تبنى
البرلمان الأوروبي، في خطوة نادرة، قرارا ضد
تونس بشأن "الاعتداءات الأخيرة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والاعتداءات على النقابات العمالية"، بالأغلبية الساحقة.
وحصد القرار 496 صوتا من أصل 537، في خطوة تكشف مخاوف الاتحاد الأوروبي بشأن انتهاكات الحقوق والحريات التي انعكست في
الاعتقالات الأخيرة في تونس.
وجاء القرار بعد شهر من تبني البرلمان الأوروبي توصية جديدة، تدعو إلى منع ممثلي المغرب من دخول مقرات المؤسسة التشريعية الأوروبية، إلى حين انتهاء تحقيقات السلطات البلجيكية في قضية الفساد المزعومة المتصلة بقطر والمغرب.
وحدد نص القرار سلسلة من الأحداث والحقائق التي عرفتها تونس خلال الفترة الأخيرة، والتي اعتبرها البرلمان الأوروبي أنها ترسم صورة دامغة للانحراف المتصاعد للحريات للنظام التونسي، الذي يميل نحو الاستبداد.
وأشار القرار، غير المسبوق، إلى اعتقال نور الدين بوطار، الصحفي ومدير إذاعة "موزاييك إف إم" الخاصة، في 11 شباط/ فبراير 2023، إضافة إلى اعتقال العديد من الشخصيات السياسية، معتبرا أن الإيقافات جاءت بعد تقديم الصحفيين أمام المحكمة العسكرية وتصنيفهم على أنهم "إرهابيون" و"خونة" من قبل الرئيس سعيّد.
كما أشار القرار أيضًا إلى المراسيم التي تنتهك الحريات، بما في ذلك المرسوم بقانون 54 الشهير المتعلق بجرائم الإنترنت، وأيضًا مشروع قانون المنظمات غير الحكومية، الذي ينص على موافقة حكومية مسبقة.
كما تحدث القرار عن الاعتقالات التي شملت النقابيين التابعين للاتحاد العام التونسي للشغل منذ نهاية كانون الثاني/ يناير 2023، عقب إضراب النقابيين، بمن فيهم أنيس الكعبي، وكذلك طرد سكرتير الاتحاد الأوروبي لنقابات العمال (ETUC) إستر لينش في 23 شباط/ فبراير 2023، وحظر دخول نقابات العمال من ست دول إلى تونس.
وأشار القرار كذلك إلى الاتهامات الكاذبة الموجهة ضد المهاجرين من جنوب الصحراء الذين يسعون إلى "استبدال التونسيين ديموغرافيًا" والذين تعرضوا للاعتداءات.
ودعا القرار الذي أقره أعضاء البرلمان الأوروبي إلى إطلاق سراح الصحفيين والنقابيين وأي شخص يتم اعتقاله بشكل تعسفي، من أجل وضع حد للهجمات على المجتمع المدني.
وتضمن القرار القلق البالغ إزاء ما وصفه البرلمان الأوروبي "بالانجراف الاستبدادي" للرئيس قيس سعيّد، والدعوة إلى إعادة القضاة المعزولين إلى وظائفهم فورا، ووضع حد لاستخدام المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين.
كما طالب بإعادة القضاة المفصولين تعسفيا إلى وظائفهم، وإلغاء جميع الإجراءات التي تقوض استقلال القضاء، ووضع حد لمحاكمة المدنيين من قبل المحاكم العسكرية.
وفي السياق، قال إيمانويل موريل نائب رئيس لجنة العلاقات الأوروبية المغاربية في البرلمان الأوروبي إن تونس تمر بأزمة سياسية من مظاهرها تدهور كبير للحريات العامة ولدولة القانون.
وعبّر موريل عن قلق البرلمانيين الأوروبيين من الإجراءات التي اتخذتها تونس في الأشهر القليلة الماضية.
وسبق للبرلمان الأوروبي أن ناقش في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 الأوضاع في تونس بحضور مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وذلك بعد نحو 3 أشهر من إعلان الرئيس التونسي إجراءات استثنائية تسمح له بتولي كل السلطات.
وجاء التصويت على القرار قبل أيام من اجتماع مرتقب لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 20 آذار/ مارس الجاري، لمناقشة الوضع في تونس.
وتشن السلطات التونسية منذ الشهر الماضي حملة اعتقالات شملت معارضين للرئيس سعيّد، الذي قال إن المعتقلين من سياسيين وصحفيين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال مسؤولون عن "التآمر ضد أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".
سبقت عمليات الاعتقال تلميحات واضحة من الرئيس خلال لقاء بوزيرة العدل ليلى جفال الأسبوع الفائت، جاء فيها "من غير المعقول أن يبقى خارج دائرة المحاسبة من له ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم، فالأدلة ثابتة وليست مجرّد قرائن".
وتتزامن حملة الاعتقالات وسعي الرئيس قيس سعيّد إلى وضع حجر الأساس لنظامه الرئاسي والذي تميز بمقاطعة كبيرة من قبل الناخبين لا سيما إثر مقاطعة نحو تسعين في المئة من الناخبين دورتي الانتخابات النيابية الفائتة.