر فيها الأعلام الفلسطينية، معربين عن سعادتهم أنهم مازالوا يحظون بهذا
الدعم في كل أرجاء العالم العربي، حتى وإن أبرمت بعض الحكومات اتفاقيات دبلوماسية مع إسرائيل.
في تصريح لموقع أيام فلسطين، قال رمزي بارود، الصحفي والمحرر الفلسطيني:؛"أن ترى الفلسطينيين يشجعون المغرب والمغاربة يشجعون فلسطين، هذا واحد من أبرز سمات الرفض العربي الشعبي للتطبيع مع إسرائيل. سوف تتخلد هذه اللحظة في عقول أجيال متعاقبة من العرب، وإلى الأبد.".
يوم الثلاثاء، وصل آلاف المشجعين لحضور مباراة المغرب وهم يرتدون شعارات متشابهة من التعبير عن الدعم، وهو أمر لم يبذل المضيفون القطريون جهدا يذكر في منعه، على الرغم من حظرهم الصارم لأشكال التعبير كافة عن الدعم أو الترويج السياسي لغير ذلك من القضايا. في المقاعد المخصصة لكبار الضيوف، ارتدى الضيوف فوق أكمام أثوابهم البيضاء ربطات يد تحاكي الكوفية الفلسطينية بلونيها الأبيض والأسود، وذلك بعد أن حضرت وزيرة الداخلية الألمانية مباراة بلدها الافتتاحية، وهي ترتدي ربطة ألوان قوس المطر الذي يرمز إلى دعم المثليين. منذ تلك اللحظة تضاعفت أضعافا كثيرة أعداد من يرتدون على أذرعهم الربطات التي تحاكي الكوفية الفلسطينية.
في المدرجات وداخل الملعب، كان التعبير عن التضامن جليا. ففي العديد من المباريات، بما في ذلك مباراة الثلاثاء التي تحقق فيها النصر للفريق المغربي، رفعت أعلام كتب عليها "الحرية لفلسطين" في العديد من المواقع داخل المدرجات، بما في ذلك العديد من الأماكن داخل استاد المدينة التعليمية. بل حمل اللاعبون المغاربة علم فلسطين إلى داخل الملعب في العديد من المباريات، وبعد أن تأهلوا إلى مباريات التصفية النهائية، بادر بعض المشجعين بالسفر إلى قطر من داخل الأراضي المحتلة.
كان عبد الله الزير واحدا ممن شاهدوا آخر مباراة شارك فيها المغرب ضمن مجموعته الأولى في منزله داخل رام الله، المدينة التي تتخذ منها السلطة الفلسطينية مقرا لها. وبمجرد أن تأكد عقب فوز المغرب على كندا أن الفريق سيلعب في دوري الستة عشر، دخل على موقع لإعادة بيع التذاكر ودفع 275 دولارا ثمنا لمقعد ثم مضى يرتب إجراءات السفر.
كانت رحلة غير مباشرة. قال الزير إنه سافر أولا برفقة شقيقه واثنين من أصدقائه إلى الأردن، ثم من هناك طار إلى الدوحة.
وقال؛ إن الاستقبال كان فوق العادة، حيث يستمتع الزائرون من الأراضي المحتلة بما يشبه معاملة المشاهير داخل الدوحة وما حولها، وكذلك داخل الاستاد وفي المطاعم وفي الطرقات الضيقة لسوق واقف، السوق الذي ظل يشهد احتفالات يومية في أثناء بطولة كأس العالم.
الليلة تلو الليلة، هنا تجمع المشجعون من تونس والمغرب والسعودية وقطر وحتى من الجزائر – التي لم يتأهل فريقها لكأس العالم هذا العام –، يرقصون ويهتفون وينشدون دعما لفريق آخر لم يكن موجودا ههنا؛ إنهم الفلسطينيون.
وفي أثناء مباراة تونس وفرنسا في تصفيات المجموعة الأولى، انطلق أحد المحتجين إلى داخل الملعب وهو يرفع العلم الفلسطيني، مما تسبب في توقف مفاجئ في اللعبة، ولكن كانت النتيجة تسليط مزيد من الضوء على القضية الفلسطينية.
بينما كانت الاحتفالات إلى حد كبير لطيفة – فيما عدا بالنسبة للصحفيين الإسرائيليين الذين كانوا يحاولون تغطية أحداث الدوري – وأضافت لمسة من الثقافة المحلية إلى بطولة كأس العالم الأولى في العالم العربي، إلا أنها شهدت تباينا مع المعاملة التي كثيرا ما لقيها بعض المشجعين، حينما حاولوا إدخال أعلام أو يافطات أو ملابس تروج لقضايا أخرى مثل مناصرة المثليين أو الثائرين الإيرانيين، حيث كان الحرس يأمرهم إما بإخفاء تلك الرموز أو التخلي عنها قبل الدخول إلى الملعب.
رفض مسؤولو الفيفا وكذلك المنظمون المحليون مرارا وتكرارا طلبات بالتعليق، حول لماذا كان يحال بين المشجعين وبين إدخالهم رموزا أو شارات ترمز إلى حقوق المثليين أو مناصرة المعارضين للنظام في إيران، رغم أن هذه الأمور ليست محظورة رسميا، بينما كان يسمح لحملة الأعلام والرموز الفلسطينية بإدخالها، رغم أنها في مباريات الأندية الأوروبية أدت إلى تكبيد بعض هذه الأندية غرامات مالية في الماضي، كلما استخدمت لمناوأة الفرق الإسرائيلية.
ومع ذلك، بدا واضحا أن الجماهير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي معظم أرجاء أوروبا اختارت الانحياز إلى جانب القضية الفلسطينية. فبعد أن هزم المغرب إسبانيا، غصت الشوارع في لندن وباريس، بل وحتى في العاصمة الإسبانية مدريد، بالمشجعين.
وفي المغرب، أطلق المشجعون الإضاءات التي أنارت سماء الرباط والدار البيضاء. وفي الضفة الغربية انطلقت زمامير السيارات بمجرد انتهاء المباراة، ورفرفت الأعلام وأطلقت الأعيرة النارية احتفالا بالنصر. من المفروض أن يعود المشجعون، وتعود معهم الأعلام، يوم السبت عندما يواجه المغرب البرتغال في الرباعيات النهائية.