نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا حول
الانتخابات البرلمانية
التونسية الأخيرة قالت فيه إن الدعم للرئيس
قيس سعيد في انحدار مستمر، فالمشاركة فيها كانت ضعيفة، لانتخاب ممثلين في برلمان جرد من معظم صلاحياته وأحزاب منعت من المشاركة في الانتخابات.
وأضافت أن تونس ظلت الديمقراطية الوحيدة التي خرجت من الربيع العربي قبل عقد، بدون برلمان منذ أن علقه سعيد وأنشأ نظام الرجل الواحد في تموز/ يوليو 2021. وعندما أعلنت أسماء أعضاء المجلس الجديد الثلاثاء وبعد جولتين انتخابيتين لم يبد أن الديمقراطية قد عادت.
و"ما أشارت إليه الإنتخابات في النهاية هو الخفوت المتسارع لدعم الرئيس قيس سعيد". فلم يشارك سوى نسبة 11.4% من الناخبين الذين يحق لهم الإقتراع في الجولة الثانية يوم الأحد، وهي أعلى بقليل من الجولة الأولى التي شاركت فيها نسبة 11.2%، وأدنى مشاركة في أي انتخابات نظمت حول العالم، حسب ماكس غالين، أستاذ العلوم السياسية في معهد دراسات التنمية في بريطانيا. وخسر اثنان على الأقل من المناصرين الكبار للرئيس رغم فوز عدد آخر.
ونقلت عن يوسف شريف، المحلل السياسي الذي يدير مراكز كولومبيا العالمية في تونس، أن "خسارة الناس الذين يزعمون قربهم لسعيد هو علامة أخرى على فراغ المشروع السياسي الذي يقدمه: لا رؤية ولا استراتيجية ولا فريق".
واستغل سعيد شعبيته بين التونسيين لإعادة كتابة دستور ما بعد الربيع العربي، ومنح نفسه سلطات واسعة وعلق البرلمان وجرده من معظم صلاحياته ليصبح مجرد هيئة استشارية. كما أنه عدل قانون الانتخابات ومنع فيه الأحزاب السياسية من المشاركة عبر قوائم، كما فعلت في الانتخابات الماضية، وسمح للأفراد بالمشاركة بدون قوائم حزبية.
وعلقت الصحيفة بأن البرلمان الجديد سيكون مجموعة من الأفراد لا صفة حزبية لهم وبدون أي سياسة أو أجندة أو برامج تجمعهم معا. وقالت إن مجرد استعداد الفائزين للمشاركة هي صورة عن مستوى من الدعم للرئيس، وأنهم كانوا راغبين بمنح الشرعية لبرنامجه الجديد، في وقت قاطعت فيه الأحزاب السياسية الانتخابات.
وأضافت الصحيفة أن الانتخابات البرلمانية كانت مقياسا لاعتقاد التونسيين في خطط ومصداقية سعيد في حديثه عن حماية الديمقراطية والحفاظ عليها، ولكنه فشل في كلتا الحالتين، كما يقول النقاد والمحللون.
وفي بعض المناطق لم يرشح سوى شخص واحد فيها، ما يلغي الحاجة لجولة إعادة. ولم تفز سوى 25 امرأة من بين 161 مقعدا في البرلمان الجديد، بحسب أرقام هيئة الانتخابات التونسية، وهو رقم صغير إذا قورن بـ 68 امرأة حصلن على مقاعد في عام 2014.
وبات سعيد يتحكم بهيئة الانتخابات بعدما عزل الرموز المستقلة فيها. وتقول الصحيفة إن الانتخابات البرلمانية من المفترض أن تكون الخطوة التالية لخطة سعيد في إعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد، وجعله أكثر مصداقية وديمقراطية، وفي الحقيقة أنه نقل كل السلطات لنفسه وراكمها بين يديه بدون رقابة.
وتقول "نيويورك تايمز" إن سعيد لم يقدم حلولا اقتصادية وسياسية كما عول التونسيون عليه بعد سيطرته على السلطة، وبخلاف هذا فهو لم يقدم أي حلول لتونس التي تترنح تحت وطأة تراجع اقتصادي وفراغ رفوف المتاجر من المواد الأساسية مثل السكر والمياه المعدنية، في وقت كافحت فيه العائلات المحتاجة للحصول على أدنى الاحتياجات وعدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب.
وكانت خيبة الأمل في قدرة سعيد على حل المشاكل الإقتصادية سببا في عزوف المواطنين عن المشاركة في التصويت على دستوره الجديد في تموز/ يوليو 2022، حيث لم تشارك سوى نسبة 30%. وحث سعيد أنصاره على التصويت بعدما أعلن عن موعد الانتخابات البرلمانية التي حدد الجولة الأولى فيها بكانون الأول/ ديسمبر والتي لم يقدم الكثير للترويج لها، وهو ما "يؤكد أنه لا يهتم كثيرا بالديمقراطية البرلمانية" كما يقول شريف.
ولم يخف سعيد احتقاره للبرلمان، بحسب فيديو عن لقائه مع رئيسة الوزراء: "تقريبا نسبة 90% لم تشارك لأن البرلمان لا يعني لهم شيئا". وربما كانت لديه نقطة، فالكثير من التونسيين لا يزالون يحملون البرلمان مسؤولية المشاكل السياسية في البلاد. ورغم عدم وجود استطلاعات موثوقة فإن المعارضة غير محبوبة، ما يجعل البلاد عالقة بين خيارين سيئين. إلا أن أعدادا متزايدة عبرت عن مخاوفها من النزعة الديكتاتورية لسعيد الذي سجن وأسكت نقاده. وحققت الشرطة في الأسبوع الماضي مع الناشطة شيماء عيسى بسبب تعليق أطلقته في حديث إذاعي عن سعيد، في وقت سجن فيه رئيس الوزراء السابق علي لعريض في كانون الأول/ ديسمبر.
ومع ذلك فالغضب من تراجع الحريات ومنجزات ما بعد الربيع العربي التي تجاوزها سعيد كان محدودا، وصدر من المعارضة التي استغلت المشاركة الضعيفة للدعوة إلى استقالة الرئيس. وقال أحمد نجيب الشابي، زعيم جبهة الخلاص الوطني: "أظهرت النتائج أن نسبة 89% من التونسيين تجاهلوا هذه المهزلة".