بينما تنشغل الولايات
المتحدة في البحث عن مصادر تسريب الوثائق الاستخباراتية وتحاول التقليل من آثارها
السلبية على علاقاتها مع الحلفاء، تقدمت
الصين بخطوات ثابتة نحو إيجاد نظام عالمي
جديد؛ كانت أولى خطواته لعبها في الملعب الجيوسياسي الأمريكي ونقصد هنا الشرق
الأوسط.
منذ الحرب العالمية
الثانية اعتبرت الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والسعودية بشكل خاص
بُعدها الاستراتيجي الذي يمكنها من تأمين موارد الطاقة، ويوفر لها القدرة على أن
تكون القوة المهيمنة الوحيدة في هذه المنطقة، ولذلك ظهر ما يعرف باستراتيجية "النفط
مقابل الحماية" بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في أربعينيات
القرن الماضي. ولقد جاء هذا التعامل نظراً لأن العالم كان يشهد ظهوراً مهيمناً
للولايات المتحدة بوصفها القوة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.
بعد اكتشاف الاحتياطي
الهائل للولايات المتحدة من النفط بدأت محددات العلاقة مع السعودية بالتغير، وعليه
بدأ المنظرون الأمريكيون بالحديث عن تحول في البعد الاستراتيجي الأمريكي وتحول
الأنظار إلى ضرورة السيطرة على الخطر الصيني والتوجه نحو بحر الصين الجنوبي.
بعد عقود من الزمن وبعد تجارب فاشلة في احتلال الدول كالعراق، وأفغانستان وسوريا، بدأت الولايات المتحدة تفقد قدرتها على إدارة الشرق الأوسط من خلال إعمال القوة العسكرية أو التدخل المباشر لإحداث التغييرات التي تلائم السياسات الأمريكية. لقد قرأ العرب ونقصد هنا (مصر والإمارات والسعودية) هذه التحولات بشكل جيّد
من جهتها فقد شكّلت
زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا لحظة تاريخية فارقة في المعادلات
الدولية، إذ تم التوقيع على اتفاقيات تجارية واقتصادية بين البلدين ويتوقع كذلك أن
تزود الصين روسيا بأسلحة صينية متطورة لاستخدامها في الحرب. وتنظر الصين إلى حالة
الحرب الروسية الأوكرانية كحالة مشابهة لتايوان والصين.
بعد عقود من الزمن
وبعد تجارب فاشلة في احتلال الدول كالعراق، وأفغانستان وسوريا، بدأت الولايات المتحدة
تفقد قدرتها على إدارة الشرق الأوسط من خلال إعمال القوة العسكرية أو التدخل
المباشر لإحداث التغييرات التي تلائم السياسات الأمريكية. لقد قرأ العرب ونقصد هنا
(مصر والإمارات والسعودية) هذه
التحولات بشكل جيّد، وذلك لأن هذه الأطراف كانت
الأطراف الأكثر تضرراً من تغيير الاستراتيجيات الأمريكية طويلة الأمد.
منعت الولايات المتحدة
حكومة السيسي من إتمام صفقة شراء طائرات سوخوي 35 المتطورة، وهي في الوقت ذاته
تمنعه من امتلاك البديل الأمريكي طائرات إف 35، وهذا ما سيضعف مصر أمام التهديدات
المحتملة من قبل إثيوبيا كعامل تهديد قريب وإسرائيل كعامل تهديد بعيد.
من جهتها امتنعت إدارة
ترامب، التي اعتُبرت حليفة للأصدقاء في الإمارات والسعودية عن الرد على استهداف
عصب الحياة الاقتصادي السعودي، ونقصد آبار ومصافي النفط في المملكة بعد استهداف
الحوثيين لها في العام 2019، كما قامت الولايات المتحدة في العام 2022 بسحب
بطاريات الدفاع الجوي الباتريوت من السعودية وتحويلها إلى أوكرانيا لمواجهة الروس
هناك.
على نفس المنهج سارت
إدارة بايدن حيث امتنعت عن مطالبات الإمارات لها بإدانة الهجمات الحوثية على الإمارات
في كانون الثاني/ يناير 2022.
كل التحولات السابقة
دفعت الدول العربية لإيجاد توازن استراتيجي في العلاقة مع الولايات المتحدة، ودفعت
لإيجاد علاقات مع كل من روسيا والصين بوصفها قوى صاعدة على الساحة الدولية. وعليه
فقد جاء اتفاق المصالحة السعودية- الإيرانية بوساطة صينية ضربة موجعة للولايات المتحدة
لأن هذه الوساطة جاءت في الملعب الجيوسياسي الأمريكي، كما شكلّت ضربة موجعة
لمستقبل اتفاقيات "أبراهام" للتطبيع مع إسرائيل.
تعتبر القراءة الأولية والمبكرة للتحولات على الساحة الدولية وإمكانية ظهور عالم جديد متعدد الأقطاب مهم للغاية من ناحية صنع وتبني سياسات واستراتيجيات طويلة الأمد في منطقة الشرق الأوسط، وعلى العرب فهم وإدراك هذه التحولات ليكونوا لاعبين مؤثرين في صناعتها
المفاجأة الكبرى جاءت
من مصر هذه المرة، إذ كشفت وثائق سربتها صحيفة واشنطن بوست عن خطط مصرية لتزويد
روسيا بأربعين ألف صاروخ لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا. هذا التحرك إن دلّ على
شيء فهو يدل على تغير في خارطة التحالفات التقليدية التي رسمتها الولايات المتحدة
على مدار عقود.
وبدورها فلم تتخلف
الإمارات عن الركب، فقد كشف وكالة أسوشييتد برس عن وثائق مسربة تكشف تعاون
استخباراتي وأمني بين الإمارات وروسيا ضد الولايات المتحدة وبريطانيا.
ختاماً، تعتبر القراءة
الأولية والمبكرة للتحولات على الساحة الدولية وإمكانية ظهور عالم جديد متعدد
الأقطاب مهم للغاية من ناحية صنع وتبني سياسات واستراتيجيات طويلة الأمد في منطقة
الشرق الأوسط، وعلى العرب فهم وإدراك هذه التحولات ليكونوا لاعبين مؤثرين في
صناعتها وليس جزءاً من تفاهمات القوى العظمى عليها.