صحافة دولية

ماذا تعرف عن الجانب المظلم لحقوق الإنسان في اليابان؟

المحققون يعاملون المتشبه بهم بعنف لإجبارهم على الاعتراف- أرشيفية
نشرت صحيفة "آي نيوز" البريطانية تقريرا تناولت فيه الجوانب المظلمة في اليابان مثل الاعترافات القسرية وعقوبة الإعدام وخطط حبس اللاجئين إلى أجل غير مسمى.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن قضية الملاكم السابق إيواو هاكامادا الذي تَقَرر إعادة محاكمته بعد 53 سنة من الحكم عليه بالإعدام، تسلط الضوء على المخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان في البلاد.

وذكرت الصحيفة أن إيواو هاكامادا سُجن لأكثر من خمسة عقود بعد إدانة يقول محاموه إنها تستند إلى اعتراف قسري وأدلة ملفقة. وقد سلطت هذه القضية مرة أخرى الضوء على الجانب المظلم من اليابان. لقد فضحت هذه القضية الصورة البراقة لليابان وآداب السلوك والحداثة، وكشفت شيئًا أكثر شرًا - يُلمح إليه من خلال الاحترام المفرط والتسلسل الهرمي الصارم.

وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم إسقاط العديد من القضايا قبل وصولها إلى قاعة المحكمة، إلا أن مشكلة الاعترافات القسرية المشتبه بها لأشخاص مثل إيواو هاكامادا، الذين لم يحضر محاموهم أثناء الاستجواب، تشير إلى احتمال حدوث سلسلة من المظالم.

اتُهم هاكامادا بقتل مدير شركة وثلاثة من أفراد أسرته في سنة 1966، وحُكم عليه بالإعدام بعد ذلك بسنتين. في البداية، أنكر الاتهامات ثم اعترف قسرا - على حد قوله - تحت استجواب الشرطة العنيف. وأقرت محكمة طوكيو العليا أخيرًا الأسبوع الماضي بأن الأدلة الرئيسية التي تم العثور عليها بعد أكثر من سنة من اعتقاله ربما تكون مختلقة من قبل المحققين.


وحسب منظمة العفو الدولية فإن هاكامادا أمضى أطول مدة في السجن ضمن المحكوم عليهم بالإعدام في العالم، وما زال 106 منهم ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام. ولطالما أثيرت مخاوف بشأن الطريقة القاسية التي يتم بها إخطار النزلاء بأنهم سيُعدمون. وغالبًا ما تأتي الإشعارات قبل ساعات من الإعدام رغم الانتظار المعتاد لعقود من الزمن حتى يتم تنفيذ العقوبة. وعلى هذا النحو، لا يتمتع النزلاء بفرصة مقابلة محامين أو أقارب قبل تنفيذ الحكم.

وذكرت الصحيفة أن النظام الياباني لا يخلو من المدافعين عنه. قال تشييو كوباياشي، مؤسس شركة الضغط اليابانية "واشنطن كور" في الولايات المتحدة، لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن "النظام القضائي الياباني صارم ولكنه عادل. والأهم من ذلك، أنه يعمل على اعتقال المجرمين وإنشاء واحدة من أكثر الدول أمانًا في العالم".

في سنة 2020، أشار البروفيسور بروس أرونسون، الذي كان يعمل سابقًا في جامعة هيتوتسوباشي ويعمل حاليا مع معهد القانون الأمريكي الآسيوي بجامعة نيويورك، إلى أنه "من الصعب وصف نظام اليابان باعتباره "فاشلا" عندما يكون لدى اليابان أدنى معدلات الجريمة والسجن والبنادق الملكية في العالم".

وأوردت الصحيفة أن بداية نظام العدالة الجنائية الياباني كانت باعتباره نظام تحقيق مستوردا من ألمانيا يعتمد على تحقيق أولي أجراه قاضي التحقيق أو المدعي العام كوسيلة للبحث عن الحقيقة. وفي مثل هذه الأنظمة يلعب محامو الدفاع دورًا ثانويًا نسبيًا، ولا يزال هذا واضحًا حتى يومنا هذا، بالنظر إلى أنه عندما يتم تحويل القضايا إلى المحاكمة، فإن المدعين العامين لديهم معدل نجاح بنسبة 99 بالمئة، إذا ماذا عن الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في الجانب الخطأ من النظام؟

من جانبها، قالت كاناي دوي، مديرة منظمة هيومان رايتس ووتش في اليابان، التي من المقرر أن تقدم تقريرا نقديا هذا الربيع حول النظام الياباني "القديم"، إن المشتبه بهم جنائيا غالبا ما يتم رفض خروجهم بكفالة، ويتم استجوابهم دون حضور محاميهم، ويحرمون من الزيارات العائلية. وتابعت أنه "ينبغي وضع نظام عدالة الرهائن، المصمم لانتزاع الاعترافات، في مزبلة التاريخ".

وحسب الصحيفة، تسمح اليابان للسلطات باحتجاز المشتبه بهم لمدة 23 يومًا دون كفالة، ثم تكرار هذه العملية مرارًا وتكرارًا من خلال تلفيق تهم جديدة، تم حجبها عن قصد في المرة الأولى. وترى شينيا تاكيدا، إحدى الناشطات في منظمة العفو اليابانية، أن "هذا يدفع الناس إلى الاعتراف بأشياء لم يقترفوها، ذلك أن 23 يومًا هي فترة طويلة إذا كنت وحيدا في هذا الموقف".

وتُظهر العديد من الأمثلة كيف يقع الفقراء ـ على وجه الخصوص ـ ضحايا لهذا النظام. ففي كانون الثاني/ يناير 2020 في أوساكا، أُلقي القبض على رجل بتهمة التسبّب في وفاة طفل يبلغ من العمر شهرين عن طريق خضّه بقوة. ولكن لم يكن لدى الشرطة دليل واضح، سواء طبي أو غير ذلك، على أن الخضّ هو سبب الوفاة، واستمر التحقيق مع الرجل وزوجته لما يقارب 10 أشهر قبل أن يتم اعتقاله وإبقاؤه رهن الاعتقال قرابة تسعة أشهر، وقيل له إنه إذا لم يعترف فستتم محاكمة زوجته، حتى تمت تبرئته أخيرًا.

وفي طوكيو، اُتّهم رجل مصاب بالسرطان بالاحتيال، وقد أخبرت عائلته منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن حالته الصحية ساءت أثناء احتجازه حين رفضت إدارة السجن إعطاءه الدواء الذي وصفه له طبيبه أو السماح للطبيب بتقييم حالته الصحية. وقد احتُجز لمدة 156 يومًا، رُفض خلالها طلب الإفراج عنه بكفالة لأسباب طبية سبع مرات على الأقل، حتى مات بسبب السرطان بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك أشخاصا أدنى رتبة من العمال ذوي الياقات الزرقاء في التسلسل الهرمي؛ وهم اللاجئون الجريئون بما يكفي لطلب اللجوء في اليابان، لا سيما أن معدل قبول اللاجئين في اليابان هو الأدنى من أي دولة من دول مجموعة العشرين. ففي سنة 2021، تم قبول 74 طلبًا فقط ويُعتقد أنه تم رفض أكثر من 10 آلاف آخرين، مما يشير إلى معدل قبول أقل من 1 بالمئة.

وفقًا لتاكيدا هناك شيء ما يتعلق بالتقاليد اليابانية يعزّز العداء للأجانب والمهاجرين "لدينا المصطلح غايجين بمعنى دخيل"، مضيفة أن "الكوميديين يمزحون في كثير من الأحيان قائلين 'نحن لسنا عنصريين، لأنه بالنسبة لنا أي شخص ليس يابانيًا هو دخيل دائمًا".


وبناءً على مقابلات مع محتجزين حاليين وسابقين في مرفق الهجرة وضباط من وكالة خدمات الهجرة وعاملين في المنظمات غير الحكومية، وجدت منظمة العفو الدولية أن انتهاكات حقوق الإنسان داخل المرفق شملت الاحتجاز التعسفي وغير المحدود، وسوء المعاملة من قبل ضباط الهجرة - بما في ذلك الضرب والحبس الانفرادي وسوء الرعاية الطبية. وقال أحد المعتقلين: "رأيتُ شخصًا حاول قطع رقبته في محاولة لقتل نفسه، كما رأيتُ العديد من الأشخاص الآخرين الذين تناولوا مواد التنظيف في محاولة للانتحار".

وأفادت الصحيفة بأن البرلمان الياباني يدرس تعديل قانون مراقبة الهجرة والاعتراف باللاجئين في البلاد، الذي من شأنه أن يسمح للسلطات باحتجاز المهاجرين غير الشرعيين إلى أجل غير مسمى - والذي عادة ما يكون السجن مدى الحياة للاجئين. وهذا يشمل الأشخاص الذين يدخلون اليابان لطلب اللجوء أو يحاولون طلب اللجوء بعد دخول البلاد. وأوردت تاكيدا أن هذا القانون قد يُمرّر في حزيران/يونيو من هذه السنة.

قدّمت الحكومة مشروع القانون لأول مرة في أوائل 2021 لكنها سحبته وسط احتجاج شعبي على وفاة طالبة لجوء من سريلانكا تدعى راتناياكي لياناج ويشما ساندامالي البالغة من العمر 33 عامًا، في مرافق الحجز، بعد أن حُرمت مرارًا وتكرارًا من العلاج الطبي على الرغم من شكواها من الألم.

وحسب مدير منظمة العفو الدولية في اليابان هيدياكي ناكاجاوا، فإن المهاجرين تحدّثوا عن تعرضهم للاحتجاز التعسفي اللامتناهي في مرافق الحجز الشبيهة بالسجون. وأضاف: "شهاداتهم توضح أن نظام احتجاز المهاجرين في اليابان يحتاج إلى إصلاح، ولكن بدلاً من ذلك تحاول السلطات اليابانية تمرير مشروع قانون تعديل سيمكنهم من الاستمرار في احتجاز طالبي اللجوء وغيرهم من المهاجرين غير الشرعيين بشكل ضمني".


وذكرت الصحيفة أنه في 31 كانون الثاني/ يناير أصدرت مجموعة العمل التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جملة من التوصيات لليابان وحثّتها على تنفيذها حتى تتماشى مع معايير القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك إلغاء عقوبة الإعدام وتحسين معاملة المعتقلين بشكل جذري. وقد دعا رئيس الاتحاد الياباني لنقابات المحامين موتوجي كوباياشي حكومته إلى تنفيذها، مشيرًا إلى أن اليابان تعتبر متخلفة عن المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولكي تحتل مكانة مرموقة في المجتمع الدولي، فهي "مُطالبة بشدة ببدء جهود ملموسة في أسرع وقت ممكن".