عاشت
لبنان العديد من الأحداث البارزة خلال عام 2022، تصدرتها الانتخابات النيابية التي أفرزت برلمانا مشتتا لم يفلح في انتخاب رئيس جديد للبلاد، بعد عشر محاولات فاشلة لتعويض رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي ترك القصر الرئاسي بعد انتهاء فترته النيابية.
كما
توصل لبنان، بوساطة أمريكية دامت عامين، إلى اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي لترسيم
الحدود البحرية، وصفه الرئيس ميشال عون بأنه "إنجاز تاريخي"، فضلا عن
الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 3 مليارات دولار يصرف على مدى أربع
سنوات، لم يمنع المواطنين من اقتحام المصارف للمطالبة بودائعهم.
وتوجه
اللبنانيون خلال شهر أيار/ مايو 2022 إلى صناديق الاقتراع على أمل تغيير الواقع
المعيشي في أول انتخابات من نوعها منذ انتفاضة 2019، فيما يعاني لبنان من أزمة
اقتصادية غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار،
فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
الانتخابات
التشريعية
وأظهرت
نتائج الانتخابات تراجع قوى "8 آذار" التي تضم حزب الله، لصالح قوى
"14 آذار"، فيما صعد 13 مستقلا إلى البرلمان، من المحسوبين على انتفاضة
2019.
وبلغ
عدد المرشحين لهذه الانتخابات 719 مرشحا ينضوون تحت 103 لائحات، من ضمنها 56 لائحة
باسم مجموعات التغيير والمجتمع المدني في البلاد، في حين بلغ عدد الناخبين
المدعوّين للمشاركة في الانتخاب نحو 4 ملايين، بحسب أرقام وزارة الداخلية.
وعرف
الاستحقاق الانتخابي عزوفا نسبيا من قبل اللبنانيين، حيث تشير أرقام وزارة الداخلية
إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت حوالي 42 بالمئة، وهي أضعف نسبة منذ أكثر
من 13 سنة، حيث بلغت نسبة الاقتراع في انتخابات 2009 -التي تبعها تمديدان للمجلس
النيابي، 54 بالمئة.
ومقارنة
بالانتخابات الأخيرة التي وقعت عام 2018، فقد تراجعت نسبة المشاركة بنحو 8 نقاط،
حيث بلغت في الانتخابات السابقة 49 بالمئة.
وتعكس
هذه النسبة مقاطعة أكثر من نصف الشعب اللبناني للانتخابات تعبيرا عن تململ سياسي
وشعبي، وتماشيا مع الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي عرفتها العاصمة بيروت عام
2019، ضد الطبقة السياسية.
وجاءت
هذه النسبة في وقت تعيش فيه البلاد إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية، بالرغم من
التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بخصوص قرض مالي.
من
جهة أخرى، عجزت قوى المجتمع المدني عن إقناع شريحة واسعة من اللبنانيين بالتصويت
لصالحها ضد النخبة الحاكمة، رغم حملاتها الإعلامية والدعائية، فضلا عن تشتت المكون
السني بعدما أعلن زعيمها الأبرز سعد الحريري مطلع العام عن عزوفه عن خوض
الاستحقاق، في قرار أعقب نكسات مالية وسياسية مني بها في السنوات الماضية.
وعلى
الصعيد السياسي، فإن "القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع تعتبر الرابح
الأبرز، بناء على النتائج النهائية، بـ19 نائبا من أصل 128، مقابل 15 في 2018، حيث
أصبحت القوات اللبنانية أول حزب مسيحي يتقدم على "التيار الوطني الحر"
للرئيس ميشال عون.
وحققت
القوائم الصغيرة الناتجة عن الاحتجاج الشعبي في تشرين الأول/أكتوبر 2019 فوزا ملفتا للانتباه
مستفيدة من انقسام المشهد السياسي، حيث صعد 13 مستقلا للبرلمان، 12 منهم من الوجوه
الجديدة.
ولئن
حافظ المكون الشيعي على جميع مقاعده الـ27 داخل البرلمان، فإن حلفاء حزب الله
تراجعوا حيث خسر مسيحيو حزب العمال الاشتراكي، ودروز الحزب الاشتراكي، وغيرهم،
الذين جعلوا من الممكن منذ 2018 تشكيل أغلبية في البرلمان، عددا كبيرا من مقاعدهم،
حيث تقلص عدد مقاعد معسكر حزب الله من 71 إلى أقل من 65، عتبة الأغلبية المطلقة.
ومما
لا يثير الدهشة، أن الناخبين السنة خسروا بدورهم، وقد أضعفهم غياب الحزب الرئيسي،
تيار المستقبل برئاسة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الذي دعا إلى المقاطعة، حيث
إنهم كانوا مشتتين بين مرشحين مؤيدين ومعارضين لحزب الله.
فشل
انتخاب رئيس جديد
أدى
المشهد البرلماني الجديد إلى فشل مجلس النواب في التوصل إلى مرشح توافقي لمنصب
رئاسة الجمهورية، بعد أن انتهت الفترة الرئاسية لميشال عون.
والخميس
15 كانون الأول/ ديسمبر، فشل البرلمان اللبناني للمرة العاشرة منذ أيلول/ سبتمبر
في انتخاب رئيس للجمهورية، خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 تشرين الأول/
أكتوبر الماضي في آخر جلسة لعام 2022.
وحصل
ميشال معوّض مرشح حزب "الكتائب اللبنانية" على 38 صوتا، في حين صوّت 37
نائبا بورقة بيضاء، بينما توزعت باقي الأصوات على عدد من الشخصيات اللبنانية، كما
ألغيت أوراق أخرى.
وبسبب
عدم اكتمال نصاب الدورة الثانية من الجلسة، خرج رئيس المجلس نبيه بري من القاعة، دون تحديد موعد جديد لانتخاب رئيس للبنان.
وبحسب
المادة 49 من الدستور، يُنتخب رئيس الجمهورية في دورة التصويت الأولى بأغلبية
الثلثين 86 نائبًا، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية.
وتتهم
كتل برلمانية نواب جماعة "حزب الله" وحلفاءها، بتعطيل انتخاب الرئيس عبر
التصويت بأوراق بيضاء في الدورة الأول،ى ثم الانسحاب كي لا يكتمل نصاب الدورة
الثانية، بينما يقول مسؤولون في الجماعة؛ إنهم يريدون "رئيسا لا يطعن المقاومة (حزب
الله) في الظهر".
وعُقدت
أول جلسة في 29 أيلول/ سبتمبر 2022، ثم 20 و2 تشرين الأول/ أكتوبر، و3 و10 و17 و2
تشرين الثاني/ نوفمبر، و1 و 8 كانون الأول/ ديسمبر، قبل أن تُعقد آخر جلسة الخميس،
دون النجاح في انتخاب رئيس جديد للبلاد.
وتدوم
ولاية الرئيس اللبناني 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد
مرور 6 سنوات على انتهاء ولايته الأولى، ولا يُلزم الدستور الراغبين في خوض
انتخابات الرئاسة بتقديم ترشيحات مسبقة، حيث يمكن لأي نائب أن ينتخب أي لبناني
ماروني (وفق العرف السائد لتقاسم السلطات طائفيّا)، شرط ألا يكون هناك ما يمنع أو
يتعارض مع الشروط الأساسية مثل العمر والسجل العدلي.
فراغ
دستوري
أعلن
الرئيس ميشال عون في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 مغادرة قصر بعبدا الرئاسي، قبل
يوم واحد من انتهاء ولايته رسميا، بعد أن فشل البرلمان في انتخاب خليفة له في 3
جلسات متتالية، سبقت موعد انتهاء فترته بحسب الدستور اللبناني.
ودخل
لبنان للمرة الخامسة منذ استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي عام 1943، مرحلة
الفراغ السياسي عقب انتهاء ولاية الرئيس السابق للبنان ميشال عون.
وكرّس
اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) معادلة
اقتسام السلطة والمناصب الرئيسية، وفقا للانتماءات الدينية والطائفية، بحيث يكون
رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا، ورئيس البرلمان شيعيا، ورئيس الحكومة سُنيا.
وعلى
مدى 79 عاما، لم تنتقل السلطة من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة وفي سياق انتخابات
رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين فقط من أصل 13؛ إذ طبعت نهاياتِ معظم العهود
صراعاتٌ وحروبٌ وفراغاتٌ، كان معظمها ينتهي بتسويات داخلية أو إقليمية ودولية تؤدي
لانتخاب رئيس جديد.
وفي
إشكال سياسي آخر، يتعين انتقال صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء، وفق الدستور، لكن
الخلافات السياسية حالت منذ الانتخابات النيابية في أيار/ مايو دون تشكيل حكومة
جديدة، بينما تواصل حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي ممارسة مهماتها.
ورفضا
منه لأن تمارس حكومة ميقاتي صلاحيات الرئيس، استبق عون انتهاء ولايته بتوقيع مرسوم
اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة. ومنذ أسابيع، يتبادل عون ورئيس الحكومة
المكلف نجيب ميقاتي الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة نتيجة شروط وشروط مضادة.
وأدخلت
خطوة عون البلاد في جدل دستوري حول صلاحيات حكومة ميقاتي، الذي أكد أن حكومته،
التي تعد عمليا مستقيلة منذ الانتخابات البرلمانية، ستتابع قيامها بتصريف الأعمال.
ترسيم
الحدود
توصلت
لبنان والاحتلال الإسرائيلي، بعد مفاوضات غير مباشرة بوساطة أمريكية، إلى اتفاق
ترسيم الحدود البحرية، حيث ستشكل الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسية
للتنقيب من قبل شركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، اللتين حصلتا في العام 2018
مع شركة روسية على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة.
أما
الاحتلال الإسرائيلي، فسيحصل على "تعويض من مشغل البلوك 9"، بما أن
جزءا من حقل قانا يقع خارج المياه الإقليمية اللبنانية، في إشارة إلى شركتي توتال
وإيني، "لقاء الحقوق العائدة لها من أي مخزونات محتملة في المكمن
المحتمل".
وعلّق
الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية، حسن نصر الله، بالقول: "عندما يقول
المسؤولون اللبنانيون إن الاتفاق يحقق المطالب اللبنانية فليس لدينا مشكلة، وما
يهمّنا هو استخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية".
من
جانبه، أكد الرئيس اللبناني هذه الاتفاقية غير المباشرة "تتجاوب مع المطالب
اللبنانية، وتحفظ حقوقنا كاملة"، مضيفا أن "الإنجاز ما كان ليتحقق لولا
وحدة الموقف اللبناني وصلابته في مقاومة كل الضغوط، وفي عدم تقديمه أي تنازلات
جوهرية، وعدم دخوله في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض".
وأشار
عون إلى أنه "من حق لبنان أن يعتبر أن ما تحقق بالأمس هو إنجاز تاريخي؛ لأننا
تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومترا مربعا كانت موضع نزاع، ولم يتنازل لبنان عن
أي كيلومتر واحد لـ(إسرائيل)".
اقتحامات
البنوك
أعلن
صندوق النقد الدولي، خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، توصله إلى اتفاق مبدئي مع
السلطات اللبنانية لتمويل بقيمة 3 مليارات دولار، تصرف على مدى أربع سنوات.
وقال
صندوق النقد في بيان؛ إن التمويل مشروط بموافقة مجلس الصندوق التنفيذي، مؤكدا أن
السلطات اللبنانية قامت بدعم من خبراء صندوق النقد، بصياغة برنامج إصلاح شامل يهدف
إلى إعادة بناء الاقتصاد واستعادة الاستدامة المالية، وتعزيز الحكم والشفافية
وإزالة العوائق التي تحول دون نمو فرص العمل وزيادة الإنفاق الاجتماعي وإعادة
الإعمار.
ورغم
الترحيب بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلا أن الاقتصاد اللبناني لم يعرف تحسنا،
حيث تراجعت الليرة اللبنانية إلى مستوى متدن على نحو قياسي بعد شهر واحد من
الاتفاق، مسجلة أكثر من 35 ألفا مقابل الدولار الواحد، وفقا لمنصات تداول العملة
وتجار، بعدما أثارت انقسامات في البرلمان المنتخب مخاوف من جمود سياسي، سيؤدي
لتفاقم الأزمة المالية في البلاد.
وألقت
أزمة تراجع قيمة العملة المحلية بظلالها على المواطنين، حيث عمد جزء منهم إلى
اقتحام مصارف للمطالبة بودائعهم باسترداد أموالهم، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي
في البلاد.
وأبرز
تلك الاقتحامات قامت بها سالي حافظ، في أيلول/ سبتمبر 2022، التي استولت بالقوة
على حوالي 13 ألف دولار من المدخرات في حساب شقيقتها، الذي تم تجميده بسبب ضوابط
رأس المال التي فرضتها البنوك التجارية بين عشية وضحاها في عام 2019، لكنها لم
تكتسب صفة الشرعية أبدا عبر سن قانون.
وبعد
اللقطات الدرامية للحادث، الذي قامت فيه بإشهار ما تبين لاحقا أنه مسدس لعبة،
ووقفت على مكتب وهي ترقب الموظفين الذين سلموها رزما من النقود، تحولت حافظ إلى
بطلة شعبية فجأة، في بلد يعيش فيه مئات الآلاف محرومين من مدخراتهم.
ولم
يقتصر
اقتحام البنوك على المواطنين العاديين، حيث أقدمت النائبة سينتيا زرازير على
اقتحام بنك بيبلوس فرع أنطلياس في العاصمة بيروت؛ للمطالبة بجزء من وديعتها التي
تبلغ 8500 ألف دولار أمريكي، لإجراء عملية جراحية.
واعتصمت
النائبة في البنك الذي اقترح عليها تسلم وديعتها بسعر الصرف الذي تحدده الدولة،
فيما تمسكت زرازير بالحصول على وديعتها كاملة.
والثلاثاء
4 تشرين الأول/أكتوبر شهدت البلاد أربع عمليات مماثلة في أنحاء متفرقة، من بينها
واحدة كانت بمنزلة سابقة، حينما اقتحم القنصل العام الفخري لإيرلندا، جورج سيام،
مصرف "إنتركونتيننتال" فرع الحازمية، واعتصم بداخله مطالبا بالحصول على
وديعته.
ولا
يتسنى للمودعين سوى سحب مبالغ محدودة بالدولار الأمريكي أو الليرة اللبنانية، التي
فقدت أكثر من 95 بالمئة من قيمتها منذ بدء الأزمة.