نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن الحرب في أوكرانيا، التي سلطت الضوء على عدم ثقة الأفارقة في الغرب، بينما يستمر نفوذ الصين في القارة في النمو.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن إدارة بايدن قررت إظهار اهتمامها المتجدد بالقارة من خلال تنظيم
قمة متعددة الأطراف في عاصمتها، بعد ثماني سنوات من القمة السابقة. ففي الفترة المتراوحة بين 13 و15 كانون الأول/ ديسمبر، سيجتمع 49 وفدا حكوميا، والاتحاد الأفريقي، وممثلو المجتمع المدني، وعالم الأعمال، والشتات.
وبهذه المناسبة، سيعلن جو بايدن عن دعم بلاده لمنح الاتحاد الأفريقي وضع العضو الدائم في قمم مجموعة العشرين، التي شاركت فيها جنوب
أفريقيا سابقا.
على ضوء ذلك، بحسب الصحيفة، أكد المدير الأول للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي، جود ديفيرمونت، قائلا: "نحتاج إلى المزيد من الأصوات الأفريقية في المحادثات الدولية حول الاقتصاد العالمي والديمقراطية والحوكمة وتغير المناخ والصحة والأمن".
وبينت الصحيفة أن مسؤولًا أمريكيًّا رفيعا وصف هذه القمة، التي تستمر ثلاثة أيام، بأنها "تستجيب للتطلعات الأفريقية". ومن المتوقع أن يكون غالبية قادة القارة في واشنطن؛ حيث إن الأشخاص الوحيدين الذين لم تتم دعوتهم من قبل الإدارة الأمريكية هم الانقلابيون في بوركينا فاسو، غينيا، مالي والسودان، الذين تم تعليق عضوية دولهم من قبل الاتحاد الأفريقي. كما ستغيب إريتريا، التي لا تربطها علاقات دبلوماسية بواشنطن، عن هذه القمة.
ومن جانبه، عبر بيتر فام، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى منطقة البحيرات العظمى ثم إلى الساحل تحت إدارة ترامب، وهو الآن خبير في مركز أبحاث المجلس الأطلسي، عن سعادته بعقد هذه القمة، لكن وفقا له، "تبدو هذه القمة غريبة بعض الشيء ومتعالية، حيث يتم إحضار القادة الأفارقة ثم إخضاعهم لدورات وحلقات نقاش تشبه الندوات".
التوافر والتفاؤل
وأبرزت الصحيفة أن إدارة بايدن تدعي أنها تصمم هذا الحدث بمزيج من التوافر والتفاؤل، في سياق دولي غير مستقر، يتميز بحدثين رئيسيين: أولهما، انعكاسات الحرب في أوكرانيا، فحسب مسؤول أمريكي رفيع المستوى، "عانت العديد من دول القارة للأسف من تداعيات العدوان الروسي ومدى تأثير ذلك على صادرات القمح والأسمدة من أوكرانيا"، كما أظهر غياب الإدانة السياسية الواضحة للغزو الروسي لواشنطن أهمية العمل الدبلوماسي الاستباقي مع القادة الأفارقة، الذين يتزايد ترددهم تجاه وجهات النظر الغربية الصارمة.
ويتمثل الحدث الثاني -وفقا للصحيفة- في صعود الصين في القارة الأفريقية منذ عدة سنوات، ويمثل التنافس بين النماذج بين واشنطن وبكين جزءًا أساسيًّا في هذه القمة، وهو ما يسمح للولايات المتحدة بأن تتذكر أن العلاقات مع دول القارة يمكن أن تتجاوز إطار المعاملات والتجارة البسيط، الذي يحظى بقيمة كبيرة لدى الصين، فهي تتعلق أيضا بالتبادلات الثقافية والمجتمعات المدنية والقضايا البيئية والديمقراطية.
ولكن، في هذا الصدد، كانت الصيغ التي استخدمها المسؤولون الأمريكيون في الأسابيع الأخيرة بمثابة سلسلة من الكليشيهات، مثل "بناء شراكات القرن الحادي والعشرين" أو "إفريقيا، لاعب جيوسياسي رئيسي".
ومن جهته، قام وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بثلاث جولات في أفريقيا في عام واحد، وهو أمر نادر، خاصة أن الحرب في أوكرانيا استحوذت على اهتمام الإدارة خلال هذه الفترة. وتعد الصراعات المسلحة والإرهاب وانعدام الأمن الغذائي والأزمات المناخية وأزمات الهجرة، وكذلك الانفتاح الاقتصادي والحيوية الديموغرافية، أحد الموضوعات التي تجب مناقشتها.
تجدر الإشارة إلى أنه في خطاب قصير بالفيديو في قمة الاتحاد الأفريقي في شباط/ فبراير 2021، بعد أيام قليلة من دخوله البيت الأبيض، أبدى جو بايدن اهتمامه بإحياء العلاقات مع القارة.
وفي أوائل آب/ أغسطس، أصدر البيت الأبيض وثيقة استراتيجية بشأن أفريقيا جنوب الصحراء. وكدليل على الاهتمام الجديد السائد في واشنطن، أثار النص الرغبة في "نزع جذور العنصرية النظامية" التي كانت موجودة في الولايات المتحدة، وأقر بالصعوبات التي واجهها، لسنوات، في تعزيز الديمقراطية في أفريقيا.
من بين الأولويات المذكورة في الوثيقة معالجة العواقب الاقتصادية والاجتماعية لكورونا، بالإضافة إلى انتقال الطاقة والقدرة على مواجهة تحديات المناخ. وهي أهداف جديرة بالثناء، ولكنها تحظى بتوافق الآراء.
ثلاثة مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن
وأشارت الصحيفة إلى أنه من الناحية السياسية، تحتل أفريقيا مكانة خاصة على خريطة العالم، من منظور إدارة بايدن؛ حيث تحتفظ المنطقة بثلاثة مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتمثل واحدة من أكبر مجموعات التصويت الإقليمية (بنسبة 28 بالمئة) في الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات متعددة الأطراف الأخرى، وفقا للوثيقة الاستراتيجية. لذلك يتم التودد إلى الأصوات الأفريقية.
ويؤكد مامادو ضيوف، أستاذ التاريخ والدراسات الأفريقية في جامعة كولومبيا، أنه "بقدر ما تفك البلدان الأفريقية، ولا سيما البلدان الناطقة بالفرنسية، الارتباط في علاقتها مع الغرب، فإن الولايات المتحدة لن تكون بالضرورة حاسمة بالنسبة للنخب الأفريقية. تلعب هذه الأمور في المقام الأول على التنافس بين العديد من القوى-الصين أو روسيا أو تركيا أو الولايات المتحدة- والإمبراطوريات الاستعمارية السابقة وفرنسا في الصدارة".
ويتابع ضيوف قائلًا: "في المقابل، ترى جمهورية الصين الشعبية أن المنطقة تعد مجالا مهما لتحدي النظام الدولي القائم على القواعد، وتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية قصيرة المدى، وتقويض الشفافية والعدالة، فضلا عن الانفتاح، وإضعاف العلاقات بين الولايات المتحدة وشعوب وحكومات أفريقيا.
ومن جهتها؛ تعتبر روسيا المنطقة بيئة تسمح للجماعات العسكرية الخاصة وشبه الحكومية، والتي غالبا ما تثير عدم الاستقرار، لتحقيق مكاسب مالية وإستراتيجية".
وأفادت الصحيفة بأنه في سياق تزايد الانقلابات في أفريقيا، ينبغي على جو بايدن أن يسلط الضوء على محمد بازوم، رئيس النيجر، الذي أقامت معه واشنطن بالفعل شراكة أمنية مهمة؛ حيث يمكن وضع هذا الشخص الذي يعد بالفعل أفضل حليف لفرنسا في منطقة الساحل بجانب جو بايدن في حفل العشاء الرسمي المقرر في 15 كانون/الأول ديسمبر. وصرح وزير الخارجية النيجري حسومي مسعودو قائلا: "كنا نتمنى لو لم يكن بمفرده في هذا الوضع، لكن ذلك من شأنه أن يمنحنا المزيد من المسؤوليات".
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن النيجر كانت قد استفادت بالفعل، في ظل إدارة ترامب، من الدعم العسكري، لكن، حسب الوزير، "حدث تغيير واضح مع إدارة بايدن، التي زادت هذا الدعم". ووفقا له، يتمثل التحدي اليوم في "أن الناس يجب أن يشعروا بالفوائد المباشرة للديمقراطية، ونحن في النيجر نريد أن نظهر أن الدولة الديمقراطية يمكن أن تهزم الإرهاب".