أكدت صحيفة
"فاينانشال تايمز"، إن دولة رئيس النظام
المصري عبد الفتاح
السيسي الجديدة التي وعد ببنائها قد فشلت بالفعل، على الرغم من مساعدات دول الخليج والمانحين.
وقالت الصحيفة البريطانية، في افتتاحيتها، الخميس: "كثيرا ما يفترض أن مصر أكبر بكثير من أن تفشل، وأن المانحين أو دول الخليج سوف يهبون باستمرار لإنقاذ القاهرة. ولكن الواقع هو أنه بوجود ما يقرب من ستين مليون نسمة تحت خط الفقر، أو فوقه بقليل، ويزدادون فقرا، فإن الدولة قد فشلت بالفعل".
وأضافت: "إذا كان حلفاء القاهرة جادين في مساعدة البلد، فإنه يتوجب عليهم الضغط على السيسي حتى يفي بتعهداته".
وفي ما يأتي النص الكامل لافتتاحية
"فاينانشال تايمز" كما ترجمته "عربي21":
منذ عقد من الزمن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعد شعبه بأنه سوف ينعش الاقتصاد ويبني دولة جديدة. ولكن عندما تمر بمصر هذا العام الذكرى السنوية العاشرة للانقلاب الذي أوصل قائد الجيش السابق إلى السلطة، فلن يشعر المصريون بكثير من البهجة.
الخلاصة هي أن مصر بلد يعيش في أزمة خانقة
بدلاً من ذلك، يكابد عشرات الملايين من المصريين من أجل توفير الطعام لأنفسهم ومن يعولون، في وقت يشهد تداعي
الجنيه المصري إلى مستويات غير مسبوقة وارتفاع التضخم إلى ما يزيد على الـ20 بالمائة. كما يعاني القطاع الخاص منذ ما يقرب من عام كامل من نقص حاد في العملة الصعبة، وهو نقص يكاد يخنق الأعمال التجارية تماماً. والخلاصة هي أن مصر بلد يعيش في أزمة خانقة.
مثلها مثل باقي الأقطار في العالم، تلقت هذه الدولة العربية ضربة بسبب جائحة كوفيد، وتواجه الآن رياحاً عاتية بفعل الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا. إلا أن نظام السيسي الاستبدادي يتحمل أيضاً جزءاً كبيراً من المسؤولية بسبب قيادته لدولة تعيش فوق إمكانياتها.
اضطرت مصر في العام الماضي إلى التوجه إلى صندوق النقد الدولي للمرة الرابعة خلال ست سنين. وحتى قبل ضمان الحصول على القرض البالغ 3 مليارات دولار في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، كانت مصر ثاني أكبر دولة مدينة بعد الأرجنتين. ويأتي في الصميم من مشاكلها المبالغة في الاعتماد على الأموال الساخنة التي تتدفق على دينها المحلي كمصدر للعملة الصعبة بالإضافة إلى التمدد العضلي لبصمات الجيش في كل أنحاء الاقتصاد.
انكشفت عورات الإجراء الأول عندما سحب المستثمرون ما يقرب من 20 مليار دولار من الدين المصري تقريباً في نفس الوقت الذي شهد قيام روسيا بغزو أوكرانيا. حينذاك اضطرت مصر، التي كانت تدفع أعلى معدلات فوائد حقيقية في العالم لجذب الأموال الاستثمارية وفي نفس الوقت لتعزيز قيمة الجنيه اصطناعياً، إلى التوجه نحو دول الخليج لإنقاذها. منذ ذلك الوقت والبنك المركزي يخفض قيمة الجنيه المصري على مراحل بهدف جلب التوازن ما بين العرض والطلب إلى سوق العملة. وقد تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على الانتقال إلى سعر صرف مرن، ما أفقد الجنيه ثلث قيمته مقابل الدولار منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
المشكلة الأعمق هي دور الجيش في الاقتصاد
والمشكلة الأعمق هي دور الجيش في الاقتصاد، وهو دور يكاد يشمل كل شيء من محطات الوقود إلى البيوت البلاستيكية، ومن مصانع المكرونة إلى مصانع الإسمنت، ومن الفنادق إلى النقل، بل وأكثر من ذلك. ويشرف الجيش بنفسه على المئات من مشاريع تطوير البنية التحتية في الدولة، بما في ذلك مشاريع التباهي والتفاخر مثل إنشاء عاصمة إدارية جديدة وإقامة مدن في وسط الصحراء.
إنها ظاهرة ينجم عنها مزاحمة قطاع خاص يحترز من التنافس مع واحدة من أقوى مؤسسات الدولة، وكذلك إعاقة الاستثمار الأجنبي المباشر الذي من المفروض أنه يولد الوظائف ويوفر مورداً للعملة الصعبة أكثر ديمومة. ولكن منذ أن توجه نظام السيسي إلى صندوق النقد الدولي للمرة الأولى للحصول على قرض إنقاذ قدره 12 مليار دولار في عام 2016، ظل الصندوق ومعه المانحون، وبشكل غير قابل للتفسير، يتعاملون بحذر مع الموضوع بينما أسقطت القاهرة دينها المحلي.
يبدو أن صندوق النقد الدولي قرر، ولو متأخراً، التعامل مع الموضوع من خلال القرض الأخير. يقول الصندوق إن القاهرة التزمت بتقليص "بصمة الدولة" في الاقتصاد، بما في ذلك في الشركات المملوكة من قبل الجيش، وذلك بالانسحاب من القطاعات "غير الاستراتيجية" ومن خلال بيع ممتلكات الدولة. وسوف يكون مطلوباً من الكيانات المملوكة من قبل الدولة تقديم حسابات مالية إلى وزارة المالية مرتين في العام وتوفير معلومات حول أي نشاطات "شبه مالية"، وذلك بهدف تحسين الشفافية.
الواقع هو أنه بوجود ما يقرب من ستين مليون نسمة تحت خط الفقر، أو فوقه بقليل، ويزدادون فقراً، فإن الدولة قد فشلت بالفعل
ويبقى الأمر الآن منوطاً بصندوق النقد الدولي وبالمانحين إذا ما رغبوا في استخدام سطوتهم لضمان التزام النظام الذي يقوده العسكر بما تعهد به من التزامات. وذلك أنه بعد إجراء بعض الإصلاحات في عام 2016 لضمان الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، استمرت الحكومة في توسيع دور الجيش، بينما أخفقت في إجراء أي تغييرات جادة يحتاجها الاقتصاد.
وكثيراً ما يُفترض أن مصر أكبر بكثير من أن تفشل، وأن المانحين أو دول الخليج سوف يهبون باستمرار لإنقاذ القاهرة. ولكن الواقع هو أنه بوجود ما يقرب من ستين مليون نسمة تحت خط الفقر، أو فوقه بقليل، ويزدادون فقراً، فإن الدولة قد فشلت بالفعل. إذا كان حلفاء القاهرة جادين في مساعدة البلد، فإنه يتوجب عليهم الضغط على السيسي حتى يفي بتعهداته.