سلطت صحيفة "
الغارديان" البريطانية الضوء على تردي الأوضاع المعيشية في
مصر، وما تسبب به ذلك من حالة نزوح جماعي "جديد وخطير" نحو السواحل الأوروبية.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" إن حياة المصريين في انحطاط مستمر، إذ يدفع
الفقر بالآلاف إلى قبضة مهربي البشر الذين يديرون تجارة الموت عبر البحر المتوسط.
وشددت على أن المصريين يهربون من اقتصاد ينهار بشكل متسارع، وذلك بعد أن فقد الجنيه المصري أكثر من ثلث قيمته مقابل الدولار هذه السنة، مع ما رافق ذلك من ارتفاع حاد في التضخم، والذي يسبب بدوره ارتفاعاً حاداً في تكاليف المعيشة بينما تغرق الدولة أكثر فأكثر في الديون.
وبحسب الإحصائيات الرسمية الأحدث حول معدل الفقر في البلاد، فإن ما يقرب من ثلث سكان البلد يعيشون دون خط الفقر، في حين فرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إجراءات تقشف نجم عنها توسيع الهوة بين النخب المسنودة من قبل الدولة والأعداد المتزايدة من المواطنين المصريين الذين باتوا الآن يجدون صعوبة بالغة في البقاء على قيد الحياة.
ولفتت الصحيفة إلى أن إحياء خطوط التهريب التي كانت في الماضي مزدهرة يعود إلى إطلاق سراح عناصر كبيرة من المهربين الذين كانوا يديرون شبكات التهريب، وذلك بعد أن كانت السلطات المصرية قد أوقعت بهم ثم سجنتهم قبل خمسة أعوام على الأقل، على إثر سلسلة من كوارث القوارب التي وقعت في عام 2015 ثم في عام 2016 ونجم عنها موت المئات في البحر قبالة سواحل مصر الشمالية.
وتاليا نص تقرير "أوبزيرفر":
في البداية لم يرد يوسف أن يتذكر رحلة القارب الخطيرة التي أخذته من مصر إلى طبرق في ليبيا ثم أخيراً إلى إيطاليا، ولكنه يعلم بوضوح لماذا غادر.
يوسف شاب في العشرينيات من عمره، متزوج وزوجته حامل، وتتوقع وضع مولودها خلال بضعة شهور. تملكته المخاوف بسبب الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة داخل مصر.
استسلم لمخاوفه تلك، وتواصل مع أحد العاملين في تهريب البشر عبر الإنترنيت، مستخدماً مجموعة فيسبوك، يتمكن الراغبون في
الهجرة من خلالها من ترك معلومات حول العبور.
حينما سئل يوسف، الذي تم تغيير اسمه حفاظاً على سلامته، عن قراره ترك عائلته والهجرة، قال واصفاً الأيام الأربعة التي قضاها في رحلة القارب بين ليبيا وإيطاليا: "كان شعوراً صعباً. ولكن الأصعب من ذلك كان الشعور بالموت من حولهم".
قبل أن يغادر يوسف مصر، تمكن من تدبير عمل كسائق يتقاضى ألفي جنيه مصري (حوالي 66.50 جنيه بريطاني) في الشهر بعد استعارة سيارة عائلته. قال إنه قرر ترك زوجته بعد ثلاثة شهور من زواجهما لأنه شعر بالاختناق في مصر وأراد الخروج إلى إيطاليا للعمل فيها حتى يتمكن من إرسال المال إلى بلده للإنفاق على مولوده الجديد.
وقال: "لم أكن أطيق تكاليف المعيشة. قبل أن أسافر إلى إيطاليا، لم أكن أتمكن من توفير سوى 200 جنيه مصري في الشهر".
مثله في ذلك مثل أعداد متزايدة من الشباب المصريين، اختار يوسف الهرب من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ومن
القمع السلطوي.
سلك في رحلته مساراً مطروقاً للهجرة بشكل جيد كانت الدولة المصرية من قبل تعمل بقوة على منعه بدعم من الاتحاد الأوروبي. ولكن تم مؤخراً بعث هذا المسار من مصر إلى الساحل الليبي ثم إلى إيطاليا بعد خمسة أعوام من التناقص في أعداد المهاجرين عبره. فحتى الآن، وصل إلى إيطاليا عبر ليبيا هذا العام ما يزيد عن 200 ألف مصري، وهذا يكاد يقترب من ثلاثة أضعاف عدد من عبروا في مثل هذا الوقت من العام الماضي، بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية الإيطالية.
إنهم يهربون من اقتصاد ينهار بشكل متسارع، وذلك بعد أن فقد الجنيه المصري أكثر من ثلث قيمته مقابل الدولار هذه السنة، مع ما رافق ذلك من ارتفاع حاد في التضخم، والذي يسبب بدوره ارتفاعاً حاداً في تكاليف المعيشة بينما تغرق الدولة أكثر فأكثر في الديون.
وبحسب الإحصائيات الرسمية الأحدث حول معدل الفقر في البلاد، على الأقل من ثلاث سنوات مضت، فإن ما يقرب من ثلث سكان البلد يعيشون دون خط الفقر. ولقد فرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي اكتسح طريقه إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في عام 2013، إجراءات تقشف نجم عنها توسيع الهوية بين النخب المسنودة من قبل الدولة والأعداد المتزايدة من المواطنين المصريين الذين باتوا الآن يجدون صعوبة بالغة في البقاء على قيد الحياة.
يقول محمد الكاشف، محامي حقوق الإنسان والخبير في الهجرة الذي يعمل مع واتش ذي ميد ومع شبكة الهجرة ميغريروب التي تتخذ من باريس مقراً لها: "إننا نرى الآن أعداداً متزايدة من المصريين يصلون إلى أوروبا بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي هناك. وهؤلاء أناس عاديون، بقوا يحدوهم الرجاء، لا ينتمون إلى أي حركة سياسية، ولكنهم صدقوا وعود السيسي خلال السنين الماضية، إلى أن تراجعت العملة وتجاوزت قيمة الدولار العشرين جنيهاً مصرياً، علماً بأن قيمته عندما وصل إلى السلطة كانت 6.5 جنيهاً مصرياً.".
بعض المصريين، مثل يوسف، يختارون ما يعتبرونه سبيلهم الوحيد للهرب، حتى وإن كانوا يخاطرون بالموت أثناء الرحلة التي يقومون بها إلى أوروبا. تقول وكالة اللجوء في الاتحاد الأوروبي إن أكثر من 45 ألف تأشيرة شينغن للدخول إلى أوروبا بشكل قانوني تم إصدارها من القنصليات في أنحاء مصر خلال العام الماضي، بما يعني أن ثلاثة من بين كل أربعة متقدمين بطلبات الحصول على التأشيرة تقريباً تم منحهم تأشيرة دخول قانونية. إلا أن هذه الأعداد تمثل أقل من ثلث عدد تأشيرات شينغن التي كانت تصدر سنوياً للمصريين خلال السنوات التي سبقت جائحة كورونا، وتعتبر جزءاً ضئيلاً جداً بالنسبة لتعداد سكان مصر الذي يزيد عن مائة مليون نسمة، والذين يشكو كثيرون منهم من أن إجراءات طلب التأشيرة معقدة وباهظة التكاليف وتمارس التحيز، الأمر الذي يحول دون قدرة الناس على سلوك السبل القانونية للسفر.
ويقال إن إحياء خطوط التهريب التي كانت في الماضي مزدهرة يعود إلى إطلاق سراح عناصر كبيرة من المهربين الذين كانوا يديرون شبكات التهريب، وذلك بعد أن كانت السلطات المصرية قد أوقعت بهم ثم سجنتهم قبل خمسة أعوام على الأقل، على إثر سلسلة من كوارث القوارب التي وقعت في عام 2015 ثم في عام 2016 ونجم عنها موت المئات في البحر قبالة سواحل مصر الشمالية.
يقول الخبراء إن كبار المهربين أنهوا الآن أحكام السجن التي كانت قد صدرت بحقهم وعادوا إلى المهنة الوحيدة التي يجدونها متاحة أمامهم، ولعل ذلك يعود إلى حد كبير إلى استيلاء الجيش المصري على قطاع صيد السمك، مما حرم أصحاب القوارب من قرصة ممارسة الأشكال القانونية للعمل.
غدت قوارب الصيد الكبيرة التي كانت تستخدم في العمل القانوني وسائل نقل تستخدم في تهريب البشر عبر البحر المتوسط. يقول موريس ستيريل، من مؤسسة ألارم فون، وهي منظمة متخصصة في مساعدة المهاجرين الذين يجدون أنفسهم في خطر أثناء عبورهم للبحر المتوسط: "لقد شهدنا منذ نهاية شهر أكتوبر / تشرين الأول ارتفاعاً في عدد من يعبرون من طبرق في ليبيا، عندما غادرت طبرق عدة قوارب محملة بأعداد كبيرة من الناس ووصلت إلى السواحل الجنوبية لصقلية.
نحن نتحدث عن قوارب يحمل على متنها ما بين 400 إلى 700 شخص – قوارب صيد ضخمة وقديمة أعيد تهيئتها بشكل لا يكاد يصدق من أجل تهريب البشر. وهذا تطور جديد، وما يزال في تزايد.".
وقال إنه بالرغم من الأحجام الكبيرة لهذه القوارب، إلا أنها تكون شديدة الازدحام، وتجازف بالقيام برحلة بالغة الخطورة. ويضيف: "نحن الآن في الشتاء، والمناخ متقلب، ويمكن أن يحدث أي شيء في البحر. إنها وسيلة سفر بالغة الخطورة. فالرحلة طويلة، ولا توجد منظمات طوعية غير حكومية للمساعدة في عمليات الإنقاذ في المناطق الشرقية من ليبيا، ولذلك يجب على القوارب الاقتراب من المياه الإقليمية الأوروبية حتى يتسنى إنقاذها".
يقول المهرب الليبي الحاج محمد إنه يعمل هو وشقيقه في التهريب منذ وقت طويل، ويصف الطريقة التي يتم بها ترتيب السفر لمن يرغب في الهجرة، حيث يقوم مقابل رسم قدره 120 ألف جنيه مصري (ما يعادل أربعة آلاف جنيه إسترليني) بترتيب سفر المهاجر جواً من مصر إلى ليبيا ثم وضعه على متن قارب يتسع في العادة لما يقرب من 250 شخصاً. ينطلق القارب من مدينة زوارة في الغرب الليبي إلى لامبيدوزا في إيطاليا.
ويقول عن ذلك: "يعاني زبائني الذين يأتون من مصر من أوضاع معيشية بالغة القسوة، ولهذا السبب فهم يهاجرون".
أحد هؤلاء المهاجرين شاب اسمه المستعار أيمن، وقد بدلنا اسمه أيضاً حفاظاً على سلامته. إنه واحد من آلاف المصريين الذين سافروا من زوارة إلى إيطاليا. ومثل يوسف، يقول أيمن إنه دفع مائة ألف جنيه مصري (ما يعادل 3.3 ألف جنيه إسترليني) لمهرب اسمه المستعار رضا، وهو كما يقول أيمن "مشهور في الإنترنيت، وذلك أنه كلما هرب قارباً ممتلئاً بالناس فإنه ينشر أخبار الرحلة عبر الفيسبوك." ولعل المهرب في زوارة، والذي ينظم ذلك الجزء من الرحلة، أكثر بهرجة، إذ يقول عنه أيمن، في إشارة إلى العلاقة الوثيقة بين المهرب والسلطات المحلية: "كان يرتدي زي دائرة شرطة زوارة وكان يقود سيارة مرسيدس".
في أواخر شهر أكتوبر / تشرين الأول، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً هو الأخير ضمن سلسلة من الاتفاقيات المبرمة مع مصر بهدف الحد من الهجرة. يشتمل الاتفاق هذه المرة على تقديم منحة إلى مصر قدرها 80 مليون يورو لتعزيز قدرات حرس السواحل المصري والقوات البحرية من أجل وقف تدفق البشر عبر البحر المتوسط.
يقول الكاشف: "إن الاتحاد الأوروبي على استعداد للذهاب بعيداً من أجل إغلاق حدوده وسد المعابر. وبينما لديهم الاستعداد لفتح الأبواب في حالات مشابهة أمام السوريين والأوكرانيين، نظراً لحاجتهم إلى الناس ليعملوا ويدفعوا الضرائب، فإنه لا يسرهم استقبال الناس من البلدان الأفريقية الأفقر والاستثمار فيهم".
ما من شك في أن التمويل الأوروبي مربح لقوات الأمن المصرية، ولكن لا يتوقع له أن يجدي نفعاً كبيراً في اجتثاث شبكات التهريب التي تتخذ الآن من ليبيا مقراً أساسياً لها، وحيث تستشري الانتهاكات. في شهر مارس / آذار الماضي، أعلن الجيش الألماني وقف برنامج مثير للخلاف لتدريب عناصر حرس السواحل الليبي، والذي يتشكل من ميليشيات منتشرة على طول سواحل البلد، وذلك بسبب ما يرتكب من انتهاكات بحق المهاجرين.
يقول يوسف إن ارتفاع معدلات الهجرة من ليبيا ومصر يعود إلى تساهل السلطات. ويضيف: "حينما تحتجز السلطات الليبية قارباً واحداً فإنها تسمح لخمسين آخرين بالمغادرة".