نشر موقع "أويل برايس" البريطاني تقريرًا تطرق فيه لأزمة الطاقة التي يشهدها العالم، وتداعياتها على الجغرافيا السياسية العالمية.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن عالم الجنوب - كما يرى بعض الخبراء - قد بدأ يكتسب تأثيرًا متزايدًا في الجغرافيا السياسية على المسرح العالمي؛ حيث يعيد تغيّر المناخ وأزمة الطاقة، صياغة قواعد التجارة والاستهلاك؛ فبدلًا من أن يكون الدرس المستفاد من
أزمة الطاقة الأوروبية هو التنويع على مستوى الشركاء التجاريين ومصادر الطاقة، فإن عالم الشمال يسير نحو تقليص خياراته التجارية أكثر فأكثر.
ولفت الموقع إلى أن العالم يشهد حاليًا أزمة طاقة عالمية عميقة ومعقدة بصورة غير مسبوقة؛ فوفقًا لتوقعات الطاقة السنوية لهذا العام من وكالة الطاقة الدولية، فمن المستبعد في القريب العاجل، أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه "قبل وباء كوفيد -19" والحرب الروسية في أوكرانيا، حيث أعاد هذان الحدثان معًا، تشكيل تجارة الطاقة في جميع أنحاء العالم، وقد بدأت للتو تداعياتها على الاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية.
وبحسب الموقع؛ يبدو أن الجميع متفقون على أننا نعيش مرحلة إعادة تشكيل واسعة النطاق للجغرافيا السياسية العالمية، ولكن مع بعض التحفظ، نظرًا لما قد يحدث على مستوى التجارة العالمية بمجرد أن تهدأ أزمة الطاقة.
وفي هذا الشأن، يقول بعض الخبراء إن عالم الجنوب قد بدأ يكتسب تأثيرًا متزايدًا في الجغرافيا السياسية على المسرح العالمي، في حين يرى آخرون أن ممارسات العالم المتقدم في التعامل مع أزمة الطاقة، لن تؤدي إلاّ إلى مزيد من التهميش والعزلة للدول الأقل تقدمًا.
وفي مقال رأي حديث - أورده الموقع - لرافي أغراوال، رئيس تحرير مجلة "فورين بوليسي"، فإن الاتجاه الأكثر أهمية في السياسة العالمية لسنة 2023، هو أن عالم الجنوب أصبح أكثر وضوحًا وتأثيرًا في كل مشهد. فعلى سبيل المثال؛ يستشهد أغراوال بأن معظم البلدان المتقدمة قدمت قبل بضعة أشهر في قمة المناخ "كوب 27"، تنازلاتِِ كبيرةََ للبلدان الفقيرة التي لطالما تم إسكاتها وتهميشها، بما في ذلك إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" التاريخي، لمساعدة العالم النامي على مواجهة الأزمات المتعلقة بالمناخ.
وأشار أغراوال أيضًا إلى حقيقة أن موازين القوى ابتعدت بشكل واضح عن الولايات المتحدة التي لم تكن قادرة على إقناع العديد من الدول في العالم النامي بالعقوبات الأمريكية ضد
روسيا، حيث غلّب القادة من نيودلهي إلى نيروبي، مصالحهم الإستراتيجية الخاصة على مصالح الغرب.
ورأى الموقع أن أغراوال قد يكون محقًا في أن بعض البلدان الصغيرة والنامية أصبحت - بسرعة - لاعبًا أساسيًا على المسرح العالمي، ولكنْ من غير الواضح ما إذا كان محقًا في تأثيرها على صناع السياسة والشركات في الغرب. قد يكون محقًا إلى حد ما؛ لكن ليس لدرجة إحداث زلزال عنيف من التغيرات، ففي الوقت الذي تكتسب فيه هذه الدول اعترافًا وتأثيرًا متزايدًا في بعض النقاشات
الجيوسياسية الرئيسية، يتم أيضًا تهميشها وتعزيز وضعها المجهري على أصعدة أخرى.
وأضاف الموقع أن أزمة الطاقة غير المسبوقة بلغت الحد الأقصى بسبب اعتماد الغرب المضلل على نظام متقلب وأحادي الرأي، والآن، الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما الرئيسيون يبحثون عن سبل لتدارك هذا الخطأ الفادح، وبدلًا من تفويض منظمة التجارة العالمية بذلك، لجأت هذه الدول إلى السياسات الوقائية، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى استبعاد الدول الفقيرة، مما يقلص خياراتها التجارية بشكل كبير.
في هذا السياق؛ دعا القادة الغربيون على غرار وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين علنًا إلى تغيير الإستراتيجية، والتحول من تجارة "السوق الحرة" إلى فكرة "دعم الأصدقاء"؛ حيث تحوِّل البلدان سلاسلَ التوريد إلى "البلدان الموثوقة" ذات المعاملة المماثلة والولاءات السياسية.
وختم الموقع تقريره بالقول إن فكرة "دعم الأصدقاء" لا تبشر بالخير لجنوب الكرة الأرضية؛ فنظرًا لأن الدول الأكثر ثراءً في العالم ستتاجر بشكل متزايد مع بعضها البعض فقط، فإن أي مسار للتنمية الاقتصادية سيكون في منأى عن البلدان الأقل ثراءً. وفي حين أنه من الجيد والملائم أن الدول الغنية قد وافقت على إنشاء صندوق لمواجهة الكوارث للدول التي ستتضرر بشدة من تغير المناخ، فإن هذا الإجراء يمثل قطرة في بحر مقارنة بما تحتاجه هذه الدول بالفعل فيما يتعلق بالتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، لأنها لا تحتاج إلى مساعدات بل إلى اقتصادات قوية، فذلك وحده ما يمكّنها من التأثير على الجغرافيا السياسية للعالم.