نشرت صحيفة
الغارديان مقالا في افتتاحيتها، تحدثت فيه عن مضي 20 عاما
على
غزو العراق، مشيرة إلى أن آثار الحرب الكارثية أفقدت ثقة العراقيين بالعملية
الديمقراطية.
وفيما يلي النص الكامل للافتتاحية التي ترجمتها "عربي21":
لم يمض وقت طويل قبل أن يدرك الجميع أن حرب العراق كانت الكارثة التي
توقعها الكثيرون، ولم يمض وقت طويل كذلك قبل أن يتأكد الجميع من أن الحرب إنما شنت
بناء على كذبة، وأنه لم يكن لأسلحة الدمار الشامل أي وجود.
وكل ذلك الذي شعر به العراقيون من ارتياح وبهجة بسقوط نظام صدام حسين
العنيف والظالم، لم يلبث أن توارى وتبدد تحت وطأة الفظائع التي ارتكبت فيما بعد.
منذ ذلك الحين، لم يتوقف
ارتفاع عدد الضحايا، وما زال حجم الدمار الذي لحق بالبلاد يتسع. عندما حلت الذكرى
السنوية العاشرة للغزو، كان تنظيم الدولة، الذي ولد من رحم تلك الحرب، يوشك على الصعود
وتأسيس "خلافة".
وها نحن بعد مرور عقدين على نشوب الحرب، بهجوم "الصدم
والترويع" الذي شن في التاسع عشر من مارس / آذار من عام 2003، ما نزال نسبر
غور الآثار التي ترتبت على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وساندته
بريطانيا.
كان العراق بالطبع هو أكبر المتضررين، فقد مات مئات الآلاف من
المدنيين في العنف الذي تولد بعد الغزو. وبحسب تقديرات مشروع "تكاليف
الحرب"، فإن عدد من لقوا حتفهم بسبب الآثار المتعاقبة يصل إلى عدة أضعاف ذلك.
ما يزيد على تسعة ملايين عراقي شردوا من ديارهم. وآلاف العاملين
في قوات التحالف، ومعظمهم من الأمريكيين، قتلوا. وعدة تريليونات من الدولارات،
التي كان يمكن أن تنفق على تحسين معيشة الناس، تم إهدارها بدلاً من ذلك في تدمير
حياتهم. وجل إنفاق وزارة الدفاع الأمريكية حظيت به خمس شركات كبرى فقط.
وزاد من هول النكبة الإخفاق الذريع في التخطيط لما بعد الغزو. شاهد
العراقيون بأعينهم محطات توليد الطاقة والكنوز الوطنية تنهب، بينما كانت القوات
الأمريكية تقوم بحراسة وزارة النفط، وكان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد
يقلل بكل عفوية من مخاطر الفوضى، قائلاً: "الحرية غير مهذبة". ثم أفضى
الفراغ الأمني واستراتيجية اجتثاث البعث إلى احتدام الطائفية، ليس فقط داخل العراق
نفسه، بل وكذلك في أرجاء المنطقة، وغذى ذلك الإرهاب الذي أثبت أنه الأشد فتكاً
ليس فقط داخل المنطقة، بل وكذلك في الغرب، حيث أزهقت بسببه الكثير من الأرواح.
وزادت الطين بلة القرارات التي اتخذت لاحقاً، ومنها على سبيل المثال مساندة ودعم
نوري المالكي.
بدد الغزو الآمال في تحقيق حالة من الاستقرار في أفغانستان، وذلك
لأنه تسبب في تحويل الاهتمام والموارد والقوات العسكرية بعيداً عنها.
وعزز ذلك من قناعة كوريا الشمالية في أن من المحتم عليها أن تحصل على
أسلحة الدمار الشامل، وأن تدافع عن وجودها لديها.
وسرع ذلك في إنهاء حالة القطبية الأحادية الوجيزة، وقضى على الآمال
في قيام نظام عالمي يقوم على المبادئ. أفضت هذه المغامرة العسكرية، التي رأى فيها
كثير ممن شارك فيها سعياً متهوراً، لإعادة تكريس تفوق الولايات المتحدة وهيمنتها
العالمية ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلى إضعاف وتقويض البلد، وبشكل خاص
بعد الكشف عن الفظائع التي ارتكبت في أبو غريب، وغير ذلك من الجرائم البشعة التي
ارتكبت بحق المدنيين. ودونت كل من روسيا والصين ذلك في دفتر ملاحظاتها.
وكذلك فعلت بلدان جنوب المعمورة، الأمر الذي ما لبث أن أعاق مساعي
التنادي لدعم أوكرانيا. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تصطدم فيها السياسة
الخارجية للولايات المتحدة مع المثل التي تزعم أنها تتمسك بها، ولكن لم يكن الأمر
بهذا الشكل من المجاهرة وإلى هذا الحد من الانكشاف منذ الحرب في فيتنام. ونتيجة
لذلك، فقدت استراتيجية التدخل الليبرالي كثيراً من صدقيتها.
وساهم تدفق اللاجئين الذين هجروا أوطانهم بسبب انعدام الاستقرار
إقليمياً، والهجمات التي شنها أو حرض عليها تنظيم داعش داخل أوروبا، في تصاعد
التعصب القومي العرقي، وغذى الحراك المطالب بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
يبدو العراق حالياً في حالة من الهدوء النسبي. ولكن ما زالت القوات
الأمريكية متواجدة هناك بسبب المعركة المستمرة مع تنظيم الدولة.
وبالرغم من أنه توجد الآن حكومة، بعد عام من الانسداد الذي تلا
الانتخابات وتفجر موجة من العنف في بغداد، إلا أن الدولة ما زالت غير قادرة على
ضمان استمرار الكهرباء أو توفير المياه الصالحة. ونهب السياسيون والمسؤولون
المليارات.
بات ما يزيد على نصف العراقيين أصغر من أن يتذكروا الحياة في عهد صدام
حسين. والآن، يتطلع البعض إلى مجتمع وإلى حكومة تتجاوز الطائفية وتقودهم نحو
مستقبل مشرق، كما كانت تشير إلى ذلك مطالب حراك 2019 ومن شاركوا في انتخابات 2021.
إلا أن نسب المشاركة الضعيفة أكدت أن كثيرين آخرين فقدوا الثقة بالعملية
الديمقراطية، وذلك بفضل من تفاخروا بأنهم يجلبونها للبلد، وبرروا بذلك حربهم. قد
تمر أعوام عديدة أخرى قبل أن ندرك تماماً الأثار التي ترتبت على النكبة التي حلت
بالبلاد قبل عقدين من الزمن.