قال وزير التجارة
التونسي السابق وعضو المكتب
السياسي لحزب حركة الشعب، محمد المسيليني، إن حكومة بلاده ستكون أمام ثلاثة خيارات
وصفها بـ"القاسية" في حال فشلت المفاوضات مع
صندوق النقد الدولي، والتي
تشهد "تعثرا كبيرا".
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ"عربي21":
"إذا لم تتفق الحكومة مع الصندوق، فإن الأمر سيكون أصعب بكثير سواء على صعيد
العلاقات الثنائية أو بخصوص أسواق المال، وحينها لن يكون للحكومة إلا ثلاثة إجراءات
فقط، وهي الاقتراض الداخلي في حدود إمكانيات البنوك الداخلية، والرفع من منسوب
الجباية، وتأجيل دفع بعض الديون خاصة الداخلية منها".
وأكد المسيليني أن "تأجيل صندوق النقد عرض
ملف تونس على جلسة مجلس الإدارة نهاية 2022 له بُعدان: الأول تقني مرتبط بعدم
تقديم مجمل المصادر لتمويل حاجيات الميزانية للسنوات المقبلة، وخاصة المتعلقة بعام
2023".
وأوضح أن "صندوق النقد الدولي عادة ما
يطالب بخطة كاملة تتضمن موافقات مبدئية لتمويل الميزانية، ولا يكتفي بمقدار القرض
الذي سيمنحه لأي دولة، وفي حالة تونس فإن 1.9 مليار دولار على 48 شهرا تعتبر
مبلغا ضعيفا بالمقارنة بحاجيات الميزانية".
وأشار وزير التجارة التونسي السابق إلى أن
"الحكومة التونسية يبدو أنها لم تقدم وثيقة إجراءات واضحة تتعلق بحزمة
الإصلاحات واكتفت بالإشارة إليها خلال مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي".
تباين الرؤى بين الرئيس والحكومة
أما بخصوص البُعد الثاني للخطوة التي أقدم
عليها صندوق النقد، فرأى المسيليني أنها "تتمثل دون شك في الوضع السياسي؛
فالأمر مرتبط -في تقديرنا- بابتزاز السلطة التونسية والضغط عليها من أجل أجندات
معروفة، علما بأن الحكومة التونسية قد تكون هي التي طالبت بهذا التأجيل، نظرا
لتباين الرؤى بين الحكومة ورئيس الجمهورية في أهم الملفات المطروحة داخل
البلاد".
وقبل أيام، أرجأ صندوق النقد الدولي إلى أجل
غير مسمى النظر في ملف الاتفاق المبدئي لحصول تونس على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.
وأردف المسيليني: "في كل الحالات سواء
اتفقت الحكومة مع الصندوق لصرف هذا القرض أم لم تتفق فإن هناك صعوبات جدية لتعبئة
حاجيات الميزانية لسنة 2023 وغلق ميزانية 2022".
ونوّه إلى أنه "إذا ما حصل اتفاق بين
الحكومة والصندوق، فإن الحكومة ستتحصل على ما يشبه شهادة حسن السيرة التي تمكنها من
تعبئة بقية المبلغ المستوجب من العلاقات الثنائية ومن السوق المالية العالمية،
والتي لا يمكن أن توفر في كل الحالات أكثر من نصف مليار دولار في أحسن
الحالات".
وانتقد ميزانية الدولة لسنة 2023، قائلا:
"إنها لا تختلف عن سابقاتها؛ فهي تقريبا وثيقة موازنة بين القبض والصرف، ولا
ترتقي إلى مستوى قانون المالية لغياب إجراءات تنشيط اقتصادي حقيقية وواضحة".
إجراءات جبائية
ولفت الوزير التونسي السابق إلى أن تلك
الميزانية تضمنت "بعض الإجراءات الجبائية لتعبئة الموارد، ولا ترتقي لمستوى
الإصلاح الضريبي أو العدالة الضريبية، كما أن التعويل على الاقتراض لتمويل حاجيات
الميزانية يؤدي إلى ارتفاع الدين بشكل ملحوظ وخطير".
والبرنامج الإصلاحي التونسي الذي اشترطه صندوق
النقد، يتضمّن إصلاحات مالية وجبائية تهدف إلى دفع النمو والاستثمار وتحسين مناخ
الأعمال، ومنها إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتحكم بكتلة الأجور.
ومن أجل إنهاء
الأزمة الاقتصادية التونسية، دعا
المسيليني إلى "ضرورة وضع التصورات الفعّالة للخروج من النفق، وهو ما يتطلب
تشكيل حكومة سياسية تحمل برنامجا إصلاحيا حقيقيا يجري تنفيذه على مراحل على المستوى
الأدنى والمتوسط والاستراتيجي، ويكون هناك تشاركية حقيقية مع المنظمات
المعنية".
واختتم بقوله: "تونس تشتكي من خمسة ملفات
كبرى، وكل الأشياء الأخرى تتأثر بها ومرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي ملف
الطاقة، وملف المياه، والتصحر الصناعي، والفساد، وتدني الإنتاجية، ودون وضع الخطط
الاستراتيجية لإيجاد حلول لهذه المسائل الكبرى فلن يتحسن وضع الاقتصاد التونسي،
وسيبقى يراوح مكانه ولن تتمكن أي حكومة من وضع منوال تنمية جديد فعّال
وناجع".
ومنتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن
الصندوق عبر بيان، التوصل إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق مع تونس بشأن برنامج
مدته 48 شهرا بنحو 1.9 مليار دولار لدعم السياسات الاقتصادية للبلاد.
وتوقع الصندوق، وفق البيان، تباطؤ النمو في
المدى القريب، بينما سيؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية الدولية إلى الضغط على
التضخم والميزان الخارجي والمالي لتونس.
يشار إلى أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي،
شهد معدل التضخم في تونس ارتفاعا غير مسبوق إلى 9.8% في ظل استمرار تذبذب وفرة
السلع الأساسية محليا وارتفاع أسعارها عالميا، بحسب المعهد الوطني الإحصاء
(حكومي).
وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات
تفشي جائحة كورونا وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء الحرب
الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير/ شباط الماضي فضلا عن السياسات والإجراءات التي اتخذها الرئيس
قيس سعيد عقب انقلابه على الحكومة والبرلمان.