أظهر الانفجار الذي حصل قرب مطار
السليمانية في إقليم كردستان
العراق، الجمعة، حالة من الإرباك وغياب الموقف الموحد للدولة، ففي وقت أعلنت فيه الحكومة التحقيق في الحادثة، اتهم الرئيس العراقي،
تركيا بالوقوف وراء ما حصل وطالبها بالاعتذار.
وذكرت مديرية أمن المطار في بيان، الجمعة، أن انفجارا وقع قرب سور مطار السليمانية دون خسائر بشرية، لافتة إلى أن الانفجار تسبب في حريق سيطر عليه فوج الإطفاء، مع مواصلة التحقيق في أسبابه.
استفزاز الجوار
تعليقا على ذلك، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان إقليم كردستان ريبوار بابكي، إن "ما جرى في السليمانية سببه الرئيس هو الاتحاد الوطني الكردستاني، وزعامته السياسية تتحمل المسؤولية، لأنه واقعا هو من يحكم السليمانية وليس حكومة الإقليم".
وأوضح بابكي لـ"عربي21" أن "السليمانية بسبب سياسات الاتحاد الوطني الكردستاني (برئاسة بافل الطالباني) باتت خارج سلطة إقليم كردستان، وأن الأخير سبب مشاكل للدول المجاورة ولا سيما تركيا، فهو لديه علاقة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المناوئة لأنقرة".
وأشار إلى أن اجتماعات الاتحاد الوطني مع قوات "قسد" كانت بمثابة استفزاز لتركيا، رغم أن البيان الذي صدر عن "الاتحاد" بخصوص المطار لم يدن تركيا، وهذا يعني أنه كان يحاول التطبيع معها بعدما أوقفت طيرانها إلى مطار السليمانية.
ورأى بابكي أن "ما يقوم به الاتحاد الوطني الكردستاني مخالف لسياسة إقليم كردستان الخارجية التي تدعو إلى مبدأ حسن الجوار، وأن تكون العلاقة على أساس المصالح المتبادلة واحترام هذه الدول وعدم التدخل في شؤونها".
وشدد على أن "المسؤولية الآن تقع على عاتق الاتحاد الوطني الكردستاني، ولا يمكن استخدام منشآت مهمة مثل المطار لاستفزاز دول الجوار، وهذا بعيد كل البعد عن العقلانية السياسية".
وصرّح المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي لوكالة فرانس برس، السبت، بأن القائد العام لـ"قسد"
مظلوم عبدي وعناصر من القوات الأمريكية، كانوا موجودين في مطار السليمانية في كردستان العراق، الذي استُهدف، الجمعة.
ونوه بابكي إلى أن "بيان الرئاسة العراقية جاء مغايرا للموقف الذي سلكته الحكومة الاتحادية ببغداد، ويمكن تفسير ذلك على أن الرئيس (عبد اللطيف رشيد) ينتمي إلى الاتحاد الوطني، لكن الغريب: لماذا حزبه لم يذكر تركيا في بيانه بينما هو اتهمهم بالحادث؟".
وحاولت "عربي21" جاهدة الحصول على تعليق من المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، عن ما إذا كان بيان الرئاسة العراقية يعبر عن الموقف الحكومي من حادثة مطار السليمانية، لكنها لم تفلح في ذلك.
غياب الهوية
وعلى الصعيد ذاته، قال مثنى أمين عضو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، إن "التصريحات المتضاربة في العراق تدل على غياب هوية الدولة، وكيفية التعامل بمنطق الدولة مع الأشياء، وليس انحياز رئيس الجمهورية إلى السليمانية".
وأكد أمين لـ"عربي21" أن "ما صدر من تصريحات تدل على أن العلاقات الخارجية للعراق مرتبكة، ولا تعبر عن سياسة دولة، وإنما تعبر عن انتماءات سياسية ومناطقية معينة، لذلك فإن هذا معيب بالنسبة للدولة العراقية".
وأضاف: "كان الأولى بالدولة العراقية قبل أن تهاجم أو تدين أحدا أن تنتظر لحين خروج نتائج اللجنة التحقيقية للحكومة، والتأكد من كل التفاصيل للخروج ببيان مشترك تعبر عنه وزارة الخارجية، وإن اقتضى الأمر رئيس الوزراء أو رئاسة الجمهورية".
وأشار إلى أن "التصريحات التي خرجت جاءت بناء على التعاطي مع حزب العمال الكردستاني (بي كاكا)، والذي لم يكن يعبر عن تعامل دولة، وإنما كان على أساس مناطق وأحزاب، فهناك حزب يعاديه، والآخر يتحالف معه ويقدم له المساعدات".
وأكد أمين أن "هناك أطرافا داخل الدولة العراقية تموّل حزب العمال الكردستاني بأموال عراقية، وأخرى تعتبره دخيلا ومسببا للمشكلات ومخالفا للمادة الدستورية التي تنص على عدم استهداف دول الجوار من الأراضي العراقية".
ورأى النائب أن "هذا الاضطراب في تعريف هوية حزب العمال والموقف منه يؤكد أن علاقات العراق الخارجية لا تعبر عن سياسة دولة لها مصالح عليا وتحترمها وتحرص على إعطاء كل هذه المصطلحات معانيها الحقيقية ولا تحابي أحدا وإنما تحترم سيادتها واستقلالها ومصالحها".
ولفت أمين إلى أن "ما صدر يسبب حرجا وإرباكا للعراق، وبالتالي فإن الآخرين يستغلون مثل هذه الثغرات، فهذه ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها سيادة البلد، لذلك كان من المفترض وجرّاء الخروقات التي حدثت سابقا أن نتعامل مع الأحداث تعامل دولة".
وبيّن النائب أنه "بدون وجود تحقيقات أمنية دقيقة لا يمكن أن نتهم دولة بهذا الأمر خصوصا إذا كانت تلك الدولة قد نفت مثل هذا الأمر، فمن يعلم أن الفاعل هي تركيا، لأنها سابقا عندما كانت تستهدف كانت تصيب أهدافها، فلماذا هذه المرة لم ينجرح حتى أي أحد".
وشكك أمين بوقوع الحادث من الأساس، بالقول: "أنا شخصيا أشك في جملة ما حصل. هل بالفعل كان هناك اعتداء سواء من تركيا أو من جهة أخرى وما هي الحيثيات؟ لذلك كان الأولى أن ننتظر ما تخرج به اللجنة التحقيقية التي شكلتها بغداد قبل إطلاق التصريحات".
ونفى مسؤول في وزارة الدفاع التركية، خلال تصريحات لوكالة "رويترز" للأنباء، السبت، وقوع أي عمليات عسكرية للقوات المسلحة التركية في تلك المنطقة يوم الجمعة.
وكان المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، جوتيار عادل، قد أعرب عن قلق أربيل من استهداف مطار السليمانية الدولي، مشيرا إلى أنّ "هذا الوضع هو نتيجة احتلال المؤسسات الحكومية واستخدامها في أعمال غير قانونية".
وأضاف المتحدث، الجمعة، أنّ "تصرفات حزب استبدادي (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني)، في حدود السليمانية تتسبب في إغلاق سماء تركيا أمام مطار السليمانية ومن ثم مهاجمتها، وفي النتيجة فإن المواطنين في هذه المنطقة يدفعون الثمن".
وكانت وزارة الخارجية التركية، أكدت خلال بيان في 5 نيسان/ أبريل 2023، أن قرار تعليق الرحلات جاء بسبب تكثيف أنشطة حزب العمال الكردستاني في مدينة السليمانية، وتغلغل الحزب في مطار السليمانية، ما يؤدي إلى تهديد أمن الطيران، وفق البيان.
وفي المقابل، قال زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل الطالباني، في بيان، السبت، إن الهجوم على مطار السليمانية الدولي محاولة عقيمة لـ"خدام الأجانب" والتي استهدفت زعزعة أمن منطقة السليمانية.
وأضاف أن العملية الإجرامية وخرق حدود الإقليم والعراق بأعين وإرشاد جهاز أمني استخباري داخلي ليست حالة غريبة ولدينا تاريخ طويل معها، ولكن السليمانية وتاريخها، والسليمانية وأهلها أكبر من ذلك وأكثر بطولة من أن ينال خيال أجوف لطرف من سمعتها ويفسد حياة أهلها.
وتابع بافل: "لقد صبر الاتحاد الوطني في ما مضى من أجل حماية الوئام وتحقيق المصالح العليا لشعبنا ولكن استمرار التصرفات غير اللائقة وغير المحبذة لبعض الأجهزة الأمنية التابعة لطرف سياسي في ظل حكومة تفردية فرضت نفسها قد تجاوز كل الحدود وأوصل الوضع إلى طريق مسدود"، في إشارة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وعلى صعيد موقف الدولة العراقية، فقد شهد تباينا واضحا في التعامل مع الانفجار في مطار السليمانية، الأمر الذي كشف عن التعاطي الرسمي في العراق مع حزب العمال الكردستاني وتواجده في أراضي إقليم كردستان شمال البلاد.
وقررت الحكومة العراقية، تشكيل لجنة تحقيقية برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي لمعرفة ملابسات أحداث مطار السليمانية، إضافة إلى أن البرلمان سيكلف لجنة مختصة لتقصي الحقائق، بحسب ما أعلن النائب العراقي كاروان يارويس.
وكان الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، أصدر بيانا، السبت، قال فيه إن تركيا ليس لديها المبرر القانوني "لمواصلة نهجها في ترويع المدنيين (العراقيين) بحجة أن القوات المناوئة لها موجودة على الاراضي العراقية. وندعو الحكومة التركية لتحمل المسؤولية وتقديم اعتذار رسمي".