تعرض قناة الحوار الفضائية فيلما وثائقيا
يكشف خبايا وأسرار التحالف الذي جمع
بريطانيا بالإمبراطورية العثمانية والدولة
السعدية.
ويتطرق الوثائقي الذي يحمل اسم
"الملكة والسلاطين" لحقائق تاريخية مثيرة وغير مسبوقة ويعرض على شاشة قناة
الحوار الفضائية خلال شهر رمضان على أربعة أجزاء، تتحدث عن تاريخ التحالف بين إنجلترا والعالم الإسلامي وتحديدا الإمبراطورية
العثمانية والدولة السعدية في
المغرب، وهو التحالف الذي ما زالت شواهده حاضرة في
بريطانيا إلى اللحظة.
وبحسب القائمين على الوثائقي، يتعرض
الفيلم لمرحلة مهمة في تاريخ إنجلترا نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع
عشر كان فيها حكم الملكة إليزابيث الأولى مهددا بالزوال بعد قرارها تغيير مذهب
بلادها من الكاثوليكية إلى البروتسنتية، وهو ما جر عليها غضب الكنيسة في روما التي
أمرت بمحاصرتها، ما دفع الملكة إلى البحث عن حلفاء خارج أوروبا وخارج الحلف
المسيحي للخروج من هذا الحصار المفروض عليها من الدول الأوروبية.
وكما يأتي في الوثائقي، تجد الملكة
إليزابيث بغيتها عند
العثمانيين في عهد السلطان مراد الثالث وعند الدولة السعدية
في المغرب في عهد سلطانها الأشهر أحمد المنصور الذهبي.
وفي سرد تاريخي مسنود بالوثائق
التاريخية وشهادات نخبة من المؤرخين البريطانيين والأتراك والمغاربة، ينتقل الفيلم
الوثائقي بين لندن وإسطنبول ومراكش، لسبر أغوار هذا التحالف الذي يظهر لأي مدى
كانت الدول الإسلامية قوية ومؤثرة في أوروبا.
من جانبه، يكشف البروفيسور والمؤرخ
البريطاني جيري بروتون في هذا الفيلم فحوى الرسائل التي بعثتها الملكة إليزابيث
الأولى إلى السلطان مراد الثالث وللسلطان منصور الذهبي، وفيها تتحدث الملكة عن
أوجه التقارب بين المذهب البروتستانتي وبين الإسلام.
كما يتطرق الفيلم إلى استغلال الملكة إليزابيث
الأولى هذه الورقة لإقناع السلطان العثماني مراد الثالث بعقد علاقات دبلوماسية
معه، ولعب عدد من التجار دورا في إقناع بلاط السلطان العثماني بالسماح بفتح
تمثيلية دبلوماسية لإنجلترا والسماح للتجار البريطانيين بممارسة أنشطتهم داخل
الإمبراطورية العثمانية وهو ما شكل متنفسا كبيرا للسوق البريطانية التي حصلت على
الكثير من المنتجات القادمة من الإمبراطورية العثمانية.
أما على الصعيد المغربي فقد كانت
الشركة "البربرية" هي صلة الوصل الأولى بين الدولة السعدية وإنجلترا
ونجح التجار المغاربة في إيصال عدد من المنتجات الغذائية إلى الأسواق البريطانية
وأهمها السكر، حيث أصبحت الملكة إليزابيث مدمنة على السكر المغربي وهو ما يصفه
المؤرخون بأنه سبب "الأسنان السوداء"، التي كانت تعاني منها.
على جانب آخر، كانت إنجلترا تحصل على ملح
البارود من المغرب من أجل تصنيع الأسلحة.
ويحكي الوثائقي كيف أن الإمبراطورية
العثمانية كانت تنظر إلى إنجلترا كلاعب صغير في الساحة الدولية، ولهذا لم تعين
سفيرا لها في لندن رغم استمرار العلاقات التجارية.
ويتابع الوثائقي بأنه رغم ذلك حاولت
الملكة إليزابيث التقرب للسلطان العثماني بأي طريقة، فنجحت في النهاية بربط علاقة
صداقة مع السلطانة صفية زوجة مراد الثالث، بعد الكثير من المراسلات بينهما، وهكذا
ضمنت إليزابيث الأولى أن يكون لها صوت داخل محيط السلطان العثماني مراد الثالث،
الذي كانت له أولويات أخرى في صراعه مع الدولة الصفوية.
وينقل الوثائقي عن مؤرخين مغاربة
وبريطانيين كيف نجحت إليزابيث الأولى في إقناع السلطان المنصور الذهبي في التفكير
في إقامة تحالف عسكري من أجل إسقاط ملك البرتغال وتعويضه بأمير برتغالي يحظى بدعم
السعديين والإنجليز، وذلك لتقييد النفوذ الإسباني، خصوصا وأن إسبانيا كانت خصما
لإنجلترا وكذلك للمغرب، حيث كانت تطمع إسبانيا دائما في السيطرة على مدينة العرائش
الساحلية والمهمة.
ويظهر من خلال هذا الوثائقي حجم
التأثير الثقافي والاجتماعي والدبلوماسي لوصول وفود مسلمة من الإمبراطورية
العثمانية والدولة السعدية، على حياة البريطانيين، وينقل عن المؤرخين البريطانيين،
كيف أن مأكل البريطانيين تأثر بالسلع القادمة من المغرب والإمبراطورية العثمانية،
بل إن هذا التأثير وصل إلى لباس الملكة إليزابيث، التي كانت لها خادمة مسلمة تدعى
"أورا سلطانة" أصبحت هي مستشارتها للأزياء وخادمتها المقربة جدا.
ومن أهم المحطات التي يتحدث عنها
الوثائقي هي وصول السفير المغربي عبد الواحد بن مسعود بن محمد عنون إلى لندن سنة
1600 ميلادية، وكان حدث وصوله أمرا مهما أحدث جدلا واسعا بين سكان العاصمة لندن،
ويقدم الوثائقي تفاصيل عن إقامة السفير في أرقى شوارع العاصمة لندن، وكيف أن
الملكة سمحت له بممارسة شعائره الدينية، وكيف كان يعمل على إقامة حلف عسكري مغربي
بريطاني من أجل الوصول للعالم الجديد (أمريكا) والحصول على الذهب من هناك، وكيف أن
الملكة إليزابيث حاولت تجنيد السفير المغربي للعمل معها، إلا أنه رفض العرض وغادر
البلاد، لكن قبل مغادرته، يبقى له أثر ما زال حاضرا لحد الآن وهو لوحته الموجودة
حاليا في حوزة جامعة "بيرمنغهام" البريطانية.
وتعتبر اللوحة من أقدم وأشهر اللوحات
لشخصيات دبلوماسية وصلت إلى لندن، ولعل أهمية هذا السفير جعلته محط أنظار سكان
العاصمة لندن، ومنهم أشهر كتابها المسرحيين ويليام شكسبير، وهنا يبحث الوثائقي في
مدى تأثير شخصية السفير عنون في أعمال شكسبير خصوصا مسرحيته الشهيرة
"عطيل".
إنها قصة أكثر من ثلاثة عقود بنت فيها
إنجلترا علاقات تجارية ودبلوماسية واقتصادية، وخرجت بفضل هذه العلاقات من حالة
حصار خانق مفروض عليها من أوروبا، واستفادت منها ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، بفضل
دولتين إسلاميتين مهمتين وهما الإمبراطورية العثمانية والدولة السعدية.