نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا، قالت فيه إن الشباب
الإيراني الغاضب على السلطات في بلاده بات يستهدف أصحاب العمائم.
وقالت نجمة بوزجمهر، مراسلة الصحيفة من طهران، إن شبابا وشابات ركضوا باتجاه رجال الدين في الشوارع، وضربوا عمائمهم، وأطاروها من على رؤوسهم، ثم لاذوا بالفرار ضاحكين، وكأن ما فعلوه هو لعبة.
فعلى مدى أربعة عقود، لم يتسامح رجال الدين الشيعة مع النهج المتعلق بالحريات الاجتماعية، وفرضوا زيا على النساء، وقيدوا الرقص وتناول الكحول في الأماكن العامة، إلا أن الرأي العام تحول ضد المؤسسة المحافظة في أعقاب التظاهرات، التي اندلعت بعد مقتل الفتاة البالغ عمرها 22 عاما مهسا أميني في أثناء احتجاز شرطة الأخلاق لها. وكانت قد اعتقلت بسبب عدم ارتدائها غطاء الرأس بطريقة مناسبة.
وكإشارة عن ردة الفعل السلبية ضد علماء الدين الشيعة، انتشرت أشرطة فيديو معادية للنظام، وتظهر محتجين وهم يستهدفون عمائمهم ويرمونها على الأرض في عدد من المدن الإيرانية، ومع أن الظاهرة ليست منتشرة بشكل واسع، إلا أنها منعت بعض رجال الدين من ارتداء العمامة في الأماكن العامة.
وقال محلل بعقلية إصلاحية: "هذا الفعل الجريء ليس كثيفا، ولكن له أهمية رمزية، ويخلق الخوف بين رجال الدين، الذين باتوا يتساءلون عن المدى الذي سيذهب إليه المحتجون". وقال إن "الضغط على القطاعات الدينية في المجتمع باتت قوية. وهناك مخاوف من أن يحدث هذا للنساء المرتديات للشادور أيضا".
ورغم اندلاع تظاهرات في إيران من قبل، إلا أن التظاهرات الحالية هي المرة الأولى التي يتجرأ فيها المتظاهرون على الدعوة للإطاحة بالنظام.
وبات شعار المتظاهرين "قوانين، دبابات، ومفرقعات نارية، على رجال الدين الذهاب للجحيم". ويعيش مئات الآلاف من طلاب وطالبات الحوزة الدينية في إيران، والتي لديها أكبر المدارس الشيعية في العالم. ومن يتم استهدافهم من رجال الدين ليسوا بالضرورة مرتبطين بالمؤسسة السياسية أو من الأغنياء، لكن المحتجين يرون أنها لعبة عادلة.
وقال رجل الدين محمد علي أبطحي ونائب الرئيس السابق: "عندما لا يستطيع الناس الوصول إلى رجال الدين في الحكم، فهم ينتقمون من رجال الدين هؤلاء الذين يعيشون حياة عادية ومن دون مراكز في المؤسسة السياسية أو حراس".
وأضاف أن "فعل ضرب عمائم رجال الدين ورميها عن رؤوسهم يعدّ إهانة كبرى في عالم رجال الدين".
وتم استهداف رجال الدين بهذه الطريقة من قبل، وعادة من رجال دين آخرين أو أتباعهم. ويتذكر أبطحي كيف قام رجل دين متشدد بضرب عمامته عندما زار مدينة قم عام 2014.
وأصبح رجال الدين في مركز السياسة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية عام 1979 وإدخال آية الله الخميني نظرية ولاية الفقيه في الحكم. ونظرا لموقعه الديني البارز وجاذبيته السياسية، لم يواجه إلا تحديات قليلة من بقية رجال الدين. ومنذ عام 1989، وعندما حل آية الله
خامنئي محله، بات رجال الدين يتدخلون في السياسة الإيرانية. وحتى لو أراد الساسة في طهران تلبية المطالب بتوفير حريات اجتماعية أوسع، فإنهم واجهوا معارضة من رجال الدين.
ويتردد هؤلاء الذين يتهمهم الناس بفقدانهم العلاقة مع المجتمع الحديث، بمنح المرأة مساحة أوسع للمساهمة في الحياة العامة. ولم يتم تخفيف القيود حول حضور النساء لمباريات كرة القدم إلا في الفترة الأخيرة. ويمنع عليهن قيادة الدرجات النارية، ومن النادر رؤية وزيرة في الحكومة، وتعكس القوانين بشأن الطلاق وحضانة الأولاد والميراث النصوص الإسلامية.
وعندما ذهب أبطحي إلى قم عام 2001 لحث رجال الدين هناك على دعم تعيين نساء في الحكومة، أخبره المرجعية في حينه، لطف الله صافي غليايغاني، أنه سيدعو أنصاره للتوقف عن دفع الضريبة لو تم تعيين امرأة كوزيرة.
ودفع تظاهرات هذا العام رجال الدين تقديم تنازلات أمر ليس معروفا. والتزم الكثير منهم الصمت بشأن الاضطرابات، ولم يعلقوا على الوضع الذي ترفض فيه الكثير من النساء تغطية رؤوسهن في الأماكن العامة، وهو أكبر تغير منذ الثورة قبل أكثر من 40 عاما.
ويعلق عباس عبدي، المحلل الإصلاحي في الصحافة المحلية: "ما يحدث في المدن يكشف لرجال الدين المخاطر، وأن الطريق الذي مشوا فيه لم يكن صحيحا". وأضاف أن رجال الدين ظلوا من الناحية التاريخية مستقلين عن السلطة السياسية، إلا أن علاقاتهم القريبة من النظام قد تؤدي لخسارتهم موضعهم كصوت الأخلاق في المجتمع.
وفي الوقت الحالي، وعدت السلطات بمحاكمة أي شخص يتحرش برجال الدين. وحذر علي رضا عرافي مدير الحوزات العلمية قائلا: "من يهاجم عمائم رجال الدين، عليه معرفة أن هذه العمائم هي أكفانهم، وسيضحون بحياتهم من أجل الإسلام والجمهورية".
وكان رد فعل الرأي العام لاستهداف عمائم رجال الدين مزيجا. وقال الفنان أمير: "على رجال الدين معرفة ما فعلوه للناس لـ43 عاما، وهل من الجيد التحرش بملابسهم؟".
لكن إلهي، 49 عاما، علق قائلا: "يجب علينا عدم معاملة رجال الدين بالطريقة التي عاملونا فيها، ويجب أن تكون أفعال العصيان المدني التي نقوم بها حضارية". ويقول محللون إنه من الصعب التخلص من المؤسسات الدينية من دون استفزاز ردة فعله، وبخاصة من العائلات.
ولهذا السبب لم يتم استهداف الحوزات في قم. وقال محمد جواد لانكراني، رجل الدين البارز في المدينة المقدسة: "حان الوقت لأن نؤكد حضورنا بهذا الزي في الأماكن العامة"، و"حتى لو صفعنا من أجل الإسلام فعلينا ألا نغادر المشهد".
للاطلاع على النص الأصلي (
هنا)
هروب إلى العراق
في سياق متصل، نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية تقريرا لمارتن شولوف، بعنوان "الهروب من إيران: المتظاهرون يعيدون التجمع في العراق بعد رحلة محفوفة بالمخاطر".
ويقول التقرير إنه قبل نحو شهرين، كان بايمان، المتظاهر الذي يقيم في مدينة مهاباد الإيرانية المضطربة، يقبع في أحد المستشفيات، تحت حراسة عناصر الشرطة، الذين أطلقوا عليه الرصاص، خلال مشاركته في مظاهرة مناهضة للنظام.
ويضيف أن الطلقات "اخترقت قدمه وجذعه، كما تلقى ضربات بالعصي الخشبية على رأسه، فسقط على الأرض يعاني آلاما شديدة، وكان بحاجة لرعاية طبية، لم يكن ليحصل عليها في ظل نظام، بلا رحمة، منذ بداية الانتفاضة المناهضة له قبل نحو 3 أشهر، والتي تشكل تهديدا عميقا للنظام الحاكم المتشدد في إيران".
ويقول: "بايمان وأقاربه كانوا بين عدد قليل من المتظاهرين الذي تمكنوا من القيام برحلة مشوبة بالمخاطر نحو الأمان في العراق، حيث يحاول بعض الناجين أن يقوموا بإعادة تجميع أنفسهم".
ويشير التقرير إلى أن المسؤولين الأكراد يقدرون عدد الفارين من إيران مؤخرا بالعشرات، بينما يقدر المتظاهرون أنفسهم بأنهم مئات قليلة.
وينقل التقرير عن بايمان، الذي كان يرقد على الأرض، ويغطي نفسه ببطانية بينما يتنفس بصعوبة، قوله إن العنف المتزايد الذي يواجه النظام به المتظاهرين، في مهاباد، ذات الغالبية الكردية والواقعة شمال شرقي إيران، يأتي بسبب أنها تشكل أخطر تهديد لنظام الملالي، منذ نشأته قبل نحو 43 عاما.
ويقول بايمان، الطبيب البيطري، إن "مهسا أميني كانت كردية، صحيح، لكن الثورة خيار شعبي، اتخذه الشعب بأسره، عبر أنحاء البلاد المختلفة، وبينهم البلوش والآذريون والفرس، والأعراق الأخرى، لأننا جميعا اكتفينا منهم ومن قمعهم".
ويواصل التقرير نقله عن بايمان قوله: "لا تخطئوا الأمر، إنها ثورة من يومها الأول، وليست مجرد انتفاضة، والتيار الثوري الذي بدأها سيستمر حتى ينهيها، فهم ضعفاء، ويشعرون بالرعب منا"، ولذلك يعتقد أن المسؤولين يواجهون المتظاهرين الذين يتزايد عددهم يوميا بالعنف.