تقارير

وليد سيف شاعرا.. حمل "التغريبة الفلسطينية" إلى الدراما العربية

أهم ما عُرف به وليد سيف هو الكتابات الدرامية التاريخية والاجتماعية رغم سبقه إلى الشعر
هو أحد أهم كتاب السيناريو العرب، إن لم يكن هو الأهم. شكَّل مع المخرج حاتم علي -رحمه الله- ثنائياً لا منافسَ له في الدراما العربية. وأنتجا أشهر مسلسلات الدراما التاريخية، وبرز بشكل لافت في: مسلسل التغريبة الفلسطينية، ومسلسل عُمر، ومسلسل صلاح الدين الأيوبي، والثلاثية الأندلسية.

سرقَتْه الدراما من الشعر، على غير تقدير منه، عندما عرض عليه أول مشروع درامي عام 1977، رغم تفوّقه شعرياً في بداياته وشهرته.. قدم معظم إنتاجه الدرامي للقضايا العربية والفلسطينية والإنسانية عبر التاريخ.


                                                               وليد سيف

إنه الشاعر والكاتب وليد سيف الذي لم أكن لأكتب عنه قبل أن أقرأ مذكراته، التي صادف أني أتممتُ قراءتها في ذكرى ميلاده الخامسة والسبعين، منذ أيام. هذه المذكرات التي سماها "الشاهد المشهود، سيرة ومراجعات فكرية" جاءت عميقة تجنّبت الحديث الشخصي العائلي، لصالح المراجعات الفكرية والاستطرادات التحليلية وشروح في اللغة والسياسة والمجتمع، في أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير. ولأول مرة في قراءاتي ـ رغم حرصي ـ أستخدم قلم رصاص في كتاب لأكتب ملاحظات وأخط تحت بعض التراكيب اللغوية خطاً، منبهراً من قدرته على التعبير. باختصار، قرأت مذكراته لأتعلم، وليس لأعرف فقط.

نشأته

ولد وليد إبراهيم سيف في 19 كانون الثاني (يناير) 1948، ونشأ في منزل قريب من وسط مدينة طولكرم، في عائلة محافظة، استلهم من أفرادها عدداً من شخصيات مسلسل "التغريبة الفلسطينية". حيث تفتّحت طفولته على جيرة مخيمات اللاجئين وتشكّلها وتطورها..

تلقّى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس المدينة، منها مدرسة الفاضلية، ومدرسة العمرية وغيرها، وأنهى الثانوية العامة في مدينته.

وكان متفوقاً في دراسته، والأول على صفه، نهماً في القراءة، ولا يضيع فرصة اللهو واللعب والخروج مع أصدقائه من أبناء مخيمات اللاجئين التي أقيمت في المنطقة. في أثناء دراسته الثانوية تحرك وعيُه ونشاطُه في تظاهرات الدعم للثورة الجزائرية، وأنشد مثل بقية الطلاب نشيد الجزائر قبل دخول الصف: قسماً بالنازلات الماحقات. وتبرَّع مثل الطلاب بمصروفه لدعم هذه الثورة ضد الاستعمار.

في هذه الأثناء، بنى صداقة ثقافية مع صاحب المكتبة الذي توسّم فيه خيراً، فكان يبيعه بالدين ولا يطالبه أبداً، فقرأ كل ما وقع في يديه من روايات وكتب ومجلات ثقافية مصرية ولبنانية وفلسطينية. حتى بات يراسل هذه المجلات وينشر قصائده فيها.

وحين التحق بالجامعة الأردنية في تشرين الأول (أكتوبر) 1966، استوقف اسمُه أحد الموظفين "فرأيته يقلّب البصر بيني وبين الوثائق أمامه..

ـ أنت وليد إبراهيم سيف؟
ـ نعم.
ـ هذا اسم ذاك الكاتب الذي نقرأ له في الصحف.
ـ هو أنا.
ـ أنت؟
ـ نعم.

وارتسمت على وجهه ملامح التعجب والإعجاب معاً. ومضى سريعاً في إنفاذ الإجراءات، وقد زاد يقينه بأن منحة الوزارة قد ذهبت لمستحقيها".

حصل من الجامعة على شهادة البكالوريوس في اللغة والأدب العربي، وكانت أيام الجامعة هي الأغزر في نشاطه وحياته، حيث أصدر، في سن الـ21 سنة، ديوانه الأول "قصائد في زمن الفتح"، عام 1969، الصادر عن دار العودة في بيروت (الدار التي كانت تصدر دواوين كبار الشعراء مثل إبراهيم طوقان وأبو سلمى ومحمود درويش وغيرهم). فبات اسمه في مصاف الكبار وهو لم يزل طالباً جامعياً.

في أثناء الجامعة، تلقى صدمة هزيمة 1967، فانتمى إلى الثورة الفلسطينية وشارك في معسكرات "فتح" في سوريا، وعاش شظف المعسكرات وصعوبة التدريبات.



في هذا الوقت تنقل فكرياً بين التيارات الفكرية السائدة، بين اليسار والتديّن الحركي وانتمى إلى الصوفية مدة من الزمن. وقد صنّفه النقاد إسلامياً في النهج والانتماء. وقد جرت معه بعض القصص بهذا الشأن، منها أن أدونيس رحب بقصائده في مجلة مواقف، ثم تراجع عن ذلك لاحقاً، وقد ألمح سيف في مذكراته إلى أن السبب قد يكون انتماؤه وميله للتديّن.

تخرج من الجامعة سنة 1970، وبعد صعوبات في تعيينه معيداً في الجامعة، حصل على فرصة التدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت مع النقاد الكبار يوسف نجم وإحسان عباس، وأصدر ديوانه الثاني "وشم على ذراع خضرة" عام 1971، عن دار العودة في بيروت أيضاً. وقد حظي الديوان الجديد بتقدير غامر في الأوساط الثقافية.



في عام 1972 حصل على منحة دراسية في الخارج، وتزوج من ابنة عمه قبل أن يسافر، ونال شهادة الدكتوراه في اللغويات والألسنيات من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن عام 1975. وعاد محاضراً في قسم اللغة العربية في الجامعة الأردنية مدة ثلاث سنوات، قبل أن يترك القسم ليعمل كاتباً متفرغاً للدراما التلفزيونية. وقد عمل في الدراما التلفزيونية.

وإن كنا نركز على الجانب الشعري من حياته، ودوره في خدمة الهوية والقضية الفلسطينية، فإن الشاعر وليد سيف كان أيضاً كاتباً درامياً، وكاتب قصة قصيرة، ومؤلفاً مسرحياً، وناقداً أدبياً وفنياً، وباحثاً أكاديمياً.

في الشعر كتب في العديد من الجوانب التي لفتت إلى تجديد موضوعاته الشعرية، وأصالة تناوله للموضوع، حيث يعترف الكثيرون من الشعراء بتأثير شعره عليهم.

ولعل أهم ما عُرف به وليد سيف هو الكتابات الدرامية التاريخية والاجتماعية. إلا أن "التغريبة الفلسطينية" كانت الأفضل فلسطينياً على الإطلاق، حيث تدور أحداث المسلسل في فلسطين والواقع الاجتماعي وجرائم الاستعمار وتشكّل الحركة الوطنية الفلسطينية، والثورة الفلسطينية الكبرى، ثم ذروة العمل الدرامي وهو النكبة في عام 1948، ثم تشكل المخيمات وبداية قضية اللاجئين، حيث قدم قصص اللاجئين الفلسطينيين الذين يحلمون بالعودة.

التكريم والجوائز

حصل وليد سيف على العديد من الجوائز، منها: جائزة عرار، جائزة غالب هلسا للإبداع الثقافي، جائزة أفضل كاتب دراما في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون لأربع سنوات متتالية، جائزة تايكي.. كما أنه تم تكريمه في مهرجان القدس السينمائي الدولي. وتوّجها العام الماضي بجائزة فلسطين التقديرية عن مجمل أعماله.

مؤلفاته الشعرية

للدكتور وليد سيف ثلاثة دواوين شعرية هي:
- "قصائد في زمن الفتح"، عام 1969.
- "وشم على ذراع خضرة"، عام 1971.
- "تغريبة بني فلسطين"، عام 1979.
- إضافة إلى قصيدتَي "البحث عن عبد الله البري" و"الحب ثانية".

مؤلفاته الدرامية

كتب الدكتور وليد سيف عدداً غير قليل من المسلسلات، منها الدراما التاريخية ومنها الاجتماعية ومنها السياسية المبطنة، ومن هذه المسلسلات:

الخنساء، عروة بن الورد، شجرة الدر، المعتمد بن عباد، طرفة بن العبد، عمرو بن هند، جبل الصوان، بيوت في مكة، الصعود إلى القمة، ملحمة الحب والرحيل، الدرب الطويل، صلاح الدين الأيوبي، صقر قريش، ربيع قرطبة، التغريبة الفلسطينية، ملوك الطوائف، عمر، وغيرها من المسلسلات.





ويعمل الآن على الجزء الرابع من الثلاثية الأندلسية، بعنوان "سقوط غرناطة"، ومسلسل "عمر بن عبد العزيز" الذي قيل إنه اعتذر عنه لمصلحة مشروع تحويل الدراما إلى الرواية.

مؤلفاته النثرية

"الشاهد المشهود: سيرة ومراجعات فكرية"، "ملتقى البحرين"، "مواعيد قرطبة"، "أسرار كتابة السيناريو ـ نظريات وتجارب"، "فن كتابة السيناريو ـ النظرية والتطبيق"، "الواقع والآفاق"، "ما السينما؟".



وقد بدأ سيف بتحويل أعماله الدرامية إلى روايات (على عكس ما جرت العادة)، فأصدر رواية "مواعيد قرطبة" المبنية على مسلسل "ربيع قرطبة"، ورواية "النار والعنقاء" في جزأين، وهي مبنية على مسلسل "صقر قريش"، ورواية "التغريبة الفلسطينية" في جزأين (أيام البلاد، وحكايا المخيم)، و"ملوك الطوائف" وغيرهما.

من شعره

أحنّ.. وقد يصير الحزن كالموّالْ
إذا مرّت على بالي..
مزارع شعرِكِ المنثورِ للأطفالْ
أحنُّ لقُبلةٍ خضراءَ ما ابتلّت بها شفتان
ولا فرحَتْ بها يوماً على الكفّينِ قُبّرَتان
أحنُّ لموعدٍ يندى به جرحان
ويرعى العمرَ فيه اثنانِ.. إنسانان
أحنُّ لقهوةِ المغربْ
وطفلٍ صادقٍ كالموتِ
يزرعُ في دمي
كوكبْ
أحنُّ.. وقد يصيرُ الحزنُ كالموّالْ
إذا امتدَّتْ على جرحي..
خطى الزيتونِ والأبطالْ
وإن عانقتُ في حزني صديقاً غابْ
وحينَ أتَوهُ لم يلقَوا
سوى ليمونةٍ في الدارِ تحكي عنه
للأحباب:

أحنُّ إليكْ
وقد يُحكى بأني كنتُ في يومٍ على كفّيكْ
وإني ساذجٌ كالعشبِ.. كالفرحة
وقد يحكونَ.. ما يحكون
وقد يحكونَ إني طيّبٌ كالحزن
كالقرميدِ
ولما جاءني السُّمّار لم يلقَوا سوى أهلي
ولكني أحنُّ إليك
لعصفورٍ على عينيك ينقر من يدي جمرة
ويصبحُ حينما ينهارُ سقفُ الليل
كوهجِ العمرِ والميلاد.. مقتولاً على
زهرة

أحنُّ إليك
وأحلمُ خلفَ عمر الصمتِ والأوجاع:
(إذ مرّت على جرحي..
عيونك.. والرذاذ الحلو.. قيثارة
يزهرُ قلبي الملتاع
شراعاً ربّما.. أو غابة خضراء..
أو حارة)

أحنُّ وقد يصير الحزنُ شُبَّابة
إذا ذكرَ المسافرُ في عروقِ النار..
أغانيه.. وأحبابه

*كاتب وشاعر فلسطيني