الهُوية والكينونة
تساءل الفلاسفة ومنهم
مارتن هايدجر وجون لوك ومن قبلهم أفلاطون، وتبعهم بهذا فلاسفة مسلمون لم يدخلوا في
معاني وعمق القرآن، عن
الهوية والكينونة والصيرورة والتغير في هذه الحالات، فكانوا
يقيسونها على صعيد الفرد بصفة المجموع، وهنا يكونون قد فقدوا عاملين مهمين مترابطين
بشكل كبير؛ وهما وحدة الوجود وماهية
الخلق لهذه المفردات، أي ماهية الجنس البشري
وليس ماهية الفرد.
ورغم تشابه
الماهية عند نقطة
الكينونة حيث يمكن أن يكون منطق الشيء واحدا، لكن مع الزمن الذي
يمر على الإنسان وتأثير الأحداث عليه تصبح له ماهية للكينونة الفردية. كذلك هي الأفكار
كحضارة وعمليات التطور الصناعي المدني والخليقة نفسها منذ أن كانت رتقا ففتقها الرحمن
بإرادته وتحررت الطاقة، وما زالت تتفاعل وتتغير صيرورتها مع الزمن وتتشكل منها ماهيات
فردية متعددة، لكن تبقى وحدة الوجود معبرة عن الخليقة بأنها ذرات وجزيئات، وإن
تحولت إلى فوتونات وأوتار وما لا يعد ولا يحصى من الذي نراه وما لم نره من ماهيات
فردية.
الغاية من هذا
الكلام أن الإنسان نفسه هو المخلوق وهو ذاته العجوز الذي يموت ضمن الكينونة العامة
وكينونته الفردية، فجواب الحيرة أن ماهية الآدمي هي التغيير والتطور بعامل الزمن
والمعلومة، وإعمال التفكر لعقل وهضم المعلومة لا يتحول لكائن آخر وإنما يسير
المسار المخلوقة به ماهيته، لكن الفلاسفة قد يحتارون عندما يتصورون الأمور بشكل
ثنائية الأبعاد، بينما إعمال الفكر غاية من أجلها كان آدم على الأرض.
معادلة الحياة:
"الكينونة"
وهي كل ما كان وسيكون لتشكيل محفظة الهوية للإنسان سواء بماهيته العامة أو ماهيته
الفردية، وهي العامل الأول في معادلة الحياة.
"الزمان"
الذي يمر على كل المخلوقات في الدنيا إلا النفس البشرية، والتي لا تكبر بالسن وإنما
تأخذ من الزمن ما يستجد من معلومة وما تنتجه الإنسانية وما ينتجه الفرد لهذه الإنسانية.
وكل أمة أو فرد لا بد أن يتغيرا مع الزمن ويتطورا علميا، وتتغير الهيئة لتصل إلى "صيرورة"
مرتبطة باللحظة والآن. والصيرورة هي معامل الزمان وتجسيد للزمن في العصور، وقد
يتغير الإنسان بين لحظة وأخرى وفق المعلوماتية والتفاعل الزمكاني لتجد صيرورة أخرى
له.
فإن لم تتطور
المخرجات وتتوسع الأفكار مع الزمن فهذا خلل كبير في المعادلة المتعددة الأبعاد المشكّلة
لمجسم الهوية بل الحياة الوجودية، ومنها: الكينونة، الزمن، الصيرورة، الرغبة في
التغيير، الغرائز، الحاجات، التقاء وإدارة المصالح.. ماهية النفس البشرية ثبات
الكينونة مع تطورها كسلوك ومشاعر وأفعال، وربما تبني لمعايير متعددة للأخلاق.
الكينونة
والصيرورة واحدة عند من لا يمر عليه الزمن، وهو ما خلق ممن لا يخضع للزمان فلا
يكون في زمن ما، وهذا معنى الخلود في حياة بلا تأثير الزمن، كالنفس البشرية خالدة
في حقيقتها فإن مات الإنسان في الدنيا انتقل إلى حالة أخرى وزمكان آخر، وليس الموت
هو الفناء للإنسان. من أجل هذا، فأي خطوة نتحرك بها لها ما سيكون من أثر عبر
الحياة الكلية التي نحن نعيش إحدى مراحلها التي تنتهي بدفن الجسد الذي يتأثر
بالزمن، وإن ثبتت الصيرورة ولم تتغير مع الزمن فسيكون هنالك الفوضى والاضطراب
والضعف الإداري للكينونة، كأن لا تقبل المخالف أو تفهم أنك وكيل الخالق عن العباد،
أو أن الحقيقة أنت من يملكها وأن لا حاجة للتفكير والتغيير، بل يعد التحديث من
المصائب والكفر بكل المعتقدات.
وهذا ما نلاحظه
عند الناس هذا الزمان، وذلك بسبب ضعف الفهم عند المرشدين ونقصهم المعلوماتي
وتركيزهم على الرعوية وشيطنة غيرهم وإن لم يك عدوا لهم، فخسران الرعوية يفقد هؤلاء
الناس مكانة وهمية لذا يجمدون المنظومة العقلية عندهم وعند من ينصحونه، فالأمر لا يتعدى
ثبات ما يؤمنون به ومقاومتهم لسنن الكون، ثم خضوعهم لها بما يديم تلك المصلحة،
وهذا يبقي الإنسان في حيرة لضبابية منظومته الفكرية.
من أجل هذا جعل
الله القرآن مثاني (طيات) تفتح مع الزمن لتعالج زمكانها، وقد تكون بنظامين في زمان
واحد في مكانين، وهي بالتأكيد تتغير وتتجدد في المكان الواحد في زمانين، فعلاقة
كينونتها مع الزمن علاقة مزدوجة..
القرآن لا يمر عليه الزمن بأن يكون عتيقا، لكنه
يتفاعل مع الزمن في تجديد مخرجاته الفكرية، وهذا ما ينبغي أن يفهمه الدعاة ومن يظن
أنه يلتزم الإسلام، لأن الإسلام ليس نسب دم يؤخذ بالولادة وإنما هو وطن فكري
لحامله، أما العصبية والعنصرية والطائفية ورفض الآخر، أي آخر مهما اعتقد وإن كان
ملحدا، فهذا ليس من فهم مثاني الإسلام في عصرنا، لأن الناس كلهم يُمتحنون بأهليتهم،
وليس من أحد وكيل لله في أرضه؛ تلك الوكالة التي يمتهنها البعض وهي لم تعط لرسول
الله لندعيها نحن، فالناس بأهليتهم يقررون ويحاسبون كما غيرهم بالقانون؛ إن أحدثوا
سلبا ويكافأون بالقانون إن أحدثوا إيجابا. والأصل هو تفعيل المنظومة العقلية
والسلالة لعمارة الأرض، وبهذا يُمتحن آدم وحواء.