قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن ديكتاتورية الرجل الواحد في
تونس، التي يقودها الرئيس
قيس سعيّد، تدمر البلاد.
وذكرت "الغارديان" في
مقال افتتاحي لهيئة التحرير - تمثل رأي الصحيفة - أن سعيّد تورط في العنصرية ضد المهاجرين الأفارقة، وتحول من رئيس ديمقراطي وصل عبر صناديق الاقتراع، إلى ديكتاتور يريد التفرد بالحكم، والبطش بخصومه.
وتاليا ترجمة المقال كاملا:
"لماذا تعتقد أنني في سن السابعة والستين سأبدأ مسيرة مهنية كديكتاتور؟" هذا ما قاله الرئيس التونسي قيس سعيد في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في عام 2021، مقتبساً كلمات رجل الدولة الفرنسي شارل ديغول. كان لدى السيد قيس سعيد سبب وجيه ليكون في موضع الدفاع.
فقد قام قبل أسابيع من ذلك فقط بإقالة رئيس الوزراء وتعليق البرلمان وتولي السلطة التنفيذية. وقع "الانقلاب الذاتي" الذي قام به قيس سعيد في أوج فترة الجائحة. وكانت حجته أن نظامه قد يبدو سلطوياً، ولكنه سيحصر نفسه إلى حد بعيد في احتواء الأخطار السياسية. ولكنه الآن يظهر في هيئة معهودة لشخصية ما بعد الثورة: دكتاتور يواجه أزمات متعددة ويلجأ رغم انعدام القدرة لديه إلى تصفية المعارضة.
تنمو بشكل مطرد قائمة النقاد الذين اعتقلتهم الشرطة التونسية. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية تعرض زعماء الأحزاب الإسلامية والعلمانية على حد سواء إلى الجر من بيوتهم. ويرزح الآن وراء القضبان نقاد بارزون بما في ذلك محامون ومدراء شركات تجارية، بالإضافة إلى مدير محطة إذاعية مشهورة. لقد جرم قيس سعيد المعارضة بكل أنواعها، ويتعلل في ذلك بنظرية المؤامرة السخيفة، مدعياً أنه إنما يسجن "الإرهابيين" و"الخونة".
وشن الرئيس هجوماً على القضاء، معتبراً القضاة الذين يبرئون ساحة المعارضين "متواطئين" مع العدو وجزءاً من عصابة خيانية.
اشتملت قائمة أكباش الفداء الرئاسية على سياسيين اتهموا بالفساد، وشملت كذلك أشخاصاً اتهموا بالمضاربة أو بالعمالة للأجنبي. إلا أن الأمر ما لبث أن تحول بشكل بشع إلى سلوك عنصري، وذلك عندما استهدف قيس سعيد المهاجرين السود.
ففي الشهر الماضي زعم زوراً وبهتاناً وجود مؤامرة استغرق حبكها سنوات لجلب "حشود" من المهاجرين المجرمين من البلدان الأفريقية جنوب الصحراء إلى تونس "من أجل تغيير التركيبة السكانية في البلد". لقد حرضت هذه الديماغوجية على ارتكاب أعمال عنف ضد أقلية قليلة مستضعفة، بل وإلى اعتقال العديد منهم. بينما عاد ذلك على الرئيس بإشادات من قبل السياسيين الفرنسيين العنصريين، إلا أنه جلب عليه تقريعاً حاداً من قبل جيرانه الأفارقة، الذين سارعوا إلى إخلاء مواطنيهم بدءاً من الأسبوع الماضي.
وكانت تونس هي مهد الربيع العربي – وظلت حتى حين الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في العالم العربي. أما الآن فقد غدت مجرد عرض يقدمه رجل واحد، نأى عنه الناخبون.
ففي شهر ديسمبر/ كانون الأول لم يشارك سوى 11 بالمائة من الناخبين في انتخاب برلمان جديد منزوع الصلاحيات. وكان قيس سعيد قد وصل إلى السلطة لأن التونسيين شعروا بالخيبة من طبقة سياسية بدت عاجزة عن حل المشاكل التي يعاني منها البلد. فخلال العقد الماضي لم يزد نمو الناتج الإجمالي المحلي عن واحد بالمائة ولم ينزل معدل البطالة عن 15 بالمائة، وذلك على الرغم من تمتع تونس بالموارد البشرية والطبيعية على حد سواء. إلا أن العلة تكمن في استشراء الفساد والمحسوبية.
بالديمقراطية تحصل على خطة الإنقاذ الاقتصادي التي يحتاجها البلد. تجد الدكتاتورية أن الحصول على المال أكثر صعوبة بكثير
ومع زيادة أسعار الوقود والغذاء، تعاني تونس من نقص حاد في الدولار، ولذلك توجهت نحو صندوق النقد الدولي للحصول على قرض إنقاذ بقيمة ملياري دولار.
إلا أن المال لن يتم إقراضه إلى نظام دكتاتوري بلا دعم من المجتمع المدني – وبشكل خاص من قبل اتحاد الشغل المتنفذ – والذي ما فتئ يتعرض للقمع على يدي قيس سعيد.
ولو أقدم صندوق النقد الدولي على تقديم القرض فإنه يخاطر في هذه الحالة باحتمال أن تقرر إدارة جديدة في المستقبل التبرؤ من الدين. في هذه الأثناء تشير موجة الهجرة المتعاظمة من تونس إلى أوروبا إلى أن الحكومة تفشل، ويحتمل إزاء ذلك أن يعود التونسيون إلى الشوارع.
في عام 2010 انحاز الجيش إلى جانب المتظاهرين وليس إلى جانب النظام. ما إذا كان التاريخ سيعيد نفسه يبقى مقامرة.. يبدو أن الرئيس المفتقد للدهاء أو المكر على استعداد للمضي فيها.