نشرت صحيفة "
بروفيل" الروسية تقريرا سلطت فيه الضوء على
الجهود الدبلوماسية التي تبذلها
الصين في سبيل تطبيع العلاقات
السعودية الإيرانية،
الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن
عملية عاصفة الصحراء أحدثت فرقا في تاريخ الوجود العسكري الأمريكي في الشرق
الأوسط. فقد كان لانتصار الولايات المتحدة في حرب الكويت أهمية سياسية، وقد مهد لـ
"العقد الذهبي" لأمريكا في الشؤون العالمية ونحو عالم أحادي القطب. لكن
تدخل الولايات المتحدة في العراق سنة 2003 قلب الموازين ووضع نقطة البداية لنهاية
هيمنتها في
الشرق الأوسط. وبعد عقد من الزمان ومع أحداث "الربيع
العربي"، تراجعت الهيمنة الأمريكية مع انهيار الأنظمة الاستبدادية الموالية
لها.
وأشارت الصحيفة إلى أن انخراط روسيا في الحرب إلى جانب النظام
السوري أشعر الولايات المتحدة بتغيير ميزان القوى، غير أن تعدي حجم وجودها العسكري
في المنطقة حجم قوات خصومها المنتشرة هناك، وارتباط الشركات الشرق أوسطية بالأسواق
الغربية ظل يغذي إحساس واشنطن بالتفوّق. ومع انتخاب دونالد ترامب رئيسا وشنه حملة
ضد الصين فقد أعادت الولايات المتحدة النظر في سياستها في الشرق الأوسط.
وبالنظر إلى أن إسرائيل تمثّل أكبر مصدر قلق بالنسبة لترامب في
الشرق الأوسط، فقد مثلت اتفاقيات أبراهام للأمريكيين الطريقة المثلى للتوفيق بين
اليهود والعرب، الذين يجمعهم عامل مشترك وهو الخوف من إيران ورغبتهم في التنمية
الاقتصادية. وقد ساعدت هذه الخطة على حشد الوسائل الكافية للتركيز على احتواء
الصين.
وذكرت الصحيفة أن تدخل الولايات المتحدة في الأزمة الروسية
الأوكرانية خدم مصالحها الاستراتيجية، بما في ذلك توحيد الحلفاء الأوروبيين الذين
انضموا تحت إملاءات واشنطن إلى الجبهة المعادية لروسيا. لكن في الوقت الذي كان فيه
الجيش الأمريكي يضع سيناريوهات لشن حرب في تايوان واتباع الصحافة الأمريكية سياسة
إلهاء الرأي العام عن طريق نشر تكهنات حول المنطاد الصيني المتهم بالتجسس على
الولايات المتحدة، فقد ضربت الصين من موقع غير متوقع وهو الشرق الأوسط عن طريق لعب دور
الوسيط بين الرياض وطهران لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من القطيعة.
وأوردت الصحيفة أن الاتفاق الذي لاحت بوادره عقب الزيارة التي
أداها الجانب الصيني إلى الرياض في كانون الأول/ ديسمبر من السنة الماضية، التي
تلتها زيارة الرئيس الإيراني إلى بكين، هدّد هيبة الولايات المتحدة باعتبارها قوة
عظمى. كما أن تحقيق الصين انتصارًا دبلوماسيًا وترتيب السعودية عملية المفاوضات
بأكملها سرًا مع الإيرانيين والصينيين أثار استياء واشنطن، التي لو علمت بالأمر
لأعاقته.
لكن عدم قدرة السعوديين في الوقت الراهن على الاستغناء عن المظلة
العسكرية الأمريكية في السنوات القادمة واعتماد المملكة العربية السعودية على
الولايات المتحدة في ضمان أمنها هدأ من روع الأمريكيين. ومن أجل جذب الأمريكيين
عشية الإعلان عن الصفقة مع إيران، فقد سرب السعوديون معلومات إلى صحيفة "وول
ستريت جورنال" حول استعدادهم لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، التي تدعو
إليها الولايات المتحدة. ومن أجل المضي قدما في تنفيذ هذه الخطوة، يتعيّن على
الأمريكيين تقديم ضمانات أمنية للرياض والمساعدة في تنفيذ البرنامج النووي المدني.
وأوضحت الصحيفة أن الأسباب التي تدفع طهران والرياض لتطبيع
العلاقات عديدة ومتنوعة، من بينها استنزاف إيران جهودها جراء ضغوط العقوبات
الغربية والاحتجاجات الداخلية والمشاركة في العديد من المؤامرات الجيوسياسية في
جميع أنحاء الشرق الأوسط. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية فقد حالت الحرب في
اليمن والمشاركة في العديد من الصراعات الإقليمية، التي انتهت بالهزيمة، دون نجاح
ولي العهد محمد بن سلمان في تطوير اقتصاد المملكة.
دون تسوية الخلافات، التي عرضت الصين المساعدة في حلها، يصعب على
الإيرانيين والسعوديين تجاوز الصراع اليمني والمشاكل الأخرى. وقد نجحت بكين في
تحويل مواردها الاقتصادية والتجارية إلى نفوذ سياسي أقنعت من خلاله طهران والرياض
باتخاذ خطوة نحو الانفراج.
مع ذلك، ترى الصحيفة أنه يصعب التكهن في الوقت الراهن بمدى نجاح
تنفيذ الاتفاق الإيراني السعودي الذي لا يرتبط باستئناف عمل البعثات الدبلوماسية
فقط بل أيضا بالتزام البلدين بعدم التعدي على سيادة بعضهما البعض وعدم التدخل في
شؤون جيرانهما. وفي الأثناء يشكك الأمريكيون في فرص نجاح الاتفاق، زاعمين أن
الاختبار الحقيقي لنجاح الاتفاقية هو مدى تقليل إيران من حجم ممارساتها المزعزعة
للاستقرار في المنطقة.
وبالنظر إلى الأحداث التي تطرأ على الساحة الدولية، فإنه لا يقتصر اتجاه
تطبيع العلاقات على الرياض وطهران فقط، إذ تعمل أنقرة بدورها على تحسين العلاقات
مع الرياض بعد الأزمة الدبلوماسية التي تلت اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، كما تعمل
قطر على استعادة العلاقات مع جيرانها بعد انقطاع في العلاقات منذ خمس سنوات.
وأضافت الصحيفة أن الدول الرئيسية في المنطقة تعمل على إعادة
العلاقات تدريجيا مع حكومة بشار الأسد، بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، في حين
تشهد العلاقات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تصدعا -
وهي تطورات تجري دون أي تدخل من الولايات المتحدة. وعلى عكس مخاوف واشنطن، فإن
بكين وموسكو غير جاهزتين لسد فراغ الولايات المتحدة، غير أن الوساطة الصينية في
المواجهة الإيرانية السعودية تنذر بنهاية الهيمنة الأمريكية.