رغم مرور أشهر على إعلان الرئيس
الأمريكي جو بايدن، مقتل زعيم "تنظيم
القاعدة" أيمن
الظواهري بالعاصمة
الأفغانية كابول في آب/ أغسطس 2022، فإن التنظيم لا يزال يتجاهل التعليق على
مقتل زعيمه، كما أنه لم يعلن بعد عن الشخصية التي ستخلفه.
ويطرح الأمر تساؤلات عن كيفية اختيار
خليفة الظواهري والأسماء المرشحة لذلك، وما إذا كان تأخير الإعلان عن خليفته يؤثر
سلبا على التنظيم أم لا، وطبيعة الدور الذي تلعبه حركة
طالبان في ذلك، لا سيما
أنها موجودة بالسلطة في أفغانستان منذ نحو أكثر من عام.
مقتل الظواهري
رغم تأكيد واشنطن مقتل زعيم "القاعدة"، فإن مكان جثته غير معلوم، ومنذ ذلك الحين، ما زالت آلة دعاية التنظيم تبث بشكل
أسبوعي رسائل بالصوت وأحيانا بالفيديو غير مؤرخة لزعيمها دون تأكيد مقتله أو نفي
لذلك.
تعليقا على ذلك، قال الخبير في
الجماعات الجهادية حسن أبو هنية، لـ"عربي21"، إن "القاعدة" لم يصدر عنها
تأكيد على مقتل الظواهري، كذلك فإن حركة طالبان قالت إنها لم تجد ما يؤكد ذلك ولم
تعلن العثور على جثمانه.
أما بالنسبة إلى فروع التنظيم، فإنه لا
يوجد لديها أيضا ما يؤكد مقتله.
لكنه أشار إلى أن الظواهري (72 عاما)
يعاني الكثير من الأمراض، والحديث عن خليفة له كان منذ اختفائه قبل إعلان واشنطن عن مقتله، وكانت هناك أنباء مستمرة بأنه في كابول بحماية شبكة "حقاني".
والظواهري هو زعيم التنظيم الثاني فقط
منذ تشكيل "القاعدة"، وكان طبيبا مصريا اقتفى أثر سلفه أسامة بن لادن الذي قتلته
الولايات المتحدة الأمريكية قبل 12 عاما.
وتولى الظواهري قيادة التنظيم في 2011،
حتى آخر ظهور له في أيار/ مايو 2022.
آلية اختيار خليفة جديد
وقال أبو هنية لـ"عربي21"،
إن هناك آلية ضمنية يمكن تسليط الضوء عليها في عملية اختيار خليفة الظواهري لزعامة "القاعدة"، والتي تتعلق بمكان وجوده، مؤكدا أن حركة طالبان لها دور في هذه العملية.
وأوضح أن زعامة "القاعدة" مرتبطة بعرف
لديها، يتمثل في أن يكون الزعيم من خراسان (أفغانستان)، وبقرار من مجلس شورى
التنظيم.
وأشار إلى أن "القرار يبقى مركزيا
تاريخيا في خراسان بالتشاور مع حركة طالبان، وهذا ما يحسم الأمر، وكذلك يصعب أن
تتفرد فروع الصومال أو اليمن أو المغرب في هذا القرار، لأنه سيعد انشقاقا، ولن
يكون شرعيا بالنسبة لبقية فروع التنظيم".
المبايعة لطالبان
وعن دور حركة طالبان في عملية اختيار
خليفة للظواهري، أوضح أبو هنية أن الحركة التي تسيطر على الحكم في أفغانستان تحظى
ببيعة من "القاعدة"، وكان الظواهري قد جدد البيعة لطالبان، وهذا يؤكد أن عملية
اختيار خليفة له بحاجة إلى مشاورات ليس فقط مع الفروع، ولكن مع حركة طالبان خصوصا،
فهناك بيعة لها.
واتفق معه الخبير في شؤون الجماعات
الإسلامية مروان شحادة، أن طالبان تلعب دورا أساسيا في تأخير إعلان خليفة
للظواهري.
وقال شحادة لـ"عربي21"، إن "تنظيم
القاعدة لا يملك وحده الخيار في الإعلان عن خليفة للظواهري، فالنظام الداخلي
الضمني بين مجلس شورى التنظيم يحتّم أن يكون مقيما في خراسان بسبب البيعة التي
أعطيت للملا عمر قديما، وما زالت هذه البيعة قائمة حتى الوقت الحاضر في عنق ’القاعدة‘ على مستوى القيادة والأفراد".
وأوضح أن حركة طالبان تستخدم ورقة "القاعدة"، لأنه وفق الاتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن أحد الشروط لعودة
طالبان إلى السلطة كان أن تمنع الحركة قيام التنظيمات التي توصف بـ"الإرهابية
أو الجهادية" من القيام بأعمال تستهدف دولا أخرى.
ولفت إلى أن حركة طالبان رغم وصولها
إلى السلطة منذ عام، فهي لم تحصل حتى الآن على دعم أو اعتراف من دول غربية، وهذا الأمر
يحتم عليها عدم تشجيع الإعلان عن خليفة للظواهري، مؤكدا أن التأخير سيستمر برغبة
من طالبان.
وحاولت "عربي21" أخذ تعليق
من طالبان، إلا أنها لم تتلق ردا من المتحدثين باسمها.
أبرز المرشحين
واتفق الخبيران في حديثهما
لـ"عربي21" على أنه "ليس هناك شخصية واضحة لخلافة الظواهري"،
وأن الخيارات متعددة، لا سيما أن قيادات الصف الأول معظمها قتل، وأن أبرز الأسماء
المطروحة لا تتواجد في أفغانستان في الوقت الحالي.
وعن ذلك قال أبو هنية، إن "هناك
شخصيات مرشحة منها سيف العدل وعبد الرحمن المغربي وكلاهما في إيران".
لكنه أوضح أن في ذلك مشكلة بسبب مكان
تواجدهما، أي إيران، والتي وفق شحادة لا تتعاطف أصلا مع التنظيم، بل يجري الاعتقاد
بأن طهران تفرض على سيف العدل رقابة وإقامة جبرية.
ويجري تداول فرضية أن خلافة الظواهري
ستكون لسيف العدل بحسب موقع "سايت" الاستخباري الأمريكي -الذي يتتبع
التنظيمات الجهادية عالميا- ولكن مكان إقامته يعد تحديا إلا في حال تمكنه من
الخروج من إيران.
ولكن ذلك يخفي خطورة، أن تقوم طهران
بما يخدم مصالحها، أن تسلمه لواشنطن أو بالعكس أن تدعه يوجه ضربات لهم، ما يعني أن
يصبح ورقة في يدها.
وسيف العدل كان مقدما سابقا في القوات
الخاصة المصرية، وانضم إلى حركة الجهاد الإسلامي المصرية في الثمانينيات، واعتُقل
ثم أطلق سراحه ليسافر إلى أفغانستان ويصبح من قيادات التنظيم، قبل أن يغادر إلى
إيران لقيادة "القاعدة" هناك ويقوم تهريب عناصرها من أفغانستان إليها.
وأشار أبو هنية إلى أنه قد تكون هناك
منافسة من قبل الفروع على زعامة التنظيم مثل يزيد مبارك أو "أبي يوسف
العنابي" وهو زعيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي، أو عبيدة الصومالي أحمد
عمر قائد حركة الشباب في الصومال، التي تعد حاليا أقوى الفروع، ولديها قوة كبيرة.
ولكن في مواجهة ذلك، فإن مركزية
التنظيم التي كانت تاريخيا في "خراسان"، ستكون سابقة في حال اختيار
زعيم للقاعدة لا يتواجد في أفغانستان.
اللامركزية في "القاعدة"
بحسب أبو هنية، فإن القاعدة كانت في
عهد ابن لادن مركزية، ولكنها تحولت إلى "مركزية في القرار، ولامركزية في
التنفيذ منذ أواخر أيامه، وحتى الآن".
وأوضح أن الفروع لم تتأثر بالمركزية أو
عدمها، فهي تعمل الآن بشكل منفصل سواء في المغرب الإسلامي، أو الصحراء والساحل أو
الفرع اليمني أو الصومالي، والأمر ذاته بالنسبة لجميع الفروع الإقليمية، لأنها
تعمل بشكل لامركزي.
لذلك فإن الفراغ في منصب زعيم "القاعدة" ليس ذا أثر كبير، لا سيما أن الفروع تتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية تجاه المركز
مقارنة بالماضي، سواء في عملياتها أو تمويلها واستراتيجياتها، بحسب الخبيرين.
ما تأثير تأخر إعلان خليفة للظواهري؟
بالنسبة لأبو هنية، فإنه يرى أن هناك
انتعاشا في أفغانستان لدى التنظيم، حيث يقدر عدد عناصره بـ600 عضو ومقاتل، ولكن لديهم
بيعة لزعيم حركة طالبان، ولذلك فهم لن يتحركوا بشكل منفصل عنها.
وأشار إلى أن "القاعدة" تعمل بشكل مريح
في أفغانستان بالوقت الحالي، لذلك فهي تعمل على إحياء بعض الشبكات، مثل "القاعدة في شبه
القارة الهندية"، و"القاعدة في آسيا الوسطى"، لذلك فإن مقتل الظواهري لا أظنه يؤثر سلبا
على التنظيم، بل قد تكون "القاعدة" تشهد انتعاشا مع وصول حركة طالبان الحليفة
للسلطة.
وخالفه في ذلك شحادة، الذي قال إن "تنظيم
القاعدة انتهى منذ مقتل أسامة بن لادن، بالإضافة إلى أن التنظيم المركزي في تراجع
مستمر، ولكن ليس كفكر وأيديولوجيا".
وأوضح أن "القاعدة لم تقم بأي
عملية على مستوى كبير تحمل بصماتها، وباتت فروعها أقوى، مثل حركة الشباب في
الصومال، التي لا تزال لاعبا رئيسا في القرن الأفريقي، وجماعة نصرة الإسلام
والمسلمين في أفريقيا ومالي ومنطقة الساحل التي أصبحت لاعبا رئيسا هناك، باستثناء
تنظيم القاعدة في اليمن الذي يمر في حالة ضعف بسبب انشقاقات طالته، وإن كانت هناك
عودة له بشكل طفيف مؤخرا".
وأضاف: "اللافت أن الفروع باتت
أقوى من المركز، ولكن هل ما زال التنظيم يحتفظ ببنيته الأيديولوجية؟ فالإجابة نعم
حتى الآن، لا سيما في العالم الرقمي، أما من ناحية تنظيمية فقد أصبح ضعيفا".
وتوقع شحادة أن يتأخر الإعلان عن خليفة
الظواهري أكثر، قائلا: "أرجح أن يتأخر الإعلان، لأن الظروف الذاتية
والموضوعية المتعلقة ببيعة حركة طالبان ستؤخره إلى وقت غير معلوم".
لكنه رأى أن تأخير الإعلان لن يؤثر
كثيرا؛ لأن التنظيم يمر بأسوأ حالاته بالأصل، لا سيما أنه أصبح دون قيادة ولا
زعامة حتى في زمن الظواهري، فالتنظيم خلال السنوات الخمس الأخيرة أصبح ضعيفا بسبب
المحاصرة والمطاردة والاختفاء والاختباء والاغتيالات التي طالت قيادات الصف الأول،
سواء في إيران مثل أبي محمد المصري أو في سوريا مثل أبي الخير.. وغيرهما.