يعيش
لبنان اليوم
وبحكم الأمر الواقع تحت سطوة قوى سياسية تعاني انتفاخاً سياسياً وهمياً أعمى على
بصيرتها، حيث باتت تعتقد أنها تمتلك على صك ملكية بالبلد وتتصرف به على أهوائها
الطائفية الضيقة. وليس مستغرباً أ يشهد البلد اهتزازات أكبر، وينحى إلى مزيد من التحديات
القاسية.
لذا فإن واقع
لبنان بات على هذه الصورة الآيلة للتبدل في أي لحظة، فالانكشاف السياسي والمالي
كامل وشامل، والمسار الداخلي يهوي نزولاً وسط استعصاء داخلي حاد، وليس في الأفق ما
يؤشّر إلى نوايا جدية لصياغة فرصة لاسترداد البلد، وإعادة تركيز عجلاته السياسية
والرئاسية والحكومية على سكة الانتظام العام.
في المقابل وعلى
وقع انتهاء المهمة الأولى للوفد القضائي الأوروبي، عاد القاضي والمحقق العدلي طارق
بيطار لممارسة مهامه في قضية المرفأ، وذلك باجتهاد قانوني "مباغت" قوامه
أنّ المجلس العدلي هيئة مستقلة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز، وأي قرار
ينصّ على تنحية المحقق العدلي هو إلغاء لموقع تمّ إنشاؤه بموجب مرسوم وزاري. ولا
يحتاج المحقق العدلي إلى إذن لملاحقة المدعى عليهم، لكونه أساساً مفوضاً للقيام
بهذه المهمة.
وبدا واضحاً تمسك
البيطار بملف تحقيق المرفأ أمام الوفد الفرنسي القضائي، الأسبوع الماضي، معلناً
عدم تنازله عن قضية المرفأ تحت أي ضغطٍ. واليوم، يعود الرجل بعد كف يده عن الملف
منذ كانون الأول/ ديسمبر 2021، إلى متابعة ملف المرفأ ليستأنف عمله مطلع الأسبوع
المقبل.
بعيداً عن مشهدية الاحتدام القضائي وتبعاتها المنتظرة، يمم حزب الله وجهه شطر القوى السياسية بهدف تحريك الملف الرئاسي في ظل حالة التحول الإقليمي الجارية في المنطقة بين إيران والقوى المناوئة لها، وعلى الرغم من حديث الحزب عن تمسكه بمواقفه وشروطه الرئاسية نفسها (رئيس يحمي ظهر المقاومة)، لكنه اليوم يسعى إلى توسيع هامش التلاقي السياسي
والبيطار الذي
شارف على إنهاء قراره الاتهامي، وبلغ عدد الصفحات حتى الآن 540 صفحةً، وتبقّى ما
بين 120 و150 صفحةً، سيحوّل هذا القرار إلى المجلس العدلي. وهو يحمل تفاصيل خطيرةً
عن قضية المرفأ ويروي ما حصل يوم الرابع من آب/ أغسطس 2020 وما قبله، ما قد يعتبر إيذاناً
بفتح حرب على مسؤولين سياسيين. لذا، من المتوقع أن نشهد معارك قويةً خلال الأيام
القادمة، وقد تلجأ السلطة السياسية لافتعال "حرب أهلية مصغرة" لإبعاد
الشبهات عن المدّعى عليهم، وفق إعادة سيناريو الطيونة.
وبعيداً عن
مشهدية الاحتدام القضائي وتبعاتها المنتظرة، يمم
حزب الله وجهه شطر القوى السياسية
بهدف تحريك الملف الرئاسي في ظل حالة التحول الإقليمي الجارية في المنطقة بين إيران
والقوى المناوئة لها، وعلى الرغم من حديث الحزب عن تمسكه بمواقفه وشروطه الرئاسية نفسها
(رئيس يحمي ظهر المقاومة)، لكنه اليوم يسعى إلى توسيع هامش التلاقي السياسي حول
المنطلقات ذاتها.
وبات حزب الله يتعاطى
بهدوء مطلق مع كل الملفات، لذا فإنه قرر إعادة ترتيب العلاقة مع حليفه المسيحي، أي
رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، بعد انقطاع وجفاء وتوتر على خلفية مشاركة
وزراء الحزب إياه في جلسات حكومة نجيب ميقاتي.
وعليه تأتي خطوة
حزب الله باتجاه باسيل بعد زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في
سياق تحقيق الحزب لتقدم سياسي في خطواته السياسية والتي سيدشنها قريباً بإعلان
وثيقة سياسية جديدة تناسب الظرف والواقع والتحولات الإقليمية والدولية.
الحزب الذي يعلن أمام الجميع بأن مرشحه هو سليمان فرنجية؛ يسعى لاستقطاب العدد الكاف من الأصوات لانتخابه. وهذا المسار يوحي بأن الحزب ينتقل إلى مسار استجلاب التسوية لكونه يدرك صعوبة الإتيان بفرنجية ربطاً بالرفض الخارجي والمحلي له وتحديداً من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وباقي أطراف الشارع المسيحي
والحزب الذي يعلن
أمام الجميع بأن مرشحه هو سليمان فرنجية؛ يسعى لاستقطاب العدد الكاف من الأصوات
لانتخابه. وهذا المسار يوحي بأن الحزب ينتقل إلى مسار استجلاب التسوية لكونه يدرك
صعوبة الإتيان بفرنجية ربطاً بالرفض الخارجي والمحلي له وتحديداً من التيار الوطني
الحر والقوات اللبنانية وباقي أطراف الشارع المسيحي، وهو يدرك تبعات الإتيان برئيس
من خارج الإجماع المسيحي والخارجي.
لكن رواية سياسية
أخرى تتحدث عن أن تمسك حزب الله بترشيح سليمان فرنجية هو ترشيح جدي وغير وهمي،
وينطلق من نتائج الانتخابات الأخيرة التي لم تعط الحزب وحلفاءه الأغلبية المطلقة في
الانتخابات، فيما الصيغة البرلمانية الحالية غير مؤاتية لحسم أي قرار سياسي أو
تشريعي مستقبلي؛ لأن البرلمان الحالي مشتت على كتل بعضها كبير وأخرى صغيرة ويصعب
نشوء ائتلافات من داخله تمكن الحزب من ابتلاعها على نحو برلمانات مرحلة الوصاية
السورية، حيث تتعذر السيطرة على مجلس النواب وعلى أكثرياته الموصوفة والعادية.
وبهذا البرلمان
سيصعب على حزب الله أيضاً الإمساك بأي حكومة قد يشكلها هذا المجلس في عهد رئاسي
جديد، وقد يُرغم من ثم على مجاراتها والتسليم بها كواقع قبوله بترؤس ميقاتي حكومة
2021 بعد انسحاب سعد الحريري قبل أن يفاقم الأخير المأزق السنّي باعتزاله. وحده
رئيس الجمهورية المأمون الجانب يمسي عندئذ ضمانه في أي سلطة تنفيذية قد تجنح
لمقاربة سلاح الحزب.
وانطلاقاً من هذا
المسار، عمل حزب الله على إعادة التواصل مع جنبلاط، واستكمل مساره مع باسيل، لأنه
لا يفضل تطور أي خلاف وتعميقه، إنما تثبيت قاعدة استمرار العلاقة مع الأطراف على
الرغم من الاختلاف في المقاربات السياسية والرئاسية، وعدم إشعار القوى المسيحية
الأساسية بأنها معزولة عن أي تسوية مقبلة.
في المقابل فإن
أطرافا عربية تراقب الملف اللبناني عن كثب، وتعتقد أن لحزب الله خططا بديلة عن
فرنجية لكن إعلان ذلك ليس في صالحه في الوقت الحالي، على الرغم من الرسائل
المتقاطعة التي يرسلها داخلياً وخارجياً حول استعداده للحوار. وهذا الأمر أبلغه
الحزب للفرنسيين والقطريين سابقاً، انطلاقاً من عدم قدرته على إمساك الأزمة
والبلاد بعد تجربة ميشال عون.
الاستعصاء اللبناني يترافق مع احتقان إقليمي وانسداد واضح المعالم لكل آفاق الحلول، لكن ما يمكن استشرافه هو أن عامل الانتظار سيأخذ الأمور إما نحو انهيار وتفجير داخلي وإقليمي، ما يَتعارض مع مصالح القوى الكبرى في المنطقة لا سيما الولايات المتحدة وروسيا، أو إلى تحول كبير قد يفتح آفاق التسويات في لبنان والمنطقة
ولكن الأكيد أنه
كلما اشتد الوضع في الإقليم وتحديداً في ظل تهديدات نتنياهو وحكومته، فإن هذا
الأمر يدفع حزب الله للتمسك بمرشحه. في المقابل وفي اللحظة التي تحصل فيها توافقات
إقليمية دولية وتحديداً في اليمن والعراق وسوريا، سيتجه نحو الحلول التسووية، لأنه
لا يريد إدارة ظهره لأي تقاطعات خارجية، وكترجمة فورية لفكرة ربط التسوية الداخلية
بالغطاء الخارجي، وهو يتابع الطاولة الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا وقطر
والسعودية ومصر) التي تريد طهران أن تكون مع الحزب على انسجام أو تناسق معها، سواء
بترشيح فرنجية أو غيره.
في المحصّلة، فإن
الاستعصاء اللبناني يترافق مع احتقان إقليمي وانسداد واضح المعالم لكل آفاق
الحلول، لكن ما يمكن استشرافه هو أن عامل الانتظار سيأخذ الأمور إما نحو انهيار
وتفجير داخلي وإقليمي، ما يَتعارض مع مصالح القوى الكبرى في المنطقة لا سيما الولايات
المتحدة وروسيا، أو إلى تحول كبير قد يفتح آفاق التسويات في لبنان والمنطقة. لذا
فإن الجميع يربطون أي أفق إقليمي بنتائج الانتخابات التركية وانعكاساته السورية
والعراقية، وهذان الملفان لا يمكن فصلهما عن لبنان.