رغم دعوات إنهاء
احتكار القوات المسلحة
المصرية مشروعات وصناعات في قطاعات اقتصادية عديدة، وشروط
صندوق النقد الدولي، أصدر رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح
السيسي، قراراً جمهورياً
بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق 2 كيلومتر على جانبي 31 طريقا جديدا لصالح القوات
المسلحة.
ويبلغ إجمالي مساحة
الأراضي على جانبي
الطرق التي شملها القرار نحو 14 ألفا و784 كيلومترا مربعًا، ما
يعادل نحو 1.5% من إجمالي مساحة مصر البالغة مليون كيلومتر مربع، وتتجاوز مساحة
دول صغيرة في المنطقة والعالم.
وينص القرار رقم 17
لسنة 2023 على ألا يمس ذلك التخصيص بالتصرفات التي قامت بها أجهزة الدولة قبل
تاريخ العمل بهذا القرار على المساحات الواقعة في هذه الأراضي، كما اعتبر القرار
المساحات المخصصة مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملكها.
وألزم القرار جهات
الدولة المعنية المشار إليها بالفقرة السابقة بالتنسيق مع الأجهزة المختصة بالقوات
المسلحة والهيئة العامة للتخطيط العمراني والهيئة العامة للطرق والكباري قبل تنفيذ
أي مشروعات مخططة على أي جزء من المساحات التابعة لها.
في عام 2016، أصدر
السيسي قرارا جمهوريا (رقم 233 لسنة 2016)، بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق
كيلومترين على جانبي 21 طريقًا لوزارة الدفاع، ما يعني أن الأراضي على جانبي معظم
الطرق في مصر أصبحت مناطق عسكرية تابعة للقوات المسلحة.
القرار الذي يعد مناقضا
لشروط صندوق النقد الدولي لإقراض مصر 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا لإخراجها من
كبوتها الاقتصادية، أثار تساؤلات حول توقيته والهدف منه، خاصة أنه يضيف للقوات
المسلحة مزايا واسعة وأملاكا شاسعة لاستغلالها بمبالغ طائلة.
كما يأتي القرار
مناقضا لوثيقة سياسة ملكية الدولة التي أصدرتها الحكومة المصرية واعتمدها السيسي
بهدف تخارج الدول بما فيها القوات المسلحة من قطاعات اقتصادية واسعة مع ضمان
بقائها في قطاعات أخرى تمثل أهمية استراتيجية للجيش.
مراوغة النظام لصندوق
النقد
في ورقة بحثية للباحث
يزيد الصايغ نشرت على موقع مركز كارنيغي للشرق الأوسط، رأى أن تصديق السيسي على
وثيقة سياسة ملكية الدولة الجديدة رسميًا لا يغيّر في الأمر شيئًا، مضيفا: من
الواضح أن غرضه المباشر كان ضمان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي آملًا، على وجه
الخصوص، أن يفتح ذلك الباب أمام حصول مصر على مبلغ 14 مليار دولار كقيمة قروض
وائتمانات إضافية من مصادر دولية أخرى.
وتوقع أن يتعرض
الاتفاق مع صندوق الدولي لخروقات كبيرة، "وأول هذه الخروقات سيكون عدم تطبيق
البنود المتعلّقة بالمؤسسة العسكرية. لكن المؤسسة العسكرية قد لا تضطر إلى إجهاد
نفسها من أجل الاحتفاظ بمصالحها الاقتصادية: "فإذا دلّ الماضي على شيء، فهو
أن الحكومة المصرية سوف تُراوغ أصلاً في تنفيذ كافة تعهّداتها تجاه صندوق النقد.
ولكن لم يعد أكيدًا أن شركاء مصر الأجانب الآخرين سيكونون متسامحين مثل
الصندوق."
تخصيص الأراضي على
جانبي 31 طريقا تتسق تماما مع
الفقرة التي ذكرها الكاتب قبل أيام من صدور القرار
الجمهوري والتي ذكر فيها: "لن يسمح السيسي بنشوء هوّة بينه وبين المؤسسة
العسكرية في الوقت الراهن، على أمل أن تضطر الحكومة إلى تحمّل عبء التعامل مع
المواطنين المصريين المستائين والتوسّل مجدّدًا إلى المانحين الأجانب. ولكنه لن
يستطيع تأجيل المشكلة إلى ما لا نهاية".
ورغم تنامي دور
الجيش
الاقتصادي إلا أنه بعد نحو عقد من الحكم جر البلاد إلى شفا حافة الإفلاس حيث أكد الخبير
الاقتصادي الأمريكي روبرت سبرنبورغ، أن الجيش المصري أصبح خطرا يهدد السيسي، بعدما
غدت المؤسسة العسكرية قوية بشكل هائل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
وقال، سبرنبورغ، خلال
الجزء الثاني من مقابلته مع الإعلامي المصري أسامة جاويش، عبر برنامجه "آخر
كلام" المذاع على فضائية "مكملين"، والذي عرض الأربعاء الماضي، إن:
"أذرع الجيش المصري تتواجد الآن في النظام التعليمي وفي النظام الزراعي وفي
القطاع الصناعي، وفي قطاع الإنشاءات وكل ما يخطر ببالك.. لا يوجد مجال الآن إلا
والجيش هو الفاعل الأبرز فيه".
تعظيم امتيازات الجيش
وفي قراءته لحيثيات
القرار الجمهوري الجديد؛ قال الباحث المتخصص في العلاقات المدنية العسكرية
والدراسات الأمنية ومدير وحدة الرصد والتوثيق بالمعهد المصري للدارسات محمود جمال:
"المؤسسة العسكرية في مصر لن تتراجع قيد أنملة عن امتيازاتها الاقتصادية التي
توسعت بشكل كبير بعد 2013"، مشيرا إلى أن "الجيش تحول من وضعية لاعب
كبير في الملف الاقتصادي إلى وضعية الفاعل المهيمن والمسيطر على الحياة الاقتصادية
ككل".
وأوضح جمال
لـ"عربي21": "السيسي يعلم أن إرضاء الجيش هو العامل الأساسي لبقائه في الحكم، وهو حريص على
توسيع امتيازات الجيش لكسب ولائه أكبر فترة ممكنة والجيش من زاوية أخرى لم يتنازل
أو يتراجع عن امتيازاته".
وأكد أن "هناك
ضغطا من المؤسسة العسكرية لعدم المس بأي شكل من الأشكال لامتيازات القوات المسلحة،
أو عرق الجيش كما قال اللواء محمود نصر. وموضوع تخصيص الأراضي للقوات المسلحة يأتي
في إطار كسب ولاء القوات المسلحة بشكل أكبر خلال المرحلة الحالية التي تشهد فيها
الدولة المصرية أوضاعا اقتصاديه صعبه وأصبح الغضب تجاه السيسي يزداد يوما بعد
يوم".
مزايا مقابل الولاء
وفي تقديره، يقول
الخبير العسكري وعضو هيئة تفتيش القوات المسلحة المصرية سابقا، العقيد السابق،
عادل الشريف، إن "السيسي هو من أطلق الذراع الطولى للجيش في الاقتصاد الوطني
وهو الحريص على بقائه هكذا ظنا منه أنه بذلك يقلم أظافر كل من يهدد استيلاءه على
الحكم، وما يتنازل عنه السيسي باليمين لإرضاء الصندوق يمنحه بالشمال من أملاك
الدولة للجيش بل وأضعافا مضاعفة، إنها لعبة هزلية".
وأضاف في تصريحات
لـ"عربي21": أن "المؤسسة العسكرية والسيسي هما وجهان لعملة واحدة
وهم أطوع في يده من أي طرف آخر، سيراوغ (السيسي) ويبدي بعض الاستجابات المحدودة
لكسب الوقت ثم المحصلة سيبقى كل شيء على حاله طالما هو موجود في سدة الحكم، وهو
بهذا القرار يؤكد للجيش على قاعدة استمرار المزايا لاستمرار الولاء والدعم".
القرار الجمهوري أثار
ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي واعتبره البعض امتدادا لسياسة النظام
في تمكين الجيش من أراضي الدولة دون محاسبة أو رقابة، وتعزيز قبضته على مناح واسعة من ثروات ومقدرات البلاد لصالح مؤسسة بعينها وليس لصالح الشعب.
رسالة تطمين وتمكين
وتمثل تلك الامتيازات
الجديدة مكاسب واسعة للجيش من ناحية، ورسالة تطمين من ناحية أخرى، وفقا لرئيس
لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى السابق، رضا فهمي، مشيرا إلى أن
"السيسي في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر يبحث عن أي مخرج أو باب
لتوفير الدولار وكان هذا جليا من خلال المبادرات التي أطلقتها الحكومة مثل استيراد
السيارات للمصريين بالخارج، وطرح فائدة مرتفعة على الودائع بالدولار ولم تلق أي
قبول يذكر".
مضيفا
لـ"عربي21": "أن هناك حالة تململ من الحديث عن تقليص دور الجيش في
الاقتصاد، ومراقبة المشروعات، وإخضاع شركات الدولة للضرائب، وإحجام الخليج عن
استمرار دعم مصر ماليا واستبداله بشراء الأصول، والأجواء غير الودية التي تسود
علاقة مصر بالسعودية".
وأوضح فهمي أنه
"في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمة حادة فإن خزائن الجيش متخمة بالأموال مقارنة بالاحتياطي النقدي بالبنك المركزي هذا الوضع جعل خيارات السيسي
صفرية والجيش منزعج مما يقال بأن السيسي قد يتوجه صوب خزائن الجيش الذي يتمتع
بفائض مالي ضخم ولذلك هو يحاول أن يرسل
تطمينات للجيش وتأكيد استمرار دوره من خلال منحه الأراضي على جوانب الطرق
والانتفاع بتحصيل الرسوم وتقديم الخدمات وهي رشا مبطنة".
وأكد أن "هناك
انزعاجا واضحا لدى القيادات العسكرية بعد أن أصبحت سمعة المؤسسة على المحك وبات
الجميع يحمل الجيش مسؤولية الفشل الاقتصادي، وبالتالي كل التصريحات عن احتمال
مراجعة تدخل ونفوذ الجيش في الاقتصاد على حساب القطاع الخاص المدني وأنه جزء من
شروط صندوق النقد تلقي بظلال قاتمة على المؤسسة العسكرية".