هاجم
الأزهر بشدة دعوات ما يسمى بـ"الديانة الإبراهيمية"، متهما
مروجيها بأنهم يستخدمونها "مطية لتحقيق مآرب سياسية"، داعيا إياهم للبحث "عن طريق آخر يحققون به مصالحهم وينفذون به أجنداتهم".
والسبت أصدرت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بيانًا
حول ما يثار من دعاوى حول تكوين كيان عقدي يجمع الديانات السماوية الثلاث في دينٍ
واحد تحت مسمى (الديانة الإبراهيمية) وما يرتبط بها من بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط
واحد بمقولة إن ذلك يعد مدخلًا سريعًا للتعاون الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات
والصراعات في العالم.
واعتبر البيان أن تلك الدعاوى تنطوي على خطر على الدين والدنيا
معًا.
ودشنت
الإمارات في شباط/ فبراير الماضي ما يسمى
بـ"بيت العائلة الإبراهيمية" وهو عبارة عن مسجد وكنيسة وكنيس في مكان
واحد، معتبرة أنها مدخل سريع للتعاون الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات
في العالم.
ووفق مؤسسيه فإن "بيت العائلة الإبراهيمية"
يستمد رؤيته من حدث توقيع بابا الفاتيكان فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب وثيقة ما
يسمى "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" في شباط/
فبراير من عام 2019 في أبوظبي.
وفي إشارة غير مباشرة للإمارات قال البيان إن "على هؤلاء
الداعين لمثل هذا التوجه أن يبحثوا عن طريق آخر يحققون به مصالحهم وينفذون به أجنداتهم
بعيدًا عن قدسية أديان السماء وحرية الاختيار المرتبطة بها، وأن يتركوا الدين لله ويذهبوا
بأغراضهم حيث يريدون، فإن الله لم ينزل دينه ليكون مطية لتحقيق المآرب السياسية، أو
أداة للانحرافات السلوكية والأخلاقية".
وأوضح بيان الأزهر أن "اختلاف الناس في معتقداتهم وتوجهاتهم
سنة كونية وفطرة طبيعية فطر الله الناس عليها، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ
رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118- 119]، وأنه لو شاء أن يخلقهم على شاكلة
واحدة، أو لسان واحد أو عقيدة واحدة لخلقهم على هذا النحو، لكنه أراد ذلك الاختلاف
ليكون أساسًا لحريتهم في اختيار عقيدتهم، قال تعالى: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن
شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]".
أضاف البيان أن "حرية اختيار المعتقد، لا تمنع التواصل
الإنساني مع أتباع الديانات الأخرى والتعاون معهم على البر والتقوى وليس على الإثم
والعدوان، لأنهم أهل كتب سماوية، والتعامل معهم على أساس العدل والاحترام المتبادل
مما يدعو إليه الإسلام، ولا يجوز الخلط بين احترام عقائد الآخرين والإيمان بها، لأن
ذلك الخلط سيؤدي إلى إفساد الأديان والتعدي على أثمن قيمة كفلها الله للإنسان، وهي
حرية المعتقد، والتكامل الإنساني فيما بين البشر، ولهذا قال سبحانه: ﴿لَا إِكْرَاهَ
فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وقال سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[المائدة:
48]".
وتابع البيان أن "الدعوة التي تطارد مسامع الناس اليوم
بما يقال عن وحدة الأديان أو ما يسمى (الدين الإبراهيمي)، قد سبق أن أثيرت من قبل،
وحسم الأزهر الشريف أمرها وبيَّن خطورتها، وأنها لا تتفق مع أصول أي دين من الأديان
السماوية ولا مع فروعه، ولا مع طبيعة الخلق وفطرتهم التي تقوم على الاختلاف في اللون
والعرق وحرية العقيدة، كما أنها تُخالف صحيح ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة، وما اتفق عليه إجماع علماء كل دين من الأديان وكل ملة من الملل".
وأكد البيان أن الأزهر "يرفض رفضًا قاطعًا مثل هذه الدعاوى،
كما يؤكد أن هذا الرفض لا يتعارض مع التعاون في المشتركات بين الأديان لتقديم العون
والمساعدة للناس وتخفيف آلامهم وأحزانهم، وعلى هؤلاء الداعين لمثل هذا التوجه أن يبحثوا
عن طريق آخر يحققون به مصالحهم وينفذون به أجنداتهم بعيدًا عن قدسية أديان السماء وحرية
الاختيار المرتبطة بها، وأن يتركوا الدين لله ويذهبوا بأغراضهم حيث يريدون، فإن الله
لم ينزل دينه ليكون مطية لتحقيق المآرب السياسية، أو أداة للانحرافات السلوكية والأخلاقية".
وأشار إلى أن الأزهر ليؤكد على أن "انفتاحه على المؤسسات
الدينية داخل مصر وخارجها، إنما هو انفتاح غايته البحث عن المشتركات الإنسانية بين
الأديان السماوية والتعلق بها لانتشال الإنسانية من أزماتها المعاصرة، ونزاعاتها المتناحرة
حتى تستطيع مواجهة ما حاق بها من ظلم الغادرين وبغي الأقوياء، وغطرسة المتسلطين على
المستضعفين، وحتى لا تقعد بها الصراعات العقدية والنزاعات الدينية عن الوصول لتحقيق
غايتها الإنسانية النبيلة".