قال السياسي في حزب العدالة والتنمية
ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي، طه أوزهان، إن العالم يستقبل عاما
جديدا في وقت تستمر فيه الحرب الروسية الأوكرانية، وتمضي بكين في مسار جديد بعد
مؤتمر الحزب الشيوعي في العام الماضي، إضافة إلى ارتفاع الكوارث الطبيعية الشديدة
بشكل متزايد.
ولفت إلى إنه مع اقتراب الركود، قد
تواجه الولايات المتحدة، مثل غيرها من الاقتصادات المتقدمة، هبوطًا صعبًا، ويجب أن
تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنها قد تحتاج إلى مساعدة في أداء دورها في الأجندة
الجيوسياسية العالمية.
وقال أوزهان في مقال له على موقع
"
ميدل إيست آي" البريطاني، إنه وفي ظل تصاعد تهديد بلقنة الاقتصاد
العالمي، قد تصل المخاطر الجيوسياسية أيضًا إلى نقطة الغليان.
ولفت إلى أنه في نهاية المطاف، هناك
عقبات شديدة وفرص كبيرة عندما يتعلق الأمر بتقليل المخاطر الجيوسياسية في سنة
2023. وفي حال قدمت واشنطن إستراتيجية تعاونية وواضحة، فقد يكون العالم قادرًا
على تفادي الكساد الجيوسياسي العالمي أسرع بكثير مقارنة بالسنة الماضية.
وتساءل الكاتب: "لكن هل وضع
الولايات المتحدة يمكّنها من تولي مثل هذا الدور؟".
وتابع بأنه "في الوقت الذي تسعى
فيه الولايات المتحدة لاستعادة هيمنتها العالمية -التي فقدتها بالتأكيد ولا تمتلك
الوسائل الواضحة لاستعادتها- فقد فشلت في طرح منظور يمكّنها من تحمل المسؤوليات
المرتبطة بها".
وتاليا نص المقال كاملا:
لقد انتهت السنة الفوضوية والمخيبة
للآمال، وتبدو السنة الجديدة كأنها ستكون مماثلةً؛ حيث تعمل مجموعة متنوعة من
التحديات العالمية على تذكيرنا بأن آثار جائحة كوفيد-19 لا تزال قائمة، بما في ذلك
ارتفاع التضخم وضعف النمو واحتمالات الركود والحروب التجارية ونقص سلسلة التوريد.
وفي نفس الوقت، تستمر الحرب الروسية
الأوكرانية، وتمضي بكين في مسار جديد بعد مؤتمر الحزب الشيوعي في العام الماضي،
إضافة إلى ارتفاع الكوارث الطبيعية الشديدة بشكل متزايد، ما دفع الآثار
الاجتماعية والاقتصادية لتغير المناخ.
لقد بدأنا سنةً أصبحت فيها عملية
العولمة أكثر انقسامًا، واشتد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، وتضاءل
المنظور اللازم لمعالجة أزمات متعددة في وقت واحد في كل من شمال وجنوب الكرة
الأرضية، لذلك فإن التكاليف قصيرة الأجل للمعركة الحقيقية ضد التضخم العالمي لا
تقارن بالدمار الذي يمكن أن يسببه على المدى المتوسط والطويل إذا تُرك دون رادع.
في سنة 2022، تم تحديد أجندة الجغرافيا
السياسية العالمية لسنة 2023؛ حيث سيكون اتجاه التنافس بين الولايات المتحدة
والصين والقضايا التي أثارها غزو روسيا لأوكرانيا من العوامل الرئيسية، ولكن على
عكس السنة الماضية، التي ركزت على الخطابة والمناقشات السياسية الغامضة، سيتم الآن
اختبار الممارسات الفعلية.
في سنة 2023، سنرى حدود سياسة واشنطن
تجاه
الصين، ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تقييد الصين من خلال
الحروب التجارية، فإنها تعطي الإشارات الأولى للاستسلام لموجة جديدة من الحمائية،
لا تختلف كثيرًا عن تلك الموجودة في بكين، حيث تستمر سياسة "أمريكا
أولا"، والتي عبر عنها الرئيس السابق دونالد ترامب بعبارات مبتذلة، حيث تعمل
إدارة
بايدن على "محاربة التضخم"، وربما تتجه أوروبا أيضا نحو سياسة
"أوروبا أولا"، بينما تم إحياء التحالف الغربي بعد الحرب العالمية
الثانية وسط ما يسمى بالتهديد الروسي، تستمر موجة الحمائية والإعانات في الظهور،
كما لو أن الأساس المنطقي لنظام بريتون وودز قد تم نسيانه.
لقد تم جر الاتحاد الأوروبي، آخر دعاة
التجارة الحرة، إلى حروب تجارية، وهي العملية التي ستكون مؤلمة، حيث أصبحت
المفوضية الأوروبية ووحدتها التجارية القوية مؤسسيًا أقرب من أي وقت مضى إلى
الولايات المتحدة وخط سياستها تجاه الصين، لذلك يجب على العالم أن يستعد لحقيقة
أنه في السنوات القادمة، سيتم تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصاد العالمي من قبل
الجهات الفاعلة بما في ذلك واشنطن وبكين وبروكسل.
العولمة المجزأة
وفي الوقت نفسه، مع تحول الصين من
الاقتصاد إلى موقف "الأمن أولا"، تقترب إستراتيجية الغرب لإدراج الصين
في نظام التجارة الحرة متعدد الأطراف من نهايتها، وذلك بعد أن ثبت أنها غير مثمرة،
وقد نما النموذج الاقتصادي الذي يركز على الدولة في الصين بشكل كبير، مع تأميم
قطاعات التكنولوجيا الرئيسية، لذلك بدأ الاتحاد الأوروبي الآن في رؤية صين أخرى
عندما ينظر إلى الولايات المتحدة، ومن المؤكد أن ردود فعل الدول الأعضاء في
الاتحاد على سياسات واشنطن الحمائية سوف تنتج إستراتيجية مضادة.
ولن يكون لعملية إزالة العولمة هذه
مسار مماثل لفترة العولمة، حيث ستستمر العولمة المجزأة على محاور مختلفة، وستساعد
الشبكات القائمة لرأس المال والعمالة الاقتصاد العالمي وأنظمته التجارية المعقدة
على إدارة الحدود الجديدة، ولكننا دخلنا فترة تدخل فيها التحالفات الأمنية
والعلاقات الاقتصادية في مواجهة مباشرة، ولا شك أن البلدان الواقعة تحت مظلة أمنية
مشتركة ستعاني من توترات اقتصادية فيما بينها.
ولن يؤثر ذلك بشكل إيجابي على الأمن
العالمي والجغرافيا السياسية، ولن يقلل من مخاطر الصراع، كما لن يخلق بيئة ردع
متوازنة، وبدلًا من ذلك، سوف تترجم التوترات التجارية إلى وقود للأزمات
الجيوسياسية، مما يضعف التعاون الأمني، لذلك سوف تضعف سياسات التأمين التي تم
إنشاؤها بواسطة التبعيات المتبادلة.
اختبار التحمل الأول هو استدامة
التعاون العسكري بين أوروبا والولايات المتحدة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فعلى
الرغم من وقوف أوروبا والولايات المتحدة معًا ضد موسكو، إلا أن هناك توترات
اقتصادية متزايدة، وفي حين أنهم قد يكونوا قادرين على فصل الاقتصاد عن الجغرافيا
السياسية لفترة من الوقت، إلا أن هذا قد يؤدي في مرحلة ما إلى شرخ خطير في العلاقة
بينهما.
لقد احتلت الجغرافيا السياسية مركز
الصدارة في سنة 2022، مما أثر بشكل كبير على الأسواق المالية العالمية والتجارة،
وفي الوقت نفسه، تزايدت الأنشطة الأمنية بين أبرز بلدين مرتبطان بالصمت الجيوسياسي
والسلمية العسكرية، ألمانيا واليابان -وهما من بين أكبر خمسة اقتصادات في العالم- حيث زادتا من الإنفاق الدفاعي، بينما يعمل حلف شمال الأطلسي على وضع خط أساس
للإنفاق الدفاعي يبلغ اثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول
الأعضاء فيه، في حين أنه من السابق لأوانه تحديد كيفية تطور سباق التسلح هذا، فمن
المؤكد أنه سيصب الوقود على المخاطر الجيوسياسية الحالية.
وفي إطار هذه الخلفية، تحتاج الجهات
الفاعلة الكبرى والقوية التي تستطيع القيادة إلى مزيد من التوجيه. وفي غضون ذلك،
تنظر القوى متوسطة المستوى إلى هذه الفترة كفرصة لتحقيق مكاسب على المدى القصير،
حيث تخسر الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي أرضية التعاون المشتركة التي
من شأنها أن تساعد في حل المشاكل على المستوى العالمي، ويبقى العمى الجيوسياسي
للولايات المتحدة - والذي بدأ مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر - نشطًا بقوة.
قوى الهيمنة
في الوقت الذي تسعى فيه الولايات
المتحدة لاستعادة هيمنتها العالمية - التي فقدتها بالتأكيد ولا تمتلك الوسائل
الواضحة لاستعادتها - فقد فشلت في طرح منظور يمكّنها من تحمل المسؤوليات المرتبطة
بها. كما نمت التوترات المحلية في الولايات المتحدة إلى درجة تجاوزت فيها المشاكل
السياسية المشتركة للدول الديمقراطية الأخرى، مما مهد الطريق لمزيد من الاستقطاب.
وتعتقد الصين أن لديها الفرصة لتصبح
قوة مهيمنة عالمية، لكنها تريد تجنب تحمل المسؤولية عن أي أجندة سياسية تأسيسية.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فعلى الرغم من نجاحه في تبني عملة مشتركة، إلا أنه
فقد فرصته في أن يصبح قوة جيوسياسية من خلال فشله في تتويج تحقيق توسعه بقبول
انضمام تركيا إلى الاتحاد، كما وجّه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ضربة أخرى للاتحاد.
وفي الوقت نفسه، يواجه العالم اليوم
تهديدات أكبر من الحرب التقليدية، والتي تشمل "هرمجدون" النووية،
والتهديدات البيئية التي تنذر بنهاية العالم، والتكنولوجيا الفاشية، والأوبئة.
ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تبخر
التيارات الفكرية والحركات الاجتماعية السياسية البناءة في جميع أنحاء العالم.
وبدلًا من ذلك، أصبحت موجات الشعبوية والقومية من أكثر القوى نفوذا في أبشع
أشكالها.
ومن المرجح أن تسود هذه الموجات في
السنوات القادمة في ظل تصاعد الضغوط التضخمية، مما يؤدي إلى تشويه تحركات رأس
المال والعمالة والسلع. وبالإضافة إلى الضغط الذي سيفرضه ذلك على الأسعار والأجور،
فإن النتيجة الجيوسياسية الأكثر وضوحًا ستكون تقييد التعاون الدولي وزيادة المخاطر
الأمنية.
في السنة الماضية، شهد العالم - بعد أن
راقب موسكو بصمت على امتداد العقدين الماضيين في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا وسوريا
- كيف أصبحت أحلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيدة بشكل متزايد عن الواقع. لقد
أعيد تفعيل خطوط الصدع الجيوسياسية واحتدمت النقاشات الأمنية. ونتيجة لذلك، وجدت
موسكو أن الغرب يشارك بنشاط في الصراع إلى
جانب كييف، وطالما استمر الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، فإن فرص روسيا في
إحداث تغيير جذري للظروف على أرض الواقع ضئيلة.
الاضطرابات الجيوسياسية
على الرغم من هذه الحلقة المفرغة،
سيكون هناك بعض القصور الهيكلي في سنة 2023، فبعد أن حوّل بوتين الطاقة إلى سلاح،
أدى تحول أوروبا في موردي النفط والغاز إلى تغذية العلاقات الهيكلية الجديدة
والترابطات الجيوسياسية، وستستمر الخطوات نحو تعزيز البنية التحتية لنقل الغاز
الطبيعي المسال وإمداداته، مع ما يترتب على ذلك من عواقب جيوسياسية كبيرة.
وستتعرض ميول دول الخليج نحو الاستقلال
الجيوسياسي والإستراتيجي وعدم الانحياز لضغوط متزايدة، حيث تحاول روسيا دخول أسواق
جديدة بينما تمارس واشنطن ضغوطًا معاكسة، وستؤثر التوترات بالتأكيد على العلاقة
بين روسيا وإيران، التي فقدت حصتها في السوق بعد أن خفضت روسيا أسعار النفط.
ومع ذلك، لا يبدو أن أوروبا تمتلك
إستراتيجية واضحة للمستقبل في مواجهة التهديد الروسي، حيث إنها تحتاج إلى تطوير
رؤية شاملة للجغرافيا السياسية والأمن على طول حدودها الجنوبية الشرقية، ولكن في
خضم ضيق الأفق الجيوسياسي، تؤجل أوروبا هذا الاستثمار. ويستدعي انعدام الاستقرار
في منطقة البحر الأسود، الذي يؤثر بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية، لا سيما
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نهجًا أمنيًا أكثر صرامة.
بشكل عام، من غير المرجح أن يخرج
العالم من كساده الجيوسياسي المتعمق في سنة 2023. وبدلًا من ذلك، نحن على أبواب
سنة أخرى من الاضطرابات الجيوسياسية الشديدة، حيث تخلق الأزمات المتزامنة تأثيرًا
متعاقبًا في العديد من مجالات البيئة التضخمية والحمائية. ومع مرور كل شهر، تقترب
الولايات المتحدة أكثر من انتخابات سنة 2024. ولكن حقيقة أن الرئيس جو بايدن، وهو
شخصية سياسية وسطية تشكلت عقليتها بالكامل من قِبَلِ عالم القرن العشرين، وابتعد
عن السياسات البديلة في مواجهة الأوقات غير العادية، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الكساد
الجيوسياسي.
ومع اقتراب الركود، قد تواجه الولايات
المتحدة، مثل غيرها من الاقتصادات المتقدمة، هبوطًا صعبًا، ويجب أن تأخذ بعين
الاعتبار حقيقة أنها قد تحتاج إلى مساعدة في أداء دورها في الأجندة الجيوسياسية
العالمية. وفي ظل تصاعد تهديد بلقنة الاقتصاد العالمي، قد تصل المخاطر الجيوسياسية
أيضًا إلى نقطة الغليان.
في نهاية المطاف، هناك عقبات شديدة
وفرص كبيرة عندما يتعلق الأمر بتقليل المخاطر الجيوسياسية في سنة 2023. وفي حال
قدمت واشنطن إستراتيجية تعاونية وواضحة، فقد يكون العالم قادرًا على تفادي الكساد
الجيوسياسي العالمي أسرع بكثير مقارنة بالسنة الماضية، لكن هل وضع الولايات
المتحدة يمكّنها من تولي مثل هذا الدور؟ يبقى هذا هو السؤال الرئيسي المطروح.
ميدل
إيست آي