انعكست
الأزمة الاقتصادية الطاحنة في
مصر على أسعار المواد والسلع الغذائية واللحوم بأنواعها وتجاوزت أسوأ التقديرات، وبدأ الإعلام المحلي في دعوة المواطنين لتغيير عاداتهم الغذائية رغم بساطتها لتوفير أكبر قدر ممكن من المصروفات اليومية والشهرية، وصلت ذروتها حد
الترويج لتناول "أرجل الدجاج".
وتسببت أزمة شح الدولار في تكدس البضائع في الموانئ المصرية من بينها الأعلاف الخاصة بالمواشي والدواجن وسط دعوات لإنقاذ صناعة الدواجن التي تحقق فيها مصر اكتفاء ذاتيا ويتجاوز حجمها عشرات المليارات من الجنيهات وتشكل مصدرا رخيصا للبروتين.
ومع ارتفاع أسعار الدواجن بنحو 50% خلال الأشهر القليلة الماضية برزت على نحو واسع ومتزامن دعوات لشراء أرجل الدجاج بدعوى احتوائها على نسبة عالية من البروتين.
كانت البداية بقيام المعهد القومي للتغذية، التابع لوزارة الصحة والسكان، بتعديد فوائد أرجل الدجاج التي تعد بدائل غذائية غنية بالبروتين واقتصادية من الناحية المادية، في ظل ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء والحمراء، قبل أن تتلقفها وسائل الإعلام المحلية.
وروج المعهد القومي للتغذية، في منشور له في صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي لـ"أرجل الدجاج"، قائلا إنها من المصادر غير المكلفة، والغنية بالبروتين غير أنها تحتوي على سعرات حرارية ولكن بصورة معتدلة، فعند إزالة الجلد توفر رجل الدجاجة 106 سعرات حرارية في حين أن الفخذ بدون جلد الدجاجة يحتوي على 176 سعرا حراريا.
وواصل المعهد الحكومي الترويح لتناول أرجل الدجاج القول: "تحتوي أرجل الدجاج على البروتين والفيتامينات والمعادن اللازمة لإصلاح أنسجة الجلد ونمو العضلات غير أنها غنية بالكولاجين الضروري الذي يعمل على تجديد خلايا البشرة و تأخير علامات الشيخوخة والحفاظ على صحة الشعر والأظافر".
استياء واسع
بعد انتشار الخبر على المواقع الإلكترونية والصحف والقنوات الفضائية والدعوة لشراء أرجل الدجاج، فقد انتاب رواد مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الاستياء الواسع، وأعربوا عن غضبهم الشديد من الترويج للموضوع بعد غلاء أسعار الدجاج.
واعتبروا أن الدعوة تكشف عمق الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها الدولة وكذلك المواطنين بعد عجزها عن احتواء ارتفاع الأسعار، نتيجة تكدس البضائع والأعلاف في الموانئ لعدم توافر سيولة كافية من النقد الأجنبي للإفراج الجمركي عنها.
حث إعلامي وغضب بالشارع
وحذت بعض المؤسسات والوزارات حذو المعهد القومي للغذاء، وقال رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين، عبد المنعم خليل، إن مصر تصدر كميات كبيرة من أرجل الدواجن للصين لاحتوائها على مادة جيلاتينية تساهم في علاج آلام الظهر والمفاصل.
وزعم، خلال مداخلة هاتفية للبرنامج الذي يقدمه الإعلامي المحسوب على السلطة أحمد موسى، أن أرجل الدواجن من أنظف وأغلى وأفخم الأطباق في الصين، لاحتوائه على مادة جيلاتينية وغير ممنوعة، مشيرا إلى أنها من الأطباق المفضلة للصينيين ولها فوائد كبيرة.
واستهجن نشطاء ومواطنون الأسلوب الفج الذي تقدمه الصحافة والإعلام المصري في التعامل مع الأزمات التي تمر بها البلاد ويقع فيها العباد، وطالبوا بالكف عن الاستهزاء والتلاعب بعقول المواطنين ومحاولة تغيير عاداتهم الغذائية رغم بساطتها بسبب ضعف دور الدولة.
ارتفاع سعر أرجل الدجاج
مراسل "عربي21" توجه إلى أحد محلات بيع الدواجن في القاهرة للاستفسار عن حقيقة بيع أرجل الدواجن وسعرها في السوق، وعند سؤاله عن وجود أرجل دجاج، أجاب صاحب أحد المحلات ويدعى سيد الفرارجي وهو ينظف بعض الدجاج وإلى جواره مساعده ضاحكا: "للأسف لا توجد لدي سوى هذه الكمية المتبقية فقط".
وإذا كان هناك سؤال أو إقبال على شراء الأرجل، فقد أوضح الفرارجي أنه "منذ عدة أيام زاد السؤال عن أرجل الدجاج، وفي العادة جميع الزبائن لا يرغبون في إضافة الأرجل للدجاجة بعد تنظيفها، وأحيانا كنا نقوم برميها أو بيعها بسعر زهيد لكن الوضع الآن تغير، فهناك من يسأل عن هياكل الدجاج".
وبشأن أسعار أرجل الدجاج، قال إن "سعر الكيلو كان نحو 3 جنيهات فقط، ولكن مع ارتفاع أسعار الدواجن إلى 46 جنيها للفراخ البيضاء فقد وصل سعر كيلو الأرجل إلى 10 جنيهات".
شدة مستنصرية تلوح بالأفق
في سياق تعليقه على الترويج لأرجل الدجاج، قال المحلل السياسي والاقتصادي، محمد السيد، إن "ما صدر من المعهد القومي للغذاء بشأن فوائد أرجل الدجاج والترويج لهذا الكلام عبر إعلام
النظام يدل بلا أدنى شك على الحالة التي وصل إليها الوضع الغذائي في مصر".
وأضاف لـ"عربي21" أن "النظام لم يعد يبالي بمعاناة الملايين من المصريين، لقد أصبح الإنسان ينافس بعض الحيوانات في طعامها، وهذا مؤشر على الوضع المأساوي الذي وصلت إليه البلاد في ظل نظام فاشل يتعمد إذلال الجميع، والتعويم الحاصل للعملة لم يتوقف وانهيار الجنيه لا قاع له وهذا كله يعني ضعف القدرة الشرائية لملايين المصريين وغلاء أسعار السلع".
وأردف: "إننا نسير نحو شدة لا يعلم مداها إلا الله، فهناك نقص في الموارد المائية بعد بناء سد النهضة، وسوء إدارة ونهب للمال العام وتفشي الفساد والرشوة وارتفاع في الديون الخارجية والداخلية، والأسباب التي أدت إلى الشدة المستنصرية متوافرة الآن وأكثر مما كانت عليه حينها، لكن أعداد المصريين كانت أقل بكثير مما هي عليه الآن، بالتالي فإن سوء العاقبة سيكون كارثيا".
وكانت مصر في عهد الفاطميين عاشت حقبة تاريخية مؤلمة في عهد المستنصر بالله، الخليفة الخامس من خلفاء الدولة العبيدية الفاطمية في مصر، والثامن منذ نشأتها بالمغرب، وأشهر أحداث عصره الشدة المستنصرية أو ما يعرف في كتب المؤرخين بـ"الشدة العظمى"، وهي مصطلح يطلق على المجاعة والخراب الذي حل بمصر لمدة سبع سنوات عجاف (457هـ- 464هـ / 1065م- 1071م).