نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا حول شروط
السعودية للتطبيع مع
الاحتلال الإسرائيلي، حيث تتضمن دعما في مجال بناء مشروع للطاقة النووية مدني الطابع وضمانات أمنية من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو ثمن باهظ لاتفاق طالما سعت إليه "إسرائيل".
ونقلت الصحيفة عن مطلعين على خفايا التبادل الدبلوماسي أن السعودية تريد قيودا أقل على صفقات الأسلحة التي تشتريها من الولايات المتحدة. وعلقت أنه لو تم التوصل لصفقة تطبيع سعودية-إسرائيلية فإنه سيكون أكبر تحول في منطقة الشرق الأوسط واصطفاف القوى فيه.
ويمنح الطلب السعودي فرصة للرئيس بايدن كي يرعى اتفاقا قد يشكل علاقات إسرائيل مع الدولة العربية القوية. وربما أوفى بوعد قطعه وهو استمرار جهود
التطبيع أو ما عرفت باتفاقيات أبراهام التي أدت لاتفاقيات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.
وتضيف الصحيفة أن التطبيع قد يكون فرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للوفاء بطموح طالما سعى إليه وتعزيز إرثه السياسي من خلال زيادة أمن إسرائيل ضد العدو اللدود: إيران.
وانقسم المسؤولون والخبراء في الشرق الأوسط حول كيفية التعامل مع المطالب في ضوء العلاقة الباردة بين بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وأضافت الصحيفة أنه مع تصاعد العنف في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل والتي أدت لبيانات شجب من الحكومة السعودية، ومع إمكانية تطور العنف إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة، فإن عقد اتفاق كهذا سيكون مستحيلا.
وقال المسؤولون السعوديون إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي خطوة قد تضم علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل وعلى الأرجح اتفاقيات تجارية وحرية حركة/سفر ليست ممكنة قبل إعلان الدولة الفلسطينية. إلا أن العارفين بالنقاشات يعتقدون أن السعوديين الذين يقيمون علاقات غير رسمية مع إسرائيل قد يقبلون بأقل من هذا، بحسب ما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" قبل فترة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مارتن أنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل أثناء إدارة كلينتون، قوله: "هذا مثير للاهتمام ولعدد من الأسباب".. أولا فنتنياهو "يحتاج هذا وبشكل كبير حتى يحصل على دعم بايدن" و"يخلق هذا نفوذا لبايدن على نتنياهو ويقنعه بأنه لن يحدث أي شيء جيد مع السعوديين لو سمح للوضع في الضفة الغربية بالتدهور والانفجار". وأضاف أن بايدن سيرى في التطبيع الكامل بين البلدين "مصلحة" أمريكية ووسيلة لمواجهة التأثير الإيراني.
وقال المسؤولون في إدارة بايدن إنهم يريدون البناء على اتفاقيات التطبيع في حقبة دونالد ترامب. لكن مطالب الرياض تعتبر إشكالية وتضع عقبات، فالمسؤولون الأمريكيون يخشون ومنذ وقت من محاولات السعودية بناء مشروع نووي للأغراض المدنية. ويخافون منه أنه خطوة أولى للسعي من أجل الحصول على الأسلحة النووية، كنوع من الضمانة ضد جارتهم الإيرانية ومشروعها النووي.
وليس من الواضح ما هي الضمانات الأمنية التي تريدها السعودية، ولكنها ستكون قريبة من الضمانات الدفاعية بين دول الناتو. وحتى لو أظهر بايدن ميلا لتلبية مطالب السعودية، فمن المتوقع أن يلقى مواجهة قوية من الكونغرس، حيث دفع عدد من المشرعين الديمقراطيين لتخفيض مستوى العلاقات مع السعودية.
وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت، كريستوفر ميرفي، إن "علاقتنا مع السعودية يجب أن تكون علاقة ثنائية مباشرة" و"يجب ألا تمر عبر إسرائيل". وقال إن السعوديين يتصرفون بطريقة سيئة وبشكل مستمر، وضغط باتجاه الحد من صفقات الأسلحة مع المملكة التي يمكن استخدامها في اليمن.
وأضاف أنه "لو أردنا الدخول في علاقات مع السعوديين حيث نعقد صفقات أسلحة مهمة فيجب أن تكون بناء على السلوك الجيد باتجاه الولايات المتحدة وليس تجاه إسرائيل".
وأشارت الصحيفة لتعهدات بايدن في حملته الانتخابية المتعلقة بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، ورفض السعودية الاستجابة لمطالب بايدن بزيادة معدلات النفط، حتى لا يستفيد فلاديمير بوتين من ارتفاع أسعاره لدعم جهوده الحربية.
ورفض متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي التعليق على المحادثات واكتفى بالقول إن الإدارة الأمريكية تدعم علاقات جيدة بين "إسرائيل" وجيرانها العرب بما فيهم السعودية.
ولم تعلق السفارة الإسرائيلية في واشنطن على طلب الصحيفة مباشرة، لكن نتنياهو قال في تصريحات الخميس لصحيفة "لا ريببليكا" الإيطالية "أعتقد وبشدة أن اتفاقية سلام بيننا وبين السعوديين ستقود إلى اتفاق مع الفلسطينيين". ولم ترد السفارة السعودية في واشنطن على أسئلة الصحيفة، إلا أن مسؤولا سعوديا دعا للتعامل مع قائمة المطالب بجدية، مضيفا أن بلاده لا تزال تربط التطبيع بإقامة الدولة الفلسطينية.
ويقول شخصان على معرفة بالمفاوضات إن الفريق الأمريكي يقوده بريت ماكغيرك، منسق شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي وعاموس هوشستين، مستشار بايدن لشؤون الطاقة العالمية. وقال أحدهما إن الأمير محمد بن سلمان لعب دورا مباشرا في المفاوضات إلا أن المحاور البارز كان سفيرة الرياض في واشنطن الأميرة ريما بنت بندر آل سعود.
وعندما أوصل السعوديون مطالبهم للأمريكيين والإسرائيليين، فإنهم بدأوا بتعريف خبراء السياسة الخارجية في أمريكا بها، بما في ذلك معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وهو معهد موال لـ"إسرائيل" في واشنطن وزار وفد منه الرياض في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي.
وكتب المدير التنفيذي للمعهد روبرت ساتلوف والذي كان ضمن الوفد تقريرا مع زميل له جاء فيه أن القادة السعوديين "يعتقدون بمرارة أن الولايات المتحدة غير مهتمة بمظاهر القلق الأمني السعودي". إلا أن مسؤولا سعوديا بارزا فاجأ الزوار عندما قدم لائحة المطالب مقابل التطبيع.
وجاء الطلب وسط مرحلة متوترة في العلاقات الأمريكية-السعودية وعقب رفض السعوديين لمطلب بايدن أثناء زيارته لجدة بزيادة معدلات النفط. ويرى عبد العزيز الغشيان، الخبير في العلاقات السعودية-الإسرائيلية أن الرسالة وراء العرض السعودي هي وضع بايدن في وضع غير مريح وأنه رفض المساعدة في تسهيل اتفاق وبنتيجة قد تخيب الجماعات اليهودية ذات النفوذ في أمريكا.
ويرى أن السعوديين لن يساعدوا بايدن في تحقيق نصر وهو في الرئاسة نظرا للتظلمات التي يحملونها ضد إدارته. وقال إن "النخبة السعودية الحاكمة لا تريد بايدن أن يكون الرئيس الأمريكي وراء التطبيع السعودي-الإسرائيلي ولكنهم لا يهتمون لو تحمل المسؤولية عن غيابه".
وترى الصحيفة أن المفاوضات هي تعبير عن مواقف براغماتية وليست أيديولوجية وتقوم على تغليب المصلحة السعودية. لكن العنف المتزايد في الضفة الغربية المحتلة ونشاطات المستوطنين ومحاولة نتنياهو وحكومته ممارسة سيطرة على حياة الفلسطينيين ستعقد من هدف التطبيع.
وقال وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان الشهر الماضي إن "الوضع في إسرائيل خطير جدا" وإن "السلام مع البلد يجب أن يشمل الفلسطينيين لأنه بدون معالجة موضوع الدولة الفلسطينية فلن نحظى بسلام في المنطقة".
ويرى محللون أن السعودية تستطيع تجاوز الرأي العام ولكن لمرحلة معينة، ففي استطلاع نظمه في تشرين الثاني/ نوفمبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أظهر أن نسبة 76 بالمئة من السعوديين لديهم مواقف سلبية من اتفاقيات أبراهام. وبأكثر من 20 مليون نسمة يصعب على القادة السعوديين مواجهة الرأي كدول صغيرة مثل البحرين والإمارات.