قالت صحيفة
"فاينانشال تايمز" البريطانية، إن عام 2023 سيكشف عن الفائزين والخاسرين في صراع معركة الطاقة التي أشعلها غزو الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين لأوكرانيا خلال عام 2022.
وأشارت في تقرير ترجمته "عربي21" إلى وجود العديد من الأدلة التي تؤكد على قوة سلاح الطاقة والعواقب غير المتوقعة لاستخدامه، مستطردة: "هناك العديد من الفرص أن تتحول أزمة الطاقة الأوروبية بنتائج عكسية على
روسيا نفسها".
وأوضحت الصحيفة، أن الرئيس الروسي كان يستغل إمدادات الغاز في الضغط على الاتحاد الأوروبي، الذي كان يعتمد على موسكو في 40 بالمئة من وارداته من الغاز، وذلك قبل أن يأمر بدخول الدبابات إلى أوكرانيا، مشيرة إلى أنه بعد فترة وجيزة من غزو شباط / فبراير الماضي؛ فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية ومالية صارمة على روسيا، مما أدى إلى مناوشات حول العملة التي ستستخدمها دول الاتحاد الأوروبي لدفع ثمن الغاز، إلا أن الصراع الحقيقي اندلع في الصيف، عندما أوقفت روسيا إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب الرئيسي المباشر إلى ألمانيا، مما أدى إلى أزمة طاقة في جميع أنحاء القارة.
وقالت الصحيفة إن سعر الغاز الطبيعي الأوروبي ارتفع في ظل مخاوف من نقص الإمدادات خلال فصل الشتاء، وتحذيرات صندوق النقد الدولي من الركود الاقتصادي العميق؛ حيث ارتفعت تكلفة ميغاواط ساعة من الغاز من 25 يورو إلى أكثر من 11 مرة، لتصل لما يزيد قليلًا عن 340 يورو في آب / أغسطس الماضي.
وأفادت الصحيفة أن خطورة الأزمة كانت تكمن في أنه مقابل كل زيادة مستمرة في السعر تبلغ 100 يورو / ميجاوات في الساعة، سيتعين على الاتحاد الأوروبي دفع 380 مليار يورو إضافية لمصدري الغاز سنويًّا، أي ما يعادل 2.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا أو 4.5 بالمئة من استهلاك الأسر، لذلك يبدو أن العقوبات الأوروبية تضر بشعوبها أكثر من تلك الموجودة في روسيا.
واعتبرت الصحيفة أن الخريف جلب الإغاثة للقارة بدلًا من الخوف؛ حيث رأت الحكومات الأوروبية التهديد الذي تشكله الأزمة، فقامت معظمها بتخفيف ضريبة الطاقة على الأسر والشركات، مع وضع خطط لإنفاق حوالي 3 بالمئة من الدخل القومي على دعم الطاقة، وفقًا لمركز أبحاث بروغل.
ونقلت الصحيفة ما قاله بن مول، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد، من أن هناك أدلة على أن ارتفاع الأسعار شجع الأسر والشركات على خفض استهلاكها من الغاز وإيجاد بدائل للإمدادات الروسية بتكاليف منخفضة نسبيًّا، مما يدل على أن مرونة الاقتصادات الأوروبية كانت أكبر مما يُتوقع.
وأوضح كارستن برزيسكي، الرئيس العالمي للاقتصاد الكلي في بنك إن جي، أنه "ما لم تتعرض القارة لشتاء شديد في الأشهر المقبلة، فإن خطر أزمة إمدادات الطاقة أصبح منخفضًا للغاية".
وذكرت الصحيفة أن أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أصبحت واثقة بما يكفي لإعلان النصر في كانون الأول/ ديسمبر، حيث صرحت: "لقد نجحنا في الصمود أمام ابتزاز روسيا في مجال الطاقة... ونتيجة كل هذا هو أننا آمنون لهذا الشتاء"؛ حيث كانت مرافق تخزين الغاز الأوروبية ممتلئة بنسبة 85 بالمئة تقريبا في بداية عام 2023، وذلك مقارنة بمتوسط 70 بالمئة في نفس الوقت من العام خلال السنوات الخمس الماضية.
وبينت الصحيفة أن سعر الغاز الطبيعي الأوروبي انخفض بأكثر من 75 بالمئة؛ فقد تراوح حول 75 يورو لكل ميجاوات ساعة في الأسبوع الأول من كانون الثاني/ يناير، ورغم أن هذا كان لا يزال ثلاثة أضعاف المستويات العادية وأعلى بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة، ولكنه كان في متناول العديد من الأسر والصناعات.
ووفق الصحيفة؛ فقد حذر أخصائيو الطاقة من الرضا عن النفس؛ حيث أشاروا إلى أن الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال قد يرتفع هذا العام مع انتهاء سياسة الصين لمكافحة فيروس كورونا، مصحوبة بتقلبات هائلة في أسعار الطاقة، فقد قال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، إن "العديد من الظروف التي سمحت لدول الاتحاد الأوروبي بملء مواقع التخزين الخاصة بها قبل هذا الشتاء قد لا تتكرر في عام 2023".
ولفتت الصحيفة إلى أن التوقعات الجيوسياسية للطاقة تبدو أكثر ملاءمة مما كانت عليه عندما غزت روسيا أوكرانيا لأول مرة، وهو ما أكده أولي هانسن، رئيس إستراتيجية السلع في ساكسو بنك، الذي قال إنه مع انخفاض الطلب الأوروبي على الغاز بنسبة 10 بالمئة "انتهى الأمر بالقارة الآن في وضع كان لا يمكن تصوره قبل شهرين فقط؛ حيث تحتاج الأسعار إلى البقاء منخفضة من أجل تحويل شحنات الغاز الطبيعي المسال بعيدًا عن أوروبا، حتى لا تطغى على مرافق التخزين".
واختتمت الصحيفة تقريرها بأن المحللين ذكروا أنه سيكون هناك المزيد من التحولات في عام 2023 بعيدًا عن الغاز؛ حيث سيتم الاتجاه نحو توليد الكهرباء المتجددة، وإجراء المزيد من إعادة تنظيم العمليات الصناعية، وبالتالي زيادة أمن الاقتصاد الأوروبي وترك روسيا تفتقر إلى مستهلكها الرئيسي للغاز.